الرباط، المغرب — اتّهم وزير الداخليّة المغربيّ عبد الوافي لفتيت جماعة العدل والإحسان وحزب النهج الديمقراطيّ والجمعيّة المغربيّة لحقوق الإنسان بالوقوف وراء الاحتجاجات التي ما زالت مستمرّة في مدينة جرادة المغربيّة الواقعة شرق المملكة قرب الحدود مع الجزائر، وذلك منذ وفاة شقيقين نهاية كانون الأوّل/ديسمبر الماضي داخل إحدى الآبار غير المرخّصة المعروفة في جرادة باسم "الساندريّات" المخصّصة لاستخراج الفحم الحجريّ.
وكان عبد الوافي لفتيت قد ألمح إلى أنّ الجماعة الراديكاليّة الإسلاميّة التوجّه والمحظورة قانونيّاً والحزب اليساريّ الراديكاليّ والجمعيّة المعروفة بمواقفها المعارضة للدولة لم تعترف خلال السنوات الماضية بأيّ شيء إيجابيّ في الدولة، وكان ذلك في الاجتماع الذي ترأسه لفتيت الإثنين الماضي في لجنة الداخليّة والجماعات الترابيّة بمجلس النوّاب والمخصّص لدراسة أحداث جرادة، حيث ذكر الأطراف المشار إليها بالاسم للمرّة الأولى، متّهماً إيّاها بالسعي إلى تعميم الاحتجاجات في المغرب، وبأنّ ما يجري في جرادة هو عمل منظّم ومخطّط له.
هذا وقد اندلعت احتجاجات جرادة، إثر وفاة الشقيقين بسبب انهيار طبقات من الأرض عليهما، الأمر الذي خلّف موجة غضب كبيرة لدى سكّان المدينة البالغ عددهم حوالى 40 ألف نسمة، والتي كان المورد الاقتصاديّ الرئيسيّ لسكّانها مرتبطاً بالعمل في مناجم استخراج الفحم الحجريّ، التي قرّرت الحكومة إقفالها في نهاية التسعينيّات، دونما إيجاد بدائل اقتصاديّة ملائمة، الأمر الذي اضطرّ السكّان إلى الاستمرار في استخراج الفحم بطرق تقليديّة وغير آمنة، أدّت إلى وفاة العشرات منذ ذلك الوقت.
احتجاجات سكّان جرادة جاءت في سياق موجة احتجاجات يعرفها المغرب منذ سنوات، كان آخرها احتجاجات سكّان مدينة الحسيمة غير البعيدة عن مدينة جرادة، غير أنّ احتجاجات هذه الأخيرة طالبت الحكومة بتفعيل مبدأ محاسبة المسؤولين، إضافة إلى مطالبة الحكومة بتقديم بديل اقتصاديّ ومراجعة فواتير الماء والكهرباء، لتضيف لاحقاً مطلب إطلاق سراح المعتقلين، بحسب تصريح أدلى به لـ"المونيتور" الناشط الحقوقيّ كريم السعيدي.
وكانت الحكومة المغربيّة قد أعلنت في 10 شباط/فبراير عن الخطوط العريضة للخطّة التي تريد من خلالها الاستجابة إلى مطالب المتظاهرين، وقد أعلن عنها رئيس الحكومة في زيارته برفقة وفد وزاريّ للجهة الشرقيّة، غير أنّ كريم السعيدي اعتبر في التصريح ذاته لـ"المونيتور" أنّ تلك الخطّة مجرّد وعود لم يتحقّق منها شيء. كما لم يتحقّق شيء من البرامج والوعود الحكوميّة السابقة، الأمر الذي يبرّر بحسب قوله استمرار الاحتجاجات من دون توقّف.
كما كانت وزارة الداخليّة المغربيّة قد عمّمت في 13 آذار/مارس الجاري بلاغاً رسميّاً على وسائل الإعلام تتّهم فيه جهات معيّنة بالوقوف وراء الاحتجاجات والتحريض عليها.
وأشار البلاغ إلى تأكيد وزارة الداخليّة "أحقيّتها في إعمال القانون بمدينة جرادة من خلال منع التظاهر غير القانونيّ في الشارع العام والتعامل بكلّ حزم مع التصرّفات والسلوكات غير المسؤولة".
وفي 15 آذار/مارس، أبلغت وزارة الداخليّة السلطات القضائيّة بضرورة فتح تحقيق في التّهم التي وجّهتها إلى الناشطين بفبركة الصور والفيديوهات للإيحاء بأنّ الأمن المغربيّ يتدخّل بصورة غير قانونيّة في منع الاحتجاجات، في إشارة إلى فيديو دهس سيّارات الأمن للمتظاهرين الذي انتشر بقوّة في وسائل التواصل الاجتماعيّ، كذبته السلطات المغربي في حينها وأعلنت إصابات في صفوف الشرطة ليتمّ بعد ذلك اعتقال عدد من النشطاء، من ضمنهم ناشطون منتمون إلى جماعة العدل والإحسان المحظورة قانونيّاً، وأشهرهم القياديّ في الجماعة البشير عابد.
واعتبرت جماعة العدل والإحسان في تصريحات رسميّة لمسؤولين كبار فيها تلك الاعتقالات مجرّد تهرّب حكوميّ من تنفيذ مطالب المتظاهرين، غير أنّها لا تنفي تواجد أفراد من أعضائها في كلّ الاحتجاجات التي يشهدها المغرب منذ سنوات، كما جاء في التقرير الذي نشرته الجماعة على موقعها الرسميّ، الأمر الذي اعتبره الباحث في شؤون الحركات الإسلاميّة إدريس الكنبوري في تصريح لـ"المونيتور" ارتباكاً في موقف الجماعة وتصريحاتها، بحيث نفت علاقتها بحراك الحسيمة، ثمّ عادت لاحقاً لتؤكّد علاقتها به.
إقبال الجماعة على الردّ بقوّة وكثافة على بلاغات الداخليّة في خصوص جرادة، يشير بحسب إدريس الكنبوري إلى أنّ ثمّة حضوراً تحريضيّاً للجماعة لا يمكن إنكاره، والجماعة بحسب قوله[لا تتخوّف من إعلان وجودها في ميدان التظاهر بجرادة، نظراً لطابعه العماليّ والاجتماعيّ وعدم وجود شبهة الانفصال التي التصقت باحتجاجات الحسيمة.
وقال الكنبوري في حديث لـ"المونيتور": إنّ الجماعة تتعامل بمنطق انتهازيّ، نظراً لتنسيقها مع تيّارات يساريّة راديكاليّة تتقاطع معها فقط في معاداة الدولة والرغبة في توريطها، بدل الرغبة في الإصلاح والإقبال على المشاركة السياسية. وإنّ الجماعة في نظر الكنبوري تعاني "قصوراً في الرؤية"، تعوّض عنه باللجوء إلى أساليب كهذه.
معلومات متقاطعة توصّل إليها "المونيتور" من مصادر ميدانيّة أشارت إلى أنّ ثمّة تواجداً لأفراد من جماعة العدل والإحسان وحزب النهج الديمقراطيّ اليساريّ الراديكاليّ، وهم بحسب المصادر ذاتها، يقومون بتحريض المتظاهرين على الاستمرار في التظاهر، ويقومون أيضاً بتنظيم الاحتجاجات وترتيب الشعارات، الأمر الذي اعتبره عضو الأمانة العامّة في الجماعة عمر إحرشان في تصريح خصّ به "المونيتور" "صمّام أمان" لأنّ الجماعة، على حدّ تعبيره، "تقوم بدورها التأطيريّ المنوط بها" وقال: "من الأولى للسلطة أن تنتبه إلى أنّ غياب الوسائط المجتمعيّة، وخصوصاً في المناطق البعيدة عن المركز، يجعلها قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أيّ لحظة".
وأشار المتحدّث ذاته لـ"المونيتور" إلى أنّ "هناك من يحاولون الاصطياد في الماء العكر فيتّهمون العدل والإحسان بأنّها هي التي تحرّك الاحتجاجات، وهؤلاء في الحقيقة يعطون للجماعة أكثر من حجمها ويبخسون عمل تيّارات مجتمعيّة أخرى"، لافتاً في التصريح ذاته إلى أنّ أمر اتّهام الاحتجاجات بات مألوفاً، وينبغي الالتفات إلى الاستجابة للمطالب أكثر من اتهام القوى السياسيّة التي تنتمي اليه.
الاحتجاجات التي تعرفها مدينة جرادة تستمرّ على إيقاع تبادل الاتهامات بين الحكومة وبين المتظاهرين، الحكومة في نظر المتظاهرين تماطل في تحقيق مطالبهم، والحكومة تبالغ في اتهام الاحتجاج بأنّه مدفوع بأجندات تخريبيّة، والفيصل بينهما أنّ الدولة والنظام سيبقيان قائمين، والاحتجاج سيبقى مستمرّاً ما دامت هناك حاجات. ولذلك، لا حاجة إلى المبالغة في تبادل الاتهامات، لأنّ الحلول الممكنة لا يمكن إنجازها خارج الاستقرار وتوقّف الاحتجاجات، حلول يمكن فقط تطبيقها إذا تمّ تطبيق مشروع الجهوية المتقدّمة الذي يتضمّنه دستور المغرب، لا سيّما إذا تزامن ذلك التطبيق مع حدوث انتعاش في الاقتصاد المغربيّ على إيقاع قطف ثمار تحرّكات المغرب في إفريقيا.