القاهرة - قالت وزارة الموارد المائيّة والريّ المصريّة في بيان صحافيّ بـ18 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري: إنّ مصر تأكّدت من أنّه لم يتمّ تخزين أيّ مياه في سدّ النهضة خلال هذا العام، وأنّه لا توجد أيّ أعمال تعوق حركة المياه الواصلة إليها. وجاء البيان بعد يوم من زيارة وفد مصريّ ترأسه وزير الموارد المائيّة والريّ محمّد عبد العاطي في 17 تشرين الأوّل/أكتوبر لموقع سدّ النهضة في مدينة بني شنجول، التي تبعد 20 كيلومتراً عن الحدود السودانيّة، وتعدّ هذه الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول حكوميّ مصريّ.
وأشار الكاتب والمتخصّص في الشؤون الإفريقيّة عطيّة عيسوي إلى أنّ هذه الزيارة جاءت لإزالة الشكوك المصريّة إزاء سدّ النهضة، خصوصاً مع تعثّر المفاوضات ومضي أديس أبابا قدماً نحو استكمال الإنشاءات، وقال لـ"المونيتور": إنّ دعوة الحكومة الإثيوبيّة لمصر ووفدها الفنيّ لزيارة السدّ خطوة تؤكّد أنّ التوتّر بين البلدين بدأ يتراجع نسبيّاً، فأديس أبابا حاولت أن تثبت للقاهرة حسن نيّتها.
وتتخوّف مصر من تأثيرات سلبيّة محتملة للسدّ الإثيوبيّ على حصّتها المائيّة (.555 مليار متر مكعّب بموجب اتفاقيتيّ 1929 و1959)، خصوصاً في فترة ملء خزّان السدّ، بينما قالت أديس أبابا إنّها لا تهدف إلى إضرار مصر.
وتواصل إثيوبيا بناء السدّ، الذي بدأت العمل به في نيسان/أبريل من عام 2011، لتخزين 74 مليار متر مكعّب من المياه، حيث تستهدف توليد أكثر من 6 آلاف و450 ميغاواتاً من الطاقة الكهرومائيّة، الأمر الذي يجعله أكبر مشروع من نوعه في إفريقيا، وتبلغ تكلفته قرابة الـ4.2 مليار دولار.
وتوقّع محمّد عبد العاطي في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء المصريّة الرسميّة بـ28 أيلول/سبتمبر من عام 2017 أن تبدأ إثيوبيا بتخزين المياه في سدّ النهضة بداية عام 2018، غير أنّ إثيوبيا لم تعلن رسميّاً موعداً لبدء تخزين المياه.
وأعلنت الحكومة الإثيوبيّة في 18 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2017 في تصريحات على لسان مساعد رئيس الوزراء دبرصيون جبرميكائيل، أنّه تمّ إنجاز 62 في المئة من أعمال إنشاء السدّ.
وقال دبرصيون جبرميكائيل في تصريحات للوكالة الرسميّة الإثيوبيّة: إنّ السدّ سيبدأ في توليد الطاقة الكهربائيّة خلال السنة الإثيوبيّة الحاليّة. ووفقاً للتقويم الإثيوبيّ، فإنّ السنة الحاليّة بدأت في 11 أيلول/سبتمبر من عام 2017، ومن المقرّر أن تنتهي في تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2018.
ولا تزال الأمور الفنيّة المتعلّقة بأنسب آليّة لملء سدّ النهضة وتشغيله بما لا يؤثّر على دولتيّ المصب (مصر والسودان) محلّ خلاف، بعد أن عقدت اللجنة الثلاثيّة الوطنيّة المكوّنة من 12 خبيراً من الدول الثلاث 16 جولة تفاوضيّة، كان آخرها في 18 تشرين الأوّل/أكتوبر في العاصمة الإثيوبيّة أديس أبابا، للتوصّل إلى اتفاق في شأن التقرير الفنيّ الاستهلاليّ الذي قدّمه المكتبان الاستشاريّان الفرنسيّان "بي آر إل" و"أرتيليا" في أواخر آذار/مارس من عام 2017.
ووقّعت الدول الثلاث بـ20 أيلول/سبتمبر من عام 2016 في العاصمة السودانيّة الخرطوم، عقود الدراسات الفنيّة لسدّ النهضة مع المكتبين الفرنسيّين إيذاناً بإعداد ملف فنيّ عن سدّ النهضة وآثاره وأضراره.
وكان من المقرّر الانتهاء من دراسات المكتبين الفرنسييّن بشكل نهائيّ في آب/أغسطس الماضي، حيث حدّد اتفاق "إعلان المبادئ" الذي وقّع عليه رؤساء دولتيّ مصر والسودان عبد الفتّاح السيسي وعمر البشير بجانب رئيس الوزراء الإثيوبيّ هايلي مريم ديسالين في 23 آذار/مارس من عام 2015، وما تلاه من توقيع وزراء خارجيّة الدول الثلاث على "وثيقة الخرطوم" في كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2015، 11 شهراً كإطار زمنيّ لتسليم دراسات المكتبين، إضافة إلى 4 أشهر أخرى للتوافق بين أعضاء اللجنة الفنيّة للدول الثلاث على دراسة كيفيّة تطبيق هذه النتائج.
ربّما القلق المصريّ بدا ظاهراً، إذ تحدّث وزير الخارجيّة المصريّ سامح شكري عمّا وصفه بـ"جمود مفاوضات" اللجنة الفنيّة للدول الثلاث، حيث شكا خلال لقاء مع نظيره الإثيوبيّ رقيناه جيبيو على هامش مشاركتهما في اجتماعات الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة بـ21 أيلول/سبتمبر الماضي، من تأخّر إصدار الدراسات الفنيّة المتعلّقة بتأثير السدّ على دولتيّ مصر والسودان، وهو ما عبّر عنه عبد الفتّاح السيسي في كلمة أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة بـ19 أيلول/سبتمبر الماضي، حينما قال: "إنّ التنفيذ السريع لاتفاق إعلان المبادئ الموقّع في آذار/مارس من عام 2015 حول سدّ النهضة الإثيوبيّ أمر شديد الإلحاح".
وتخشى القاهرة من أن تتأثر أراضيها الزراعية في فترة تخزين المياه في السد أو يعوق ذلك مشاريعها القائمة على استصلاح الصحراء. ما يمثل ضغطاً على سكانها البالغ عددهم أكثر من 100 مليون نسمة والذين يواجهون بالفعل نقصاً في المياه. ويوفر النيل أكثر من 90% من المياه في مصر.
وقالت وكالة "أسوشيتد برس" ـ نقلاً عن مصدر بوزارة الري المصرية لم تسميه ـ إن دراسات حكومية قدرت فقدان مصر 200 الف فدان من الأراضي الزراعية مع كل مليار متر مكعب من المتوقع أن يقل من حصتها.
وعزا سامح شكري السبب وراء ما أسماه بـ"التباطؤ" في إصدار الدراسات الفنيّة بشأن أضرار السدّ حتّى الآن إلى وجود عثرات لم تستطع الدول الثلاث على المستويين الفنيّ أو السياسيّ أن تتجاوزها، وقال في مقابلة مع صحيفة "الأهرام" المصريّة الحكوميّة في عددها الصادر بـ4 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري: إنّ هذه العثرات تهدّد الأسس التي تمّ عليها اتفاق إعلان المبادئ.
ولفت إلى أنّ عدم إنجاز الدراسات الفنيّة قبل إكمال إنشاء السدّ وبدء تخزين المياه فيه من شأنه أن يُضفي على المفاوضات شبهة المماطلة لإعاقة إصدار التقرير.
وقال عطيّة عيسوي: إنّ إثيوبيا تريد أن تضع مصر أمام الأمر الواقع إلى حين استكمال إنشاءات السدّ، وبالتّالي التغاضي عن الملاحظات المصريّة بشأن الإنشاءات نفسها، ثمّ تذهب للتفاوض فقط على سنوات ملء خزّان السدّ ومنظومة التشغيل بشكل يراعي فترات تشغيل السدود المماثلة لدى القاهرة والسودان، بحيث لا يكون تشغيل السدود في الدول الثلاث بالتوقيت نفسه.
وتوقّع عيسوى أن تتوصّل الدول الثلاث إلى حلّ خلال اجتماع اللجنة الفنيّة للدول الثلاث المقرّر في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، لافتاً إلى أنّ الحلّ سيكون على حساب مصر بعض الشيء، وقال: "سيكون هناك ضرر لمصر لا محالة، لكنّه سيزيد أو يقلّ بحسب الاتفاق".
ورأى أستاذ العلوم السياسيّة في معهد البحوث والدراسات الإفريقيّة التابع لجامعة القاهرة أيمن شبانة أنّ مصر عليها أن تتّجه إلى تدويل الأزمة بتقديم احتجاج رسميّ لدى مجلس الأمن الدوليّ ضدّ إثيوبيا لممارسة ضغوط دوليّة يمكن أن تنعكس على المفاوضات، وقال لـ"المونيتور": إنّ القاهرة يمكن أيضاً أن تستدعي السعوديّة والإمارات والكويت في الأزمة للعب دور الوساطة لتقريب وجهات النظر.
أضاف: تلك الدول الثلاث تربطها علاقات قويّة مع القاهرة حاليّا،ً ويمكن أن تمارس ضغطاً على أديس أبابا للتوصّل إلى حلّ ينهي الخلافات العالقة، وذلك لما لها من ثقل اقتصاديّ ضخم في الداخل الإثيوبيّ.