القاهرة - في 5 كانون الأوّل/ديسمبر، وافق مجلس النوّاب المصريّ نهائيّاً على مشروع قانون النقابات العمّاليّة الذي طالته انتقادات واسعة من النقابات العمّاليّة المستقلّة المصريّة، الأمر الذي أثار تساؤلات حول مستقبل الحركات العمّاليّة في مصر.
القانون الجديد أعدّته وزارة القوى العاملة المصريّة في العام الماضي ليكون بديلاً عن قانون النقابات العمّاليّة الصادر في القانون رقم 35 لسنة 1976، وقد وافق عليه مجلس الوزراء المصريّ في كانون الثاني/يناير 2017، ليوافق عليه مجلس النوّاب المصريّ مبدئيّاً في 7 تشرين الثاني/نوفمبر، ويقرّه نهائيّاً في جلسته العامّة في 5 كانون الأوّل/ديسبمر.
وقالت عضو لجنة القوى العاملة في مجلس النوّاب المصريّ مايسة عطوة لـ"المونيتور"، إنّه بقيت خطوة على إقرار القانون رسميّاً، حيث من المقرّر إحالته إلى رئيس الجمهوريّة للتصديق عليه ثمّ نشره في الجريدة الرسميّة ليدخل حيّز التنفيذ.
وقال وزير القوى العاملة المصريّ محمّد سعفان في تصريحات صحافيّة 6 ديسمبر/كانون الأول، إنّ القانون الجديد أعطى للعمّال الحقّ في تكوين منظّمات نقابيّة، وحرّيّة الانضمام إليها، أو الانسحاب منها، كما أنّه يتلاءم مع معايير منظّمة العمل الدوليّة والاتّفاقيّات التي صدّقت عليها مصر، في شأن حقّ التنظيم النقابيّ.
لكنّ مسؤولو النقابات العمّاليّة المستقلّة وحقوقيّون، قالوا إنّ القانون الجديد يعزّز السيطرة الحكوميّة على العمّال، ويضع شروطاً تعجيزيّة أمام إنشاء نقابات عمّاليّة. وسبق أن طالب الاتّحاد الدوليّ للنقابات ITUC في بيان أصدره في 7 تشرين الثاني/نوفمبر، الحكومة المصريّة بسحب مشروع القانون، وقال إنّه يشكّل انتهاكاً صارخاَ لاتّفاقيّة منظّمة العمل الدوليّة رقم 87 في شأن الحرّيّة النقابيّة.
وحافظ القانون الجديد، في مادّتيه الثانية والثالثة، على تشكيل النقابات العمّاليّة المشكّلة من قبل الحكومة المصريّة والمحسوبة عليها، مثل الاتّحاد العام لنقابات عمّال مصر، بينما ألزم النقابات الأخرى (المستقلّة) بحلّ نفسها وتوفيق أوضاعها خلال 60 يوماً من العمل بالقانون، على أن تقوم تلك النقابات المستقلة التي بالتقدم مجددًا بأوراق اعتمادها لوزارة القوى العاملة وفقًا -للاشتراطات التي حددها القانون الجديد- التي رأها مسؤولو النقابات المستقلة ومراقبون تمهد لدمجها النقابات العمالية التي تسيطر عليها الحكومة.
وظهرت النقابات العمّاليّة المستقلّة في شكل كبير عقب ثورة كانون الثاني/يناير 2011، وظلّت تعمل جنباً إلى جنب مع منظّمات الحكومة بعدما سمحت أول حكومة مصرية تولت بعد الثورة لتلك النقابات بحرية العمل، وفي آذار/مارس 2016، رفضت الحكومة الاعتراف بها واعتبرتها كيانات غير شرعيّة كما رفضت مؤسسات حكومية التعامل مالياً معها، ممّا دفع تلك النقابات إلى اللجوء للقضاء لمواجهة إجراءات الحكومة. ولاتزال النقابات تنتظر حكم المحكمة الدستورية العليا –أعلى محكمة بالبلاد- حيث أحالت محكمة القضاء الإداري الأمر إليها في 27 نوفمبر/تشرين الثاني.
وقال المنسّق العام لدار الخدمات النقابيّة والعمّاليّة (منظّمة غير حكوميّة) وعضو المجلس القوميّ لحقوق الإنسان المصريّ كمال عبّاس لـ"المونيتور"، إنّ القانون لم يأت بجديد ولم يختلف عن القانون السابق رقم 35 لسنة 1976 المنظّم لعمل النقابات العمّاليّة في مصر الذي يصادر الحرّيّات حيث كان يمنع تشكيل نقابات عمالية مستقلة، وتسبّب في وضع مصر على قائمة منظّمة العمل الدوليّة السوداء في الحرّيّات النقابيّة لـ4 مرّات كان آخرها في حزيران/يونيو الماضي.
ووفقاً للقانون أيضاً، تتشكّل النقابات العمّاليّة في شكل هرميّ أسفله اللجنة النقابيّة للمنشأة (لجنة واحدة على مستوى المحافظة أو المدينة)، والنقابة العامّة (بمعنى نقابة عامّة واحدة طبقاً للتصنيف النقابيّ على مستوى المهنة أو الصناعة)، والاتّحاد العامّ لنقابات عمّال مصر (اتّحاد واحد على المستوى القوميّ).
وأوضح عبّاس أنّ القانون أبقى على تشكيل الاتّحاد العامّ لنقابات مصر الموالي للحكومة، بينما حلّ باقي النقابات المشكّلة منذ سنوات في تمايز واضح على أن تنضمّ بعد ذلك النقابات في تنظيم نقابيّ واحد متعدّد المستويات بالمخالفة لنصّ المادّة 76 من الدستور المصريّ التي تكفل استقلال النقابات والاتّحادات.
وقال: "ممثّلو العمّال في البرلمان هم قيادات اتّحاد عمّال مصر، ورئيس لجنة القوى العاملة في البرلمان جبالي المراغي هو ذاته رئيس اتّحاد عمّال مصر، وبالتالي خرج القانون بالصيغة التي تناسب الاتّحاد وتميّزه عن أيّ تنظيم نقابيّ آخر".
لكنّ النائب عطوة دافعت عمّا جاء في القانون، وقالت لـ"المونيتور": "إنّ المنظّمات النقابيّة المستقلّة والدوليّة كافّة ناقشت القانون معنا وقلنا لها صراحة إنّ مصر في حرب وجود ولا يصحّ أن ننقسم، وأن يبقى لعمّال مصر أكثر من نقابة".
وأضافت: "إذا وجدت أكثر من نقابة داخل منشأة صناعيّة واحدة، ستؤثّر بالسلب على الكيان وتؤثّر على مسار التنمية التي تنتهجه الدولة، وسنصبح دولة فوضويّة"، واستطردت: "القانون من السهل أن يعدّل، لكن في الوقت الحاليّ، لا يمكن تعديله على النحو الذي تطلبه النقابات المستقلّة، والأفضل أن نبقى تحت مظلّة واحدة هي اتّحاد نقابات مصر، لاستقرار بلدنا وشركاتنا وهيئاتنا ومصانعنا".
وذكر تقرير لمركز كارنيغي للشرق الأوسط نشر في 20 أيلول/سبتمبر 2016، أنّ الحكومة المصريّة تسعى إلى إخضاع النقابات العمّاليّة المصريّة المستقلّة للحدّ من الاحتجاجات العمّاليّة بعدما ارتفعت وتيرتها. وسجّل تقرير مؤشّر الديمقراطية (منظّمة غير رسميّة معنيّة برصد الاحتجاجات العمّاليّة في مصر) 744 احتجاجاً عمّاليّاً بمصر منذ أيّار/مايو 2016 وحتّى نيسان/أبريل 2017.
وانتقد المرشّح للانتخابات الرئاسيّة المصريّة المقبلة المحامي خالد علي القانون الجديد في ندوة نظمها بمقر حزبه "العيش والحرية"، 2 ديسمبر/كانون الأول، وقال: "يفرض سيطرة على الكيان والتنظيم النقابيّ، ويضرب استقلاليّته".
وقالت الباحثة في المركز الألمانيّ للدراسات الدوليّة في برلين نادين عبدالله، في مقالة لها في جريدة المصريّ اليوم الخاصّة في 7 كانون الأوّل/ديسمبر، إنّه على الرغم من أنّ القانون في صيغته الجديدة يمثّل تقدّماً عن القانون السابق رقم 35 لعام 1976، إلّا أنّه يفرض قيوداً على حرّيّة التنظيم النقابيّ ستكون لها آثار سلبيّة على التزامات مصر.
وأوضحت أنّ المادّة 11 من القانون حدّدت نظام تكوين اللجان النقابيّة على أن يكون عدد الأعضاء كحدّ أدنى 150 عضواً٬ وهو ما يعني أنّ المنشآت الصغيرة في القطاع الخاصّ٬ تلك التي تشكّل بالفعل أغلبيّة هذا القطاع في مصر٬ لن تستطيع تأسيس كيانات نقابيّة تدافع عن حقوقها.
وأضافت: "القانون حجب إمكان إنشاء نقابات صغيرة٬ وأحجم من فرص المنافسة النقابيّة لصالح نقابات الاتّحاد العامّ في الوقت الذى لم تضمن فيه نزاهة الانتخابات النقابيّة لا في الاتّحاد العامّ ولا في النقابات الجديدة".
وبسؤال المنّسق العامّ لدار الخدمات النقابيّة والعمّاليّة عن الإجراءات التي يعتزمون اتّخاذها ردّاً على القانون، قال: "سنسلك الطرق كافّة للتصدّي للقانون وسنرسل مذكّرة إلى رئيس الجمهوريّة نطالبه فيها بعدم التصديق عليه وإعادته إلى البرلمان، وإذا صدّق عليه، سنطعن به أمام المحكمة الدستوريّة العليا".