بأدوات بدائيّة، استطاع عضو الاتحاد الأردنيّ للكيك بوكسينغ المدرّب الأردنيّ فادي الصقور إنشاء مركز رياضيّ مجانيّ داخل مخيّم الحصن للاّجئين الفلسطينيّين (80 كلم شمال عمّان) لتدريب الأشخاص ذوي الإعاقة على فنون الدفاع عن النفس. بعد أن انتشرت مقاطع فيديو عبر شبكات التواصل الاجتماعيّ لأشخاص ذوي إعاقة يتعرّضون إلى انتهاكات جسديّة ونفسيّة من قبل مواطنين.
لم يقف فادي الصقور مكتوف الأيدي في عام 2016 عندما شاهد عبر موقع "فيسبوك" مواطناً يرشّ مادّة مزيلة للصدأ داخل فمّ شخص من ذوي الإعاقة في مدينة اربد (شمال عمّان) مع سخرية كبيرة رافقت هذا الفيديو، الأمر الذي دفعه إلى توظيف خبرته في رياضة الكيك بوكسينغ لتعليم الأطفال ذوي الإعاقة فنون الدفاع عن النفس.
وقال الصقور، الذي كان مدرّب رياضة في الجيش الأردنيّ قبل أن يتقاعد في عام 2014: "دفعتني هذه الحادثة وغيرها إلى التفكير بحماية هذه الفئة الضعيفة، وتعزيز الثقة بأنفسها بعد أن تحوّلت إلى مادّة للسخرية. ولذا، استأجرت منزلاً متآكلاً في مخيّم الحصن على حسابي الشخصيّ، وقمت بصناعة آلات التدريب من خلال لحام قضبان حديديّة واستخدام موادّ أوليّة. وأطلقت عليه اسم مركز سواعد النشامى، وبدأت باستقبال مختلف الإعاقات من متلازمة داون والصمم والتشوّه الخلقيّ، وبتدريب هذه الفئة على كيفيّة مواجهة المعتدي".
أضاف في حديث لـ"المونيتور": "إنّ المركز يضمّ الآن 20 طفلاً معاقاً، جميعهم من أبناء المخيّم. كما أسّست فريقاً للكيك بوكسينغ مكوّناً من 8 أطفال جميعهم من الصمّ والبكم، واستطاع المركز رغم ضعف الإمكانات تأسيس اللاّعب الأردنيّ المحترف الطفل أشرف أبو عزيز المصاب بمتلازمة داون. ولقد خاضوا جميعاً تجربة المشاركة في بطولة عالميّة في اليونان للمرّة الأولى بتاريخ العالم في عام 2016، حيث يحصل فيها أشخاص ذوو إعاقة على ميداليّات ذهبيّة في فنون قتاليّة".
لقد زار "المونيتور" المركز الرياضيّ، الذي يقدّم خدماته مجّاناً إلى الأشخاص ذوي الإعاقة، وهو يفتقر إلى الدعم الماديّ، فجدرانه تغطّيها الرطوبة، إلى جانب افتقاره للأجهزة الحديثة للتدريب والزيّ المناسب للرياضة، وقال الصقور: "ليس هناك من دعم، فكلّ ما أقدّمه في المركز على نفقتي الخاصّة، رغم راتبي المتواضع، وأحاول حثّ الأفراد والمؤسّسات على تزويدي بالدعم اللاّزم كي أستمرّ في خدمة هذه الفئة".
ووصفت عائلات الأطفال ذوي الإعاقة، الصقور بـ"كابتن الإنسانيّة"، كما قالت لـ"المونيتور". وزادت شعبيّته بعد أن حصد البطل أشرف أبو عزيز ميداليّة ذهبيّة في بطولة أثينا للألعاب القتاليّة عام 2016، وقابل بطل اليونان في مباراة استعراضيّة، إلى جانب مباراة أخرى مع بطل لبنان حيث كسب كأس البطولة، كونه اللاّعب الوحيد الذي مثّل هذه الفئة فيها، ليعود في عام 2017 إلى بطولة أخرى لرياضة "الكيك بوكسينغ" في اليونان، ومعه 8 لاعبين من الصمّ والبكم وينال أيضاً الميداليّة الذهبيّة في مباراة استعراضيّة، بعد دعوة من رئيس الاتّحاد الدوليّ لمدرّبي الألعاب والفنون القتاليّة حسّان البيطار.
وقال والد أحد الاطفال ذوي الإعاقة: "حدثت نقلة نوعيّة لابني المصاب بتشوّه خلقيّ، بعد أن تلقّى تمارين في مركز النشامى. لم يكن يخرج من البيت وثقته بنفسه كانت ضعيفة. أمّا اليوم فنراه مندمجاً بشكل أفضل في المجتمع، بسبب اختلاطه بالأطفال داخل المركز".
ويسعى الصقور إلى خلط الأطفال السليمين مع الأطفال ذوي الإعاقة في المركز بهدف الاندماج، إلاّ أنّ التحدّي الكبير هو ثقافة المجتمع، إذ ترفض عائلات أطفال سليمين إرسال أطفالها إلى المركز، في حجة أنّه للأطفال المعوّقين، وهذا أمر سيّىء جدّاً، وأحاول هذه الأيّام توعية العائلات من خلال المقابلات الشخصيّة على أنّ هذه الفئة تحتاج الى دعم معنويّ".
ورغم ما حقّقه الصقور من بطولات، إلاّ أنّ الأردن ودول العالم لا تعترفان بإمكانيّة ممارسة الأشخاص ذوي الإعاقة الألعاب القتاليّة، وتقتصر رياضة الأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن على الاتحاد الأردنيّ لرياضة المعوّقين الذي تأسّس عام خلال 1981، ويشمل رياضات مثل مسابقة الكراسي المتحرّكة وكرة الطاولة ورفع الأثقال ورمي الكرة الحديديّة وألعاب القوى فقط.
من جهته، وصف الأمين العام للمجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوّقين (جهة حكوميّة) الدكتور مهنّد العزّة ما يقوم به الصقور بـ"خطوة نوعيّة ورائدة، لكونها تهدف إلى تعزيز الحماية الذاتيّة قبل غيرها، وهو الأمر الأساس في منظومة الحماية من العنف. وإنّ استهداف الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنيّة تحديداً يعدّ أمراً موفّقاً لكونهم الأكثر عرضة لأعمال العنف والإساءة. وفي الوقت نفسه، أعتقد أنّه من الأهميّة في مكان تدريب الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنيّة والأشخاص ذوي الإعاقة النفسيّة الشديدة على كيفيّة الإفصاح والإخبار عن أيّ حالة عنف أو إساءة معاملة قد يتعرّضون لها ليتمّ الكشف عنها وملاحقة مرتكبيها والحيلولة دون تكرار مثيلاتها".
وقال لـ"المونيتور": إنّ نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة من الفئة العمريّة 5 سنوات وما فوق يبلغ 11 في المئة من إجماليّ عدد السكّان، وهذا يعني قرابة المليون شخص تقريباً، وهذه النسبة أقلّ من النسب التي تقدّرها منظّمة الصحّة العالميّة، والتي تبلغ في حدّها الأدنى 15 في المئة من إجماليّ عدد سكّان كلّ دولة".
وعن دور المجلس في مواجهة الاعتداءات على الأشخاص ذوي الإعاقة، قال: "سعى المجلس الأعلى إلى إدخال تعديلات شاملة على قانون العقوبات في عام 2017 تجعل من ارتكاب الجرائم الماسّة بالسلامة الجسديّة أو النفسيّة أو الاعتداءات الجنسيّة ضدّ الأشخاص ذوي الإعاقة ظرفاً مشدّداً يستوجب مرتكبها الحدّ الأقصى من العقاب. ونجح المجلس، بالتّعاون مع البرلمان، في إدخال هذه التعديلات ليسجّل الأردن سابقة تشريعيّة على مستوى المنطقة برمّتها تجعل من الإعاقة ظرفاً مشدّداً في التشريع الجنائيّ".
يحاول الصقور إيصال رسالة إنسانيّة إلى مجتمعه المحيط بضرورة دمج هذه الفئة بالمجتمع، إلاّ أنّ طريقه ليست ممهّدة بالزهور، ويصطدم بتحدّيات ماليّة وأخرى تتعلّق بثقافة المجتمع، مناشداً الجهات الرسميّة والقطاع الخاص دعم الأشخاص ذوي الإعاقة وإبراز قدراتهم.