خلال المفاوضات الهادفة إلى إنهاء الحرب في سوريا العام الماضي، قضى الاتفاق أن تكون إدلب إحدى مناطق خفض التصعيد الأربع في سوريا. غير أنّ مجريات الأحداث في إدلب تتخذ منحى مختلفًا.
فسياسة خفض التصعيد لم تنجح نظرًا لما تشهده المنطقة حاليًّا.
في آخر التطوّرات، تخوض مجموعات المعارضة المسلّحة المدعومة من تركيا معارك لمنع الجيش السوري من التقدّم من شمال حماه وجنوب حلب. من جهة أخرى، تسعى تركيا إلى الوقوف كالحاجز بين الجيش السوري وجماعات المعارضة، وذلك كجزء من خطة لخفض التصعيد عن طريق نشر مراقبين عسكريين. بمعنى آخر، تفتعل أنقرة الاشتباكات ثمّ تبادر بالتهدئة في الوقت نفسه.
يطغى الالتباس على المشهد. إذا كانت تركيا تنسّق مع روسيا، لماذا يحاول الجيش السوري منع تركيا من نشر قوّاتها ؟ أليس هناك اتفاق بين دمشق وموسكو ؟ أو أنّ تركيا فضّلت تفسير خطّة خفض التوتر وفقًا لمصالحها الخاصة ؟
بينما كانت الأنظار موجهة على العملية التي أطلقتها القوّات التركية في عفرين، نفّذت تركيا عمليّة أخرى في إدلب. وكاد الأمر برمّته أن يمرّ مرور الكرام لولا الهجوم التي تعرّضت له القوّات التركية.
ففي 24 كانون الثاني / يناير، وصل رتلًا عسكريًّا مؤلّفًا من 6 مركبات للجيش التركي إلى تلّة العيس جنوب غرب حلب لإنشاء نقطة مراقبة. ثمّ في 29 من الشهر نفسه، أرسل الجيش التركي وفدًا من 100 مركبة بما في ذلك 15 ناقلة دبابات إلى إدلب لتنتشر بعد ذلك في تلة العيس.
دخلت القوات التركية إلى إدلب بعد التوصّل إلى اتفاق مع فصائل هيئة تحرير الشام الإسلامية، لكنها اضطرت إلى التوقّف بين التوام وكفر كرمين بعد رصدها لقصف لتلك الطريق. وفقًا للمرصد السوري لحقوق الانسان، قام الجيش السوري وغيره من القوات الموالية للنظام المتواجدة في الحاضر بقصف منطقة الكماري بالمدفعية والصواريخ لمنع تقدّم الوفود التركيّة. على الإثر، دخلت مقاتلتان حربيّتان الأجواء السوريّة لحماية القوات البريّة التركيّة لكنها عادت أدراجها دون شنّ غارات.
انسحبت القّوات التركية بعد ذلك إلى كفر كرمين ثمّ عاود الرتل تقدّمه بعد حوالي 10 ساعات لكنه تعرّضت لهجوم بواسطة سيارة مفخخة على مشارف أتارب في ريف حلب. أعلنت القوات التركية عن مقتل مدنيّ واحد وإصابة جنديّ ومدنيّ آخر بجروح، محمّلة حزب العمال الكردستاني التي تعتبره أنقرة إرهابيًّا المسؤوليّة عن الهجوم.
واتهم الزعيم السعودي في الحركة الجهاديّة في سوريا الشيخ عيد الله المحيسنيّ جماعته بالقول : "دخل رتل تركيّ مناطق تسيطر عليها هيئة تحرير الشام بعد التوصّل إلى اتفاق معها، لتقوم الأخيرة بعد ذلك باستهداف الرتل بسيارة مفخخة. هذا العمل الوضيع لا يقوم به إلّا الذين لا دين لديهم ولا أخلاق".
تزامن هذا الهجوم مع انعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري التب رعته روسيا في سوتشي في 29 و30 كانون الثاني / يناير. وفي اتصال للرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفق الطرفان على تكثيف الجهود لإنشاء مراكز مراقبة في إدلب.
في 31 كانون الثاني / يناير، وردت تقارير غير مؤكدة حول تحرّك الرتل التركي مرّة أخرى. ولا يبدو أن الجيش السوري معني باتفاق أردوغان وبوتين حيث استمر في قصف مواقع قوّات المعارضة. وحتى الأوّل من شباط / فبراير، كان الجيش السوري قد وصل إلى 16 كيلومترًا (10 أميال) من هدفه الرئيسي في سراقب و30 كيلومترًا (18 ميلًا) من القرى الشيعيّة المحاصرة في كفريا والفوعة.
وفي إطار الاتفاق التي تمّ التوصّل إليه خلال مفاوضات السلام في أستانا العام الماضي، تمّ تقسيم إدلب إلى ثلاث مناطق: المنطقة الأولى شرق سكة الحديد، يتمّ إخلاؤها من الجماعات المسلّحة وتوضع تحت المراقبة الروسيّة كمنطقة منزوعة السلاح. وتقوم المجالس المحليّة هناك بإدارة الأحوال المدنية. أمّا غربيّ سكة الحديد والمنطقة الواقعة بين الطريق السريع والحدود التركية فتكون تحت المراقبة التركيّة. وتستقر الجماعات المدعومة من تركيا في المنطقة الثالثة إلى أن يتمّ التوصّل إلى تسوية. سيقتصر تواجد هيئية تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة في القسم الأوسط الواقع بين سكة الحديد والطريق السريع المسمى بالمنطقة الثانية.
منذ 27 كانون الأوّل / ديسمبر، تمكّن الجيش السوري من السيطرة على المنطقة الأولى بعد سيطرته على 120 نقطة على طول الطريق السريع بين دمشق وحلب. (مع ذلك، ثمّة جزء يستخدمه تنظيم الدولة الإسلاميّة لإعادة ترتيب صفوفه). وتقول قوّأت المعارضة أنّ ذلك يشكل خرقًا صارخًا لمعاهدة أستانا.
باستثناء هيئة تحرير الشام، بدأت الجماعات المعارضة عملية عسكرية في 11 كانون الثاني / يناير لاستعادة بعض المناطق التي كانت قد خسرتها أمام الجيش السوري. كما تمّ توجيه اتهامات لتركيا أنّها تلعب "لعبة مزدوجة" عندما أصبح معلومًا أنّ المعارضة كانت تستخدم مدرّعات قدمتها لها تركيا منذ حوالي خمسة أشهر. كما شاركت في هذه العمليّة الجماعات التي شاركت مع تركيا في الهجوم على عفرين، ومنها من هو مرتبط بتنظيم القاعدة وطالبان.
يمكن تفسيردعم تركيا لهذه العمليّة من منطلق أنّ أنقرة تجبر دمشق على الانخراط في عمليّة أستانا فضلاً عن عزمها الاستمرار في لعبتها المزدوجة مع هذه المجموعات. إنّ سقوط عفرين يعطي هذه المجموعات مجالًا أكبر للمناورة. هكذا فسّر كثيرون انتشار القوات التركية في تلة العيس.
والمعلوم أنّ تلّة العيس تشكّل جزءًا من منطقة خفض تصيد أخرى شرق الطري السريع بين دمشق وحلب.
في حال كانت التقارير صحيحة، تكون تركيا قد خرقت معاهدة أستانا.
تقع تلّة العيس التي تعتبر نقطة مهمة على الطريق الدولي بين دمشق وحلب، على بعد حوالي كيلومتر واحد من الحاضر التي أقام فيها الجيش السوري وحلفاؤه قاعدة متقدّمة للوصول إلى سراكب والفوعة وكفريا. والسؤال الآن هو أنّه إذا كانت القوات التركية قد انتشرت في تلة العيس، هل سيتخلى الجيش السوري عن أهدافه المتمثّلة في الوصول إلى الفوعة وكفريا وطرد العناصر المعادية من طول الطريق السريع؟ إنّ ذلك مستبعد نظرًا رغبة القوّات الإيرانيّة المرافقة للجيش السوري في كسر الحصار عن كفريا والفوعة.
يحاول الجيش السوري منذ عامين فتح طريق دمشق – حلب والسيطرة على تلّة العيس. فهذا الطريق الذي يصل إلى حلب مرورًا بداره ودمشق فحمص وحماه لا يزال خارج سيطرة الجيش السوري في خان شيخون ومعرّة النعمان وسراكب. كما أنّ هذا الخط المقطوع يمثّل حدود المنطقة الثالثة الموضوعة تحت المراقبة التركية. وكان قد تمّ قطع الطريق في ريف حماه لكن تمّت إعادة فتحه مؤخرًا. كما أنّه شكّل هدفًا للجماعات المسلّحة في منطقة حرستا في ريف دمشق.
تتخوّف مصادر مقرّبة من النظام السوري أن تسيطر القوّات التركيّة فعليًّا على هذا الطريق.