القاهرة: كجزء من مبادرة "لأنك إنسان" التي إنطلقت عام 2013، قام 20 سوريّاً بتكوين فريق للمساهمة في الدعم والعلاج النفسيّ للأطفال السوريّين اللاّجئين في مصر لتجنّب التداعيات السلبيّة الناجمة عن ظروف الحرب والأزمات التي عاشها الأطفال قبل قدومهم إلى مصر. ورغم أنّ المبادرة كانت في البداية قاصرة على الأطفال السوريّين فقط، إلاّ أنّها بدأت أخيراً، وبالتحديد في تشرين الثاني/نوفمبر، بالتوسّع لتشمل السودانيّين واليمنيّين وجنسيّات أخرى متواجدة في مصر.
وتحدّث أبي مصطفى (25 سنة) وهو سوريّ الجنسيّة وطالب في الفرقة السادسة بكليّة طبّ عين شمس وعضو الفريق، لـ"المونيتور" فقال: "تهدف المبادرة إلى تقديم الدعم النفسيّ للأطفال القادمين من سوريا حديثاً والمعرّضين لأضرار الحرب النفسيّة من فقدان أو خوف أو عنف، نظراً لغياب فكرة الدعم النفسيّ لهم في سوريا خلال الحرب".
الجمهور المستهدف هو الأطفال بين 6 سنوات و18 سنة. أمّا عن اختيارهم لفئة الأطفال، فقال مصطفى: "لأنّهم الفئة الأكثر تعرّضاً للضغوط على غرار الحرب والاغتراب وعدم الاستقرار والضغوط الماديّة والعائليّة، وعدم قدرة الطفل على التعبير عن حاجاته النفسيّة، في ظلّ عدم استيعاب الأهل لذلك".
يتألّف الفريق من 20 متطوّعاً، منهم متفرغّون للعمل في الفريق، والآخرون طلاّب في المرحلة الجامعيّة من جامعات مختلفة.
وأشار مصطفى إلى أنّهم قاموا باستهداف 3000 طفل سوريّ خلال جلسات وبرامج فريق "لأنّك إنسان" منذ انطلاقه عام 2013، ويحتاج العلاج النفسيّ إلى 10 جلسات. وحاليّاً، يتمّ العمل مع فئة الأطفال السودانيّين واليمنيّين المهجّرين.
وعن آليّة الوصول إلى الأطفال، قال مصطفى: "عن طريق المدارس التي تمّت تغطيتها، خصوصاً السوريّة، أو المراكز الخاصّة بالأطفال والمنتشرة في القاهرة". يعتمد عمل الفريق على تطبيق برامج دعم نفسيّ متخصّصة تمّ وضعها ومناقشتها من قبل اختصاصيّين نفسيّين وأطباء.
برعاية اليونيسيف تُطبق المبادرة 5 برامج، هي بحسب مصطفى: "برنامج الحاجات الـ5 للمراهقين وكذلك للأطفال، برنامج الدعم النفسيّ للأطفال، برنامج التعامل مع الفقد، برنامج التّعبير عن الذات بالفنّ، وبرنامج كرّمني للتوعية على التحرّش".
ونجح الفريق في بناء علاقات وشبكات مع الجمعيّات السوريّة والمصريّة والدوليّة المتواجدة في مصر، وذلك لتسهيل وصول خدمة الدعم النفسيّ المقدّمة إلى الأطفال وتنسيق الحالات التي يتابعها. ورغم هذا التعاون، إلاّ أنّ الفريق ما زال يواجه بعض المشكلات، على رأسها غياب الانتشار الإعلاميّ، نقص التمويل الماديّ، وتعثّر التعاون مع بعض الأهالي. كما يحاول الفريق تقييم تجربته التي بدأت في عام 2013 من خلال "استبيانات توزّع على أهالي الأطفال أو معلّميهم قبل بدء الورشة وبعد الانتهاء منها، إضافة إلى قياس تطوّر الطفل منذ بداية الورشة حتّى نهايتها". ويهدف الفريق مستقبلاً إلى الانتشار والتوسّع لتغطية محافظات أخرى في مصر، حتّى دمج الأطفال المصريّين ضمن هذه البرامج في مدارسهم.
والجدير بالذكر أنّ وزارة التربية والتعليم نظّمت في 24 آب/أغسطس محاضرات لبعض الطلاّب السوريّين والمصريّين في إحدى مدارس "6 أكتوبر" ضمن مشروع "التعليم في بيئة آمنة" لمساندة الطلاّب السوريّين وتقديم الدعم النفسيّ والاجتماعيّ إليهم، وهو ما يشير إلى حرص الحكومة المصريّة على دمج الطلاّب السوريّين. كما أنّها بداية الاهتمام بالعلاج النفسيّ والاجتماعيّ للسوريّين في مصر.
من جهتها، أشارت وزيرة التضامن الاجتماعيّ غادة والي في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر خلال جلسة "التجربة المصرية فى استضافة اللاجئين" ضمن فعاليات منتدى شباب العالم المقام حاليًا بمدينة شرم الشيخ، إلى أنّ عدد الطلاّب السوريّين المسجّلين في المدارس يبلغ حوالي 40 ألف طالب سوريّ. أمّا عدد الطلاّب السوريّين في الجامعات المصريّة فما يقرب من 14 ألف طالب.
وفي حديث لـ"المونيتور"، أشاد رئيس الهيئة العامّة السوريّة للّاجئين الدكتور تيسير النجّار بأهميّة المبادرة، قائلاً: "نحن على استعداد لتقديم كلّ المساعدات التي يحتاج إليها الفريق واستضافة الأطفال وتقديم الجلسات إليهم، لأنّ الدعم النفسيّ غائب لدى معظم السوريّين، خصوصاً أنّ المبادرة فيها أطباء متخصّصون في مجالهم".
وأشار إلى أنّ "مصر بيئة آمنة للسوريّين، ونجحوا بالاندماج فيها، خصوصاً أنّهم يعيشون مع المصريّين، وليس في مخيّمات على غرار دول عربيّة أخرى. ولذلك، من المهمّ إيجاد أنشطة ومبادرات تساعد على إدماجهم في مصر سواء عبر مساعدتهم ماديّاً أو حتّى نفسيّاً".
ورأى أنّ الأولويّة في العلاج النفسيّ تكون للأمّهات السوريّات المسؤولات عن تربية الأطفال، واللواتي تعانين من مشكلات صحيّة وماديّة، فهنّ في حاجة إلى دعم نفسيّ كبير، وقال: إنّ الوقت مناسب الآن لتقديم الدعمين النفسيّ والاجتماعيّ إلى السوريّين في مصر، لا سيّما أنّهم ابتعدوا عن أجواء الحرب الدائرة في سوريا.
لقد أفضت الحرب السوريّة منذ اندلاعها في آذار/مارس من عام 2011 إلى نزوح أكثر من 6 ملايين شخص داخل سوريا، إذ حملت الحرب تداعيات سلبيّة عدّة على السوريّين، على غرار التداعيات النفسيّة سواء داخل سوريا أو حتّى خارجها، فقد أشارت دراسة للهيئة الطبية الدولية نشرت في عام 2015، أن 54% من المشردين السوريين يعانون من اضطرابات نفسية.
وفي هذا السياق، تحدّث استشاريّ الطبّ النفسيّ الدكتور أحمد البحيري في حوار لـ"المونيتور" عن التأثيرات النفسيّة للحروب على الأطفال، وقال: "يتعرّض الأطفال لاضطراب الكرب ما بعد الصدمة، والذي يتسبّب بأعراض اكتئاب وقلق وذهول ومشاكل في النوم واضطرابات في المشاعر مثل اضطرابات الهويّة النفسيّة والشخصيّة السيكوباتيّة والهستيريّة، الأمر الذي يؤثّر سلباً على مستقبلهم حتّى بعد انتهاء الحرب".
وشدّد على أهميّة تركيز المجتمع المدنيّ على مساعدة الأطفال، قائلاً "الذين ترعرعوا في بيئة الأزمات والحروب، لكنّه يحتاج إلى فرق علاجيّة متخصّصة من الأطبّاء النفسّيين والاجتماعيّين، مؤكّداً أهميّة وجود مراكز ومستشفيات نفسيّة للسوريّين لأنّ العلاج قد يأخذ وقتاً طويلاً".
نتيجة للحرب الدائرة في سوريا تعرّض الكثير من الأطفال إلى هزّات نفسيّة، نتيجة فقدانهم أهاليهم وترك أوطانهم أو نتيجة ما شاهدوه وعايشوه من ويلات الحرب. وتعدّ مبادرة "لأنّك إنسان" من المبادرات الفريدة التي تهتمّ بمجال الدعم النفسيّ وتعتمد على برامج نفسيّة محدّدة، ولأنّ القائمين عليها سوريّون فهم أكثر معرفة بحاجات الأطفال اللاجئين ولكن يبقى توفير الدعم الماديّ لهم أمراً مهمّاً من أجل تحقيق الأهداف المنشودة.