مدينة غزّة - يتساءل الفلسطينيّون في قطاع غزّة، بسخط عن الأسباب التي تقف وراء استمرار رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عبّاس (زعيم حركة فتح)، فرض عقوباته على قطاع غزّة، وأهمّها تقليص إمدادات الوقود لمحطّة توليد الكهرباء الوحيدة في غزّة، على الرغم من توقيع حركتي فتح وحماس على اتّفاق المصالحة الفلسطينيّة في العاصمة المصريّة القاهرة في 12 تشرين الأوّل/أكتوبر.
ونصّ اتّفاق المصالحة على "الانتهاء من إجراءات تمكين حكومة الوفاق من ممارسة مهامها في شكل كامل، والقيام بمسؤوليّاتها في إدارة القطاع كما الضفّة الغربيّة في حدّ أقصى هو 1 كانون الأوّل/ديسمبر 2017"، وهو ما يعني إنهاء كلّ مظاهر حكم حماس المستمرّ منذ عام 2006 على غزّة ومعابرها ووزاراتها.
وسبق التوقيع على اتّفاق المصالحة، إعلان حماس في 17 أيلول/سبتمبر الماضي، عن حلّ اللجنة الإداريّة التي شكّلتها في 23 آذار/مارس 2017، كبديل عن حكومة التوافق، مستجيبة بذلك إلى مطالب عضو اللجنة المركزيّة في حركة فتح ومسؤولها لملفّ المصالحة عزّام الأحمد، الذي أكّد في تصريح إلى وكالة "قدس برس" للأنباء في 3 آب/أغسطس الماضي، أنّ حلّ حماس لجنتها الإداريّة هو إجراء كفيل بإنهاء العقوبات على غزّة. وعلى الرغم من تحقّق هذا المطلب، إلّا أنّ هذه العقوبات لا تزال متواصلة حتّى اليوم.
ويقول القياديّ في حركة حماس يحيى موسى لـ"المونيتور": "إنّ استمرار العقوبات هو إجراء غير مفهوم لدينا، ولا نعرف لماذا يواصل عبّاس فرض عقوباته على غزّة، على الرغم من أنّنا قمنا بحلّ اللجنة الإداريّة، وسلّمنا كامل الوزارات والمعابر إلى حكومة التوافق".
وكان وفد من حكومة التوافق يترأسه رئيس الوزراء رامي الحمد الله، وصل إلى قطاع غزة في 2 أكتوبر 2017، قادماً من رام الله، عقب إعلان حماس عن حل لجنتها الإدارية بغزة. وفي 3 أكتوبر 2017، تسلم وزراء هذه الحكومة وزارات غزة من حماس.
وأضاف: "إنّ تأخير رفع العقوبات غير مبرّر، فمن يعاني من هذه العقوبات هم الفلسطينيّون في غزّة الذين تصلهم الكهرباء 4 ساعات يوميّاً فقط، وممنوعون من السفر ومحرومون من العلاج في الخارج. لذا، فالحكومة والسلطة مطالبتان برفع هذه العقوبات فوراً ومن دون تأخير".
وكان الناطق باسم الحكومة يوسف المحمود قال خلال مؤتمر صحافيّ عقده في 3 تشرين الأوّل/أكتوبر 2017، بعد انتهاء اجتماع الوزراء الأوّل في غزّة، عقب التوقيع على اتّفاق المصالحة: "إنّ الحديث حول هذه الإجراءات سيقرّر في القاهرة خلال لقاء حركتي فتح وحماس"، المقرّر خلال الأسبوع الأوّل من كانون الأوّل/ديسمبر 2017.
ويقول عضو اللجنة المركزيّة لحركة فتح جمال محيسن لـ"المونيتور": "إنّ الإجراءات التي فرضت على غزّة، ليست عقوبات، إنّما خطوات تهدف إلى خدمة المصالحة، وخير دليل على ذلك أنّها نجحت في دفع حماس نحو المصالحة وتسليم الحكم إلى حكومة التوافق".
وأوضح محيسن أنّ عدم رفع العقوبات حتّى اللحظة عن غزّة، يعود إلى عدم تسلّم الحكومة كامل مهامها وصلاحيّاتها لإدارة شؤون غزّة، وأضاف: "صحيح أنّ الحكومة حضرت إلى غزّة وأنّ وزراءها استلموا وزاراتهم فيها، ولكنّ مباشرة الحكومة عملها في غزّة ستبدأ بعد نجاح حركتي حماس وفتح بحلّ الملفّات كافّة التي لا تزال عالقة، مثل موظّفي غزّة، أمن غزّة، والانتخابات العامة (البرلمانية والرئاسية)، وهذا سيتمّ خلال اجتماع القاهرة المنتظر في كانون الأوّل/ديسمبر المقبل".
وتابع: "نحن لا نريد استباق الأمور قبل أن نرى نتائج اجتماع القاهرة، كما أنّه ليس من المنطق أن تتمّ معالجة تداعيات أكثر من عشرة أعوام من الانقسام الفلسطينيّ بين ليلة وضحاها، لذلك تحقّق المصالحة يجب أن يأخذ وقته".
وشدّد على أنّ نجاح لقاء القاهرة المقبل "سيعتبر محطّة جديدة نحو واقع معيشيّ أفضل بالنسبة إلى الغزّيّين، حيث ستبدأ الحكومة بتنفيذ عشرات وربما مئات المشاريع التنمويّة والتشغيليّة بهدف وقف تدهور الحياة في غزّة".
ويرى أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة الأزهر في غزّة طلال عوكل خلال حديثه إلى "المونيتور" أنّ تأجيل رفع العقوبات عن قطاع غزّة يعود إلى اعتقاد الرئيس عبّاس أنّ تلك العقوبات هي التي أجبرت حماس على إلغاء لجنتها الإداريّة والذهاب نحو المصالحة.
وقال: "وهذا يجعل من تلك العقوبات ورقة قوّة في يد حركة فتح، للضغط على الغريم السياسيّ الأبرز (حماس)، للقبول بحلول فتحاويّة حيال الملفّات التي لا تزال عالقة والمنوي مناقشتها خلال اجتماع القاهرة المنتظر".
وأضاف: "الواضح أنّ فتح تحاول ليّ ذراع حماس من خلال استمرار فرض هذه العقوبات لإجبارها على تقديم المزيد من التنازلات والمرونة في الملفّات العالقة"، مستبعداً رفع العقوبات عن غزّة قبل انتهاء اجتماع القاهرة المقبل، ووضع حلول للملفّات العالقة كافّة بين الطرفين.
بالنسبة إلى موسى، فقد رفض أيّ محاولة من حركة فتح لـ"ابتزاز حماس"، وقال: "إنّ المصالحة مبنيّة على أساس الشراكة والتعاون وليس على أساس ليّ ذراع حماس، أو ابتزازها، أو عزلها عن المشهد الفلسطينيّ، فالعلاقة بين الشركاء لا تقوم على هذا المنطق، إنّما على تعزيز التعاون والتكامليّة".
وفي ما يتعلّق بسقف التنازلات التي ستقدّمها حماس خلال اجتماع القاهرة المقبل، قال مدير عامّ صحيفة فلسطين التابعة إلى حماس إياد القرا لـ"المونيتور"، إنّ الحركة تقدّم كلّ ما تملك من أجل المصالحة، كما أنّ قادتها يتبنّون تصريحات تظهر مرونة كبيرة لإنهاء الانقسام.
وكان قائد حركة حماس في قطاع غزّة يحيى السنوار أكّد خلال لقاء مع ممثّلي النقابات والاتّحادات العاملة في غزّة في 24 تشرين الأوّل/أكتوبر 2017، أنّ حركته ستعمل على "تصفير" خلافاتها الداخليّة كافّة، خصوصاً مع حركة فتح، وأنّ حماس اتّخذت قراراً بتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام مهما كان الثمن.
وبيّن القرا أنّ الرئيس عبّاس تفاجأ باستعداد حماس الكبير لتحقيق المصالحة من خلال موافقتها على حلّ اللجنة الإداريّة وتنازلها الكامل عن حكم غزّة، وقد يكون هذا شجّعه على مواصلة عقوباته على غزّة حتّى التأكّد من أنّ حماس لم تعد موجودة في مواقع الحكم في غزّة.
واعتبر القرا أنّ مواصلة فرض هذه العقوبات ضدّ غزّة "جاء خارج التوقّعات الفصائليّة والشعبيّة كافّة، حيث كان الجميع ينتظر رفع العقوبات والعمل على التخفيف من ظروف الحياة القاسية في غزّة".
ورداً على مطالبات رفع العقوبات عن غزة، قال الرئيس عباس في مقابلة مع وكالة الأنباء الصينية "شينخوا" في 23 أكتوبر 2017، إن المصالحة "تحتاج إلى وقت وصبر ولا نريد أن نستعجل الأمور".
وبات واضحاً أمام الفلسطينيّين أنّ اتّفاق المصالحة الذي وقّع في القاهرة لم يكن سوى إجراء بروتوكوليّ يمهّد إلى اجتماع الحركتين المنتظر في القاهرة، والذي يمثّل الاختبار الحقيقيّ أمام نجاح المصالحة أو فشلها، وتكمن المخاوف هنا في فشل فتح وحماس في التوصّل إلى حلول عمليّة سهلة التطبيق للملفّات العالقة كافّة، الأمر الذي يعني مواصلة فرض الرئيس عبّاس عقوباته على غزّة.