في تطوّر نوعيّ يزيد الحرب سوءاً في سيناء، نفّذ تنظيم ولاية سيناء عمليّة سطو مسلّح مكّنته من الاستيلاء على مبلغ ماليّ يقدّر بنحو 17 مليون جنيه (قرابة المليون دولار) من فرع للبنك الأهلي الحكوميّ، الواقع في منتصف مدينة العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء، ممّا أدّى إلى مصرع ثلاثة شرطيّين وخمسة مدنيّين، من بينهم حارس المصرف، وإصابة 16 آخرين.
عند قرابة الساعة التاسعة من صباح 16 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، وصلت ثلاث سيّارات (سيّارتا ملاكي وسيّارة بيك أب نصف نقل) تقلّ قرابة 20 مسلّحاً من إرهابيّي ولاية سيناء، إلى شارع 23 يوليو الرئيسيّ في وسط مدينة العريش. وبدؤوا في الانتشار السريع وفق تحرّكات تموضعيّة تظهر أنّ لديهم خطّة دقيقة مسبقة، على حدّ قول شهود العيان لـ"المونيتور".
يقول حسن الشوربجي، وهو أحد السكّان المحلّيّين في مدينة العريش، في شهادته إلى "المونيتور": "كنت أقف على قرابة مئة متر من البنك الأهليّ الحكوميّ، وفوجئت في لحظة بمسلّحين ملثّمين يحملون بنادق آليّة، وبعضهم يحمل قذائف "آر بي جي" المضادّة للدبّابات، ينتشرون في شكل محّدد على نواصي الطرق. اعتقدت حينها أنّهم يريدون الهجوم على ارتكاز للجيش يحيط بمبنى مجلس مدينة العريش".
بحسب الشوربجي، فتح المسلّحون، بعد تموضعهم في مناطق مختلفة، النار على ثلاثة ارتكازات أمنيّة مختلفة، عند مبنى مجلس المدينة، والصاغة، وآخر مكلّف بحماية كنيسة مار جرجس، وكلّها في محيط البنك الأهليّ الحكوميّ الذي يقع في الشارع الرئيسيّ في مدينة العريش.
قال أحمد الكاشف، أحد الشهود لـ"المونيتور" إنّ حالة من الذعر والخوف انتابت الناس، منهم من تمكّن من الفرار، ومنهم من علق داخل المحلّات التجاريّة والطرقات، عند بدء دويّ طلقات النار الكثيفة وانتشار الملثّمين الذين سيطروا على قلب المدينة لقرابة الأربعين دقيقة، من دون تدخّل قوّات الأمن، أو محاولة محاصرتهم.
تؤكّد كلّ الشهادات التي حصلنا عليها أنّ المصرف يقع داخل مربّع أمنيّ معقّد يصعب للمدنيّين التحرّك من خلاله في الأيّام العاديّة، من دون تعرّضهم إلى تشديد وتضييق في الإجراءات الأمنيّة، ممّا دفع الأهالي إلى التساؤل وإثارة حالة من الجدل عن كيفيّة نجاح الإرهابيّين في السيطرة على المصرف وعلى وسط المدينة، ومن ثمّ انسحابهم بسهولة وفي حوزتهم أحد موظّفي المصرف، كرهينة شاركت في حمل الأموال إلى الإرهابيّين.
طبيعة هذه العمليّة الإرهابيّة تجعلها الأخطر من حيث تأثيرها على مستقبل الحرب المستمرّة بين ولاية سيناء التابعة إلى تنظيم الدولة الإسلاميّة والجيش المصريّ. هكذا يرى أحد الباحثين في شؤون سيناء والجماعات المسلّحة، فضّل عدم الكشف عن هويّته في حديث إلى "المونيتور"، واصفاً إيّاها ببداية عمليّات السطو على أيّ مؤسّسة ماليّة أو شركات أو محلّات تجاريّة في الفترة المقبلة من أجل تمويل التنظيم.
يقول الباحث إنّ تنظيم ولاية سيناء يعاني من ضائقة ماليّة لتمويل جنوده ومتطلّباتهم، نتيجة توقّف تدفّق الأموال من التنظيم الأمّ "داعش" الذي يتعرّض إلى الضربات المؤثّرة في كلّ من سوريا والعراق، وكذلك نتيجة المصالحة الفلسطينيّة التي أعلنت عنها القاهرة.
وحول ارتباط غزّة بدعم ولاية سيناء ماليّاً، يضيف الباحث: "في السابق، كانت تحصل ولاية سيناء على دعم ماليّ ناتج من عمليّات تهريب بضائع عبر الأنفاق إلى أشخاص تنتمي لأفكار "داعش" في غزّة، مقابل الحصول على الأرباح الناتجة من بيع المنتجات كدعم يساهم في تمويل التنظيم، إلى جانب الأموال المرسلة من التنظيم الأمّ في العراق، لكنّ حماس أوقفت ذلك بعد المصالحة مع القاهرة والتقارب معها، وشدّدت إجراءاتها على الحدود، فضلاً عن ملاحقاتها بعض هذه العناصر التي يكشف عن تواصلها مع ولاية سيناء".
يتمثّل التطوّر الخطير في هذه العمليّة، بحسب الباحث، أوّلاً في حصول تنظيم ولاية سيناء على الثقة الكافية من تكرار هذه العمليّة للحصول على الأموال عند الانتهاء من صرف المبلغ الذي تمّ الاستيلاء عليه، وهو لا يكفي ستّة أشهر في تمويل تحرّكات التنظيم المكثّفة، وثانياً في أنّ التنظيم سيعمل على تكرار التجربة في نطاق واسع داخل مصر وليس مجرّد داخل سيناء، فقد يتكرّر ذلك الموقف في أيّ مكان يعتقد التنظيم أنّ هناك خطّة متاحة أمامه لتنفيذها، وقد تشمل السطو على متاجر الذهب والمجوهرات أو الصرافة إلى جانب المصارف وسيّارات نقل الأموال بين المدن أو المحافظات. ويتمثّل السبب الثالث الذي يصفه الباحث بالأخطر، في عدم اكتراث التنظيم للمدنيّين، على عكس ما كان عليه قبل انضمامهم إلى "داعش". وهذا التطوّر نتيجة توصّلهم إلى قناعة بتكفير عامّة الشعب لعدم إعلانه دعم ولاية سيناء. فالتنظيم لديه قاعدة: "من ليس معنا فهو كافر، من دون النظر إلى دينه أو مذهبه".
لكنّ السؤال المثير هو كيف نجح إرهابيّو ولاية سيناء في تنفيذ العمليّة والانسحاب في شكل آمن؟ يجيب الباحث: "التنظيم يعتمد دائماً على الرصد وجمع المعلومات والتدريب الجيّد، على عكس القوّات الأمنيّة التي تتعامل بروتين عسكريّ غير ملائم لظروف الحرب على الإرهاب، فضلاً عن التكاسل والتراخي في بعض الأوقات".
وأضاف: "يغيب عن الأمن في سيناء القدرة على التوقّع ودراسة الظروف التي يمرّ بها التنظيم لوضع خطط تصدّي مسبقة لأيّ سيناريوهات متوقّعة".
وبحسب الشهادات كافّة التي حصل عليها "المونيتور" فإنّ السبب الرئيسيّ في نجاح ولاية سيناء بالسطو على المصرف الذي يقع في منتصف المربّع الأمنيّ في العريش، هو تمويه المقاتلين بمحاولات استهدافهم الارتكازات الأمنيّة والاشتباك معها من مناطق مختلفة، في حين تسلّل ما يقارب الخمسة مقاتلين إلى داخل المصرف وقتلوا على الفور موظّفي الأمن، مع الاستمرار في إطلاق الرصاص داخل المصرف، بهدف تخويف المدنيّين والموظّفين ومنع أيّ محاولات لعرقلتهم.
وعلى الرغم من أنّ الأمن في سيناء يمتنع عن التعليق، إلّا أنّ بعض الجنود صرّحوا لشهود عيان عن خوفهم من نشر ولاية سيناء العبوات الناسفة في الطرقات، وكذلك حفظاً على سلامة المواطنين، فيما يتساءل الأهالي في ما بينهم: "لماذا لم تلاحقهم القوّات الأمنيّة خارج المدينة عند فرارهم؟ وإذا كان الأمن يخشى على حياتنا، فلماذا يطلق مئات الطلقات والقذائف العشوائيّة يوميّاً في اتّجاه مناطق مكتظّة بالسكّان، فيصيب المدنيّين ويقتل بعضهم من دون مسؤوليّة".
أمّا القراءات الميدانيّة في سيناء، فتشير إلى أنّ المقبل سيّء، فالمؤشّرات تؤكّد اتّجاه ولاية سيناء إلى تنفيذ عمليّات مكثّفة داخل الطرقات والمناطق المدنيّة في العريش، أكبر مدن شمال سيناء من حيث عدد السكّان البالغ نحو 180 ألف مواطن.