تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

أربعة عوامل تؤثّر على عمليّة تركيا الجديدة في سوريا

فيما يقترب هجوم تركيا على القوّات الكرديّة في سوريا من نهاية أسبوعه الأوّل، نجد تعقيدات ومخاطر كثيرة في الظّروف التي تؤثّر على نطاق العمليّة، وتطوّرها ومدّتها.
RTX4IJAY.jpg

بدأ للتوّ التوغّل التركي الأحدث في سوريا، لكنّ التركيز يجب أن ينصبّ الآن على أهميّة موعد انتهائه. بحلول نهاية اليوم الخامس (24 كانون الثاني/يناير) من عمليّة أنقرة التي تستهدف السيطرة الكرديّة على عفرين، وصل الجيش التركي والقوّات المحليّة المتحالفة معه، إلى جانب الدّعم الجوّي القريب الذي تقدّمه الطّائرات الحربيّة التّركيّة، إلى عمق 7.5 كيلومترات داخل سوريا من ستّة مرابط ساحليّة، واحتلّوا 11 قرية على الأقلّ. ونشأت الآن جبهة جديدة في جبل برصايا شمال أعزاز حيث تتواصل الاشتباكات العنيفة.

خلافًا للتوقّعات العامّة، لم تنطلق العمليّة من الأرض المستوية نسبيًا على خطّ أعزاز/تل رفعت/عفرين، بل من الاتّجاه المعاكس، عبورًا من الأرض المنحدرة في الشّمال والشّمال الغربي. تريد القوّات المسلّحة التركيّة الاستيلاء أوّلاً على المرتفعات الرّئيسيّة ثمّ فرض حصار طويل الأمد على المدينة التي يبلغ عدد سكّانها 200,000 نسمة. ويبدو أنّ استراتيجيّة القوّات المسلّحة التّركيّة تقوم على فتح عدّة خطوط أماميّة في مناطق مختلفة لتفريق قوّات وحدات حماية الشّعب الكرديّة التي يتراوح عديدها بين 8,000 و10,000 عنصر، وإضعاف خطوطها الدّفاعيّة.

على عكس عمليّة درع الفرات السّابقة التي أطلقتها تركيا كعمليّة للقوّات الخاصّة من شهر آب/أغسطس 2016 حتّى شهر آذار/مارس 2017، بدأ تحرّك عفرين كعمليّة مدرّعات تقليديّة. وأنا أميل إلى وصف تحرّك عفرين بأنّه ثاني عمليّة تركيّة "قائمة على نتائج محدّدة" بعد درع الفرات. وتجدر الإشارة إلى أنّ العمليّة القائمة على نتائج محدّدة تعتمد على إجراءات أمنيّة معقّدة للحصول على نتيجة سياسيّة محدّدة أو للتأثير على تفضيلات الخصوم الاستراتيجيّة بدلاً من القضاء على العدوّ تمامًا أو إضعاف إرادته للقتال. ويبدو أنّ الهدف الأساسي الآن يكمن في التّأثير على الأهداف الاستراتيجيّة للجهات الفاعلة الأخرى التي تملك مصالح في شمال سوريا، بخاصّة الولايات المتّحدة وروسيا. لذا بدلاً من القضاء على مسلّحي وحدات حماية الشّعب الذين يتراوح عددهم بين 8,000 و10,000 عنصر والعالقين في عفرين على ما يبدو، تريد تركيا أن تثبت أنّها فاعل قويّ قادر على تغيير البيئة العمليّة.

تفيد مصادر تحدّث إليها المونيتور في أنقرة بأنّ البيروقراطيّين السّياسيّين والأمنيّين يوافقون لا بل إنّهم مصمّمون بالكامل على توسيع العمليّة أوّلاً إلى منبج ثمّ إلى شرق نهر الفرات لتقويض التّعاون الأميركي مع وحدات حماية الشّعب الكرديّة على الأرض.

إلى متى ستستمرّ عمليّة عفرين؟ بقدر ما تحتاج إليه من وقت لتحقيق أهدافها، بحسب الرّئيس التركي رجب طيب أردوغان. بعد تطهير عفرين من وحدات حماية الشّعب وما تبقّى من مقاتلين، ستتشكّل إدارة جديدة بمشورة تركيا، وقد تدوم هذه العمليّة حتّى بداية الصّيف.

يبرز عدد كبير من العوامل التي قد تؤثّر على مسار عمليّة عفرين.

على عكس باقي أنحاء سوريا، إنّ منطقة عفرين جبليّة في جزء منها مع كثافة أشجار غير عاديّة. وإلى جانب هذه الخصائص التي تحدّ من إمكانيّة التحرّكات المدرّعة، تأتي الأمطار الغزيرة والضباب في شهر كانون الثاني/يناير. إذًا تصبّ هذه الظّروف المناخيّة القاسية والتّضاريس في صالح دفاعات وحدات حماية الشّعب.

هل ستمتنع وحدات حماية الشعب عن الاشتباكات الأمامية وتغادر، أم إنّها ستقاوم؟ في حال اختارت المقاومة، هل ستنسحب باتّجاه التّضاريس الجبليّة في الشمال الغربي؟ تستغلّ وحدات حماية الشّعب التّضاريس الجبليّة التي تقيّد تحرّكات الوحدات المدرّعة والغارات الجويّة. هل ستشنّ حرب عصابات أو ستعزّز مقاومتها تحت غطاء الناس المحتشدين في مراكز المدن؟ غالبًا ما كان ينسحب تنظيم الدّولة الإسلاميّة نحو المدن المكتظّة وكان أحيانًا يجبر الناس حتّى على البقاء في مناطق القتال حتّى يحمي نفسه من الغارات الجويّة ونيران المدافع البعيدة المدى. وإذا اعتمدت وحدات حماية الشّعب التكتيك عينه، وهناك مؤشّرات على احتمال قيامها بذلك، ستقع خسائر فادحة في أرواح المدنيّين؛ وقد تستعمل حتّى وحدات حماية الشّعب تلك الخسائر في صفوف المدنيّين كأداة دعاية رئيسيّة ضدّ تركيا.

يبدو أنّ تركيا حصلت على ضوء أخضر من موسكو لشنّ هجومها، نظرًا إلى أنّ روسيا تسيطر على كامل المجال الجوّي السّوري غرب نهر الفرات. لا شكّ في أنّ روسيا تعتبر أنّ العمليّة ستحدِث شرخًا أكبر بين العضوين في حلف الناتو، تركيا والولايات المتّحدة، على ضوء دعم الأخيرة لوحدات حماية الشّعب. بالإضافة إلى ذلك، تقدّر روسيا على الأرجح أنّ وحدات حماية الشّعب، في مواجهة احتمال الهزيمة على يد تركيا وحلفائها في الجيش السّوري الحرّ، ستكون الآن أكثر انفتاحًا على اقتراح موسكو السّابق بتسليم عفرين مجدّدًا لنظام الرّئيس السّوري بشار الأسد.

سيتمثّل أحد مؤشّرات المخاطرة الأساسيّة في ما إذا كانت موسكو ستزوّد تركيا بإمكانيّة الوصول على مدار السّاعة إلى المجال الجوّي فوق عفرين، أم ستفرض قيودًا على الغارات، كما كان الوضع في عمليّة درع الفرات. إذا اختارت فرض القيود، من المرجّح أن تكون روسيا هي المسيطرة على إيقاع العمليّة، فتقوم بمزامنتها مع تقدّم الجيش السّوري في محافظة إدلب جنوب عفرين وأيّ مواجهات مع قوّات وحدات حماية الشّعب المدعومة من الولايات المتّحدة في محيط دير الزور على خلفيّة السّيطرة على احتياطيات النفط. من شأن هذا أن يسمح لروسيا بإمهال الجيش السّوري المزيد من الوقت لتعزيز سيطرته على الأراضي في محافظة إدلب، ما يضعه في موقع أفضل يخوّله الاستيلاء على ما تبقّى من الأراضي التي تسيطر عليها وحدات حماية الشّعب في عفرين، والانتصار في دير الزور لإبقاء وحدات حماية الشّعب تحت الضّغط.

إنّ تركيا، التي تردّدت كثيرًا في مسألة جواز بقاء الأسد في السّلطة، تتفاوض مع الأسد بشأن احتمال العمل سويًا ضدّ وحدات حماية الشّعب وحزب الاتّحاد الدّيمقراطي القومي الكردي. لكنّ الرّئيس السّوري يعرف أنّ ما يفضّله أردوغان هو سوريا بدون الأسد، لذا قد ينتهي الأمر بالجيش السّوري إلى مساعدة القوّات الكرديّة إلى حدّ ما. وقد يقرّر الأسد أن يساعد على إجلاء وحدات حماية الشّعب التي تبدو محاصرة في عفرين، أو يساعدهم على تلقّي التعزيزات من شرق الفرات. قد تتمثّل إحدى سياسات الأسد الأخرى بـ"الانتظار والترقّب"، معتقدًا أنّه في نهاية المطاف، سيجري تسليم عفرين إلى الحكومة.

أحد الاعتبارات الأخرى هو قدرة قوّات الجيش السّوري الحرّ المدعومة من أنقرة. فالمقاتلون ليسوا أفضل من يمكن الاعتماد عليه وقد يختفون فجأة لدى مواجهة مقاومة قوية، كما حدث في الباب في خلال عمليّة درع الفرات. وهذا الضّعف قد يجبر أنقرة على نشر المزيد من وحدات المغاوير/المشاة محلّ وحدات الجيش السّوري الحرّ، ما يزيد من خطر خسارة الجنود الأتراك في حرب المدن.

ومن ثمّ يأتي الرّأي العام التركي. على الرّغم من غياب بيانات متّسقة وموثوقة من استطلاعات الرّأي، تشير الخبرة المكتسبة من عمليّة درع الفرات إلى أنّ الحكومة لن تواجه صعوبة كبيرة في حشد الدّعم الشّعبي لهجوم عفرين.

إذا نجحت تركيا في إنهاء العمليّة سريعًا، بحلول شهر آب/أغسطس مثلاً، من الممكن أن تحتفظ البلاد بمكانتها الاجتماعيّة الاقتصاديّة. لكن كلّما طالت العمليّة وزاد عدد الأراضي التي تشملها، بخاصّة إذا أدّت إلى مواجهة مع الولايات المتّحدة، زاد احتمال أن تؤذي استقرار تركيا الاقتصادي والسّياسي وتماسكها الاجتماعي.

هل سينجح أردوغان بشخصيّته الجذابة في تحويل العمليّة الرّاهنة لصالحه، فيحثّ بذلك خطاه على مساره السّريع بالفعل ليصبح أوّل رئيس تنفيذي في البلاد؟ أم ستتفاقم العمليّة إلى ما يفوق قدرة تحمّل البلاد، فتؤذي أداء تركيا الاقتصادي المتقلّب بالفعل، وتعطّل القدرات البيروقراطيّة وتردّي النقاط العصبيّة العرقيّة، والطّائفيّة والاجتماعيّة السّياسيّة؟

Join hundreds of Middle East professionals with Al-Monitor PRO.

Business and policy professionals use PRO to monitor the regional economy and improve their reports, memos and presentations. Try it for free and cancel anytime.

Already a Member? Sign in

Free

The Middle East's Best Newsletters

Join over 50,000 readers who access our journalists dedicated newsletters, covering the top political, security, business and tech issues across the region each week.
Delivered straight to your inbox.

Free

What's included:
Our Expertise

Free newsletters available:

  • The Takeaway & Week in Review
  • Middle East Minute (AM)
  • Daily Briefing (PM)
  • Business & Tech Briefing
  • Security Briefing
  • Gulf Briefing
  • Israel Briefing
  • Palestine Briefing
  • Turkey Briefing
  • Iraq Briefing
Expert

Premium Membership

Join the Middle East's most notable experts for premium memos, trend reports, live video Q&A, and intimate in-person events, each detailing exclusive insights on business and geopolitical trends shaping the region.

$25.00 / month
billed annually

Become Member Start with 1-week free trial
What's included:
Our Expertise

Memos - premium analytical writing: actionable insights on markets and geopolitics.

Live Video Q&A - Hear from our top journalists and regional experts.

Special Events - Intimate in-person events with business & political VIPs.

Trend Reports - Deep dive analysis on market updates.

We also offer team plans. Please send an email to pro.support@al-monitor.com and we'll onboard your team.

Already a Member? Sign in