أعاد تصنيف الدول المقاطعة لقطر التنظيم العالمي للإخوان المسلمين على قائمة إرهابية إلى الواجهة إتهامات قديمة لحركة النهضة في تونس باستمرار تبنيها للإسلام السياسي رغم إعلانها التحول لحزب مدني يفصل بين الدين والسياسة ويقطع مع الحركات الإسلامية .
في 24 أيّار/مايو 2016، أعلن رئيس حركة النهضة في تونس راشد الغنّوشي عن تحوّلها إلى حزب سياسيّ مدنيّ ديمقراطيّ، والفصل بين نشاطها السياسيّ والدعويّ، وذلك إثر انعقاد مؤتمرها العاشر الذي شكّل تاريخاً مفصليّاً في المسار السياسيّ والإيديولوجيّ للحركة، وتحوّلها من فصيل الإسلام السياسيّ -يؤمن بالإسلام باعتباره نظاما سياسيا للحكم- إلى الإسلام الديمقراطيّ – يؤمن بالحرية والمدنية والتنوع في أشكال الحكم.
هذا التحوّل لم يشفع للحركة لدى الأوساط السياسيّة في تونس، حيث اتّهمت ولا تزال بممارسة ازداوجيّة الخطاب السياسيّ، وبفشلها في التحوّل إلى حزب مدنيّ.
تلميحات وتصريحات حول بقاء حركة النهضة على مرجعيّتها الدينيّة، حتّى مع تحوّلها إلى حزب مدنيّ، عزّزها موقف الرجل الثاني في حركة النهضة عبد الفتّاح مورو، الذي صرّح بعد أيّام من انعقاد مؤتمر النهضة العاشر في حوار مع الشروق الجزائريّة، في 31 أيّار/مايو 2016 أنّ "حركة النهضة لم ولن تغيّر جلدها، وأنّها باقية على نهجها ومرجعيّتها الإسلاميّة"، كما نفى في السياق ذاته، أيّ علاقة لحركة النهضة بجماعة الإخوان المسلمين في الماضي أو الحاضر.
بلغت اتّهامات حركة النهضة بممارسة ازداوجيّة الخطاب السياسيّ، وعدم مضيّها فعليّاً في الخروج من جلباب الإسلام السياسيّ، أوجّها خلال الأسابيع الماضية بعد إدراج السعوديّة ومصر والإمارات العربيّة المتّحدة والبحرين الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين -هيئة إسلامية مستقلة يرأسها الشيخ يوسف القرضاوي ومقرها الدوحة - في قوائم الإرهاب المحظورة لديها في بيان نشر في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2017.
وسارعت حركة النهضة إلى إصدار بيان استنكرت فيه ما أسمته "الزجّ" باسم الغنّوشي في القائمة المذكورة، بحسب ما نقله موقع بي بي سي الإخباري بنسخته العربية والذي أورد اسم الغنوشي ضمن القائمة الإرهابية ، معتبرة ذلك "محاولة يائسة" لتشويه الفكر والمسيرة النضاليّة لرئيس الحركة، ملوّحة بمقاضاة بعض وسائل الإعلام التي روّجت للخبر.
واستغربت الحركة في السياق ذاته إقحام الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين في مثل هذه القوائم، داعية إلى تحييد المؤسّسات والعلماء "المشهود لهم بالنزاهة والتسامح" عن التجاذبات والصراعات بحسب نص البيان.
وكان موقع "بي بي سي عربي"، قد أورد في تقرير له اسم الغنّوشي ضمن قائمة الإرهاب ، لتنقل عنه كل وسائل الإعلام المحلية ، ليعود ويعتذر عمّا وصفه بـ"الخطأ".
وقال رئيس حركة النهضة لـ"المونيتور" إنّ إدراج الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين ضمن قائمة جديدة للإرهاب من قبل الدول المقاطعة لقطر، يأتي ضمن الخلاف الخليجيّ-الخليجيّ، معرباً عن ثقته بالتراجع عن هذا التصنيف بزوال الخلاف الخليجيّ، مضيفاً: "نعتبر أنّ التصنيفات السياسيّة للإرهاب وإدراج الشخصيّات المعتدلة والمنظّمات العلميّة المتخصّصة سبب في إضعاف الحرب على هذه الآفة".
وحول سعي بعض الأحزاب السياسيّة في تونس، المعارضة للائتلاف الثنائيّ الحاكم بين النهضة ونداء تونس، إلى تكوين جبهة برلمانيّة في مجلس الشعب لمنافسة الثنائيّ الحاكم، أكّد الغنّوشي أنّ "هذه الأحزاب الداعية إلى إزاحة حركة النهضة من الحكم سرعان ما كان مصيرها الفشل".
وشدّد على متانة علاقة حزبه بنداء تونس وبنجاح هذا الائتلاف في تحقيق الاستقرار وفي تكوين حزام برلمانيّ داعم للحكومة، مؤكّداً أنّ حركة النهضة أصبحت عامل استقرار في تونس.
ويرى المحلّل السياسيّ باسل ترجمان في تصريح إلى "المونيتور" أنّ "تصنيف دول خليجيّة الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين كتنظيم إرهابيّ، من شأنه أن يحرج حركة النهضة في تونس، حتى وإن نفت في أكثر من مرّة علاقتها بهذا التنظيم". وأضاف: "مشكلة حركة النهضة منذ تسلّمها السلطة، أنّها لم تستطع أن تقدّم خطاباً يقنع خصومها بموضوعيّة مواقفها، انسجاماً مع تحوّلها إلى حزب سياسيّ مدنيّ يقطع مع الإسلام السياسيّ، وبجدّيّة ما أعلنته في خصوص فكّ الارتباط بتنظيم الإخوان المسلمين وبالاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين".
واعتبر ترجمان أنّ سعي الغنّوشي سابقاً إلى أن يكون خليفة ليوسف القرضاوي، على رأس الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين، خلال مشاركته في مؤتمر الاتّحاد في اسطنبول في عام 2014، دليل آخر على تواصل الارتباط بين الحركة وهذا التنظيم، متّهماً إيّاها بممارسة ازدواجيّة الخطاب السياسيّ. وأضاف: "كان أجدى بحركة النهضة أن تعلن علاقتها بالاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين وأن تعلن عن رغبتها في مراجعة العلاقات معه على ضوء التصنيفات الأخيرة للتنظيم ككيان إرهابيّ".
وكان الغنّوشي قد نفى في نيسان/أبريل 2014، خلال حوار له عبر قناة الحوار التونسيّ أي علاقة تجمعه بتنظيم الإخوان المسلمين مفندا صحة ترشّحه لخلافة مرشد الإخوان المسلمين على رأس التنظيم الدولي ، -والذي يتهم بأن أبرز قياداته أعضاء بالإتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعلى رأسهم رئيس الإتحاد يوسف القرضاوي - مؤكّداً أنّه "شرف لا يدّعيه".
في المقابل، اعتبر المحلّل السياسيّ صلاح الدين الجورشي، في تصريح إلى "المونيتور" أنّ حركة النهضة نجحت إلى حدّ كبير منذ انعقاد مؤتمرها العاشر، في المضي نحو الفصل بين الجانبين الدعويّ والسياسيّ، مشيداً بالتزامها بما أقرّته في ما يتعلّق بتعيين الأئمة وبتحييد أبرز قياديّيها عن أيّ نشاط دينيّ ودعويّ.
واعتبر الجورشي اتّهام خصوم حركة النهضة السياسيّين بممارستها ازدواجيّة الخطاب، مجرّد اتّهامات فضفاضة عجزوا عن الإتيان بأدلّة لها، مستدركاً: "لا يمكن أن ننكر أنّ حركة النهضة كانت جزءاً من التنظيم الدوليّ لحركة الإخوان المسلمين، لكنّها انقطعت عن حضور اجتماعاته وأعلنت فكّ الارتباط به".
من جانبه، يرى القياديّ في حركة مشروع تونس المعارض، والذي أطلق مبادرة لتكوين جبهة برلمانيّة منافسة لائتلاف النداء والنهضة، الصحبي بن فرج خلال حديثه إلى "المونيتور" أنّ "حركة النهضة تعيش مشاكل وجوديّة، على المستوى الداخليّ والإقليميّ في ما يتعلّق بالاعتراف بها كحزب مدنيّ قطع مع الإسلام السياسيّ وليس كمجرّد فرع من الإخوان المسلمين حول العالم".
واعتبر أنّ الغنّوشي يعيش حالة إنكار تامّة لانتمائه إلى تنظيم الإخوان المسلمين، وأضاف: "ندعو حركة النهضة إلى فكّ الارتباط بالاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين، فهي لم تقم طوال 6 سنوات من الحكم، بمراجعات على مستوى علاقاتها بتنظيمات خارجيّة وتحالفات إقليميّة، مضادّة للسياسة الرسميّة التونسيّة".