في 5 أيلول/سبتمبر 2017 الماضي، كشف الرئيس التونسيّ الباجي قائد السبسي، في مقابلة نشرتها جريدة الصحافة الحكوميّة التونسيّة، عن خيبة أمله من حلفائه الإسلاميّين في السلطة، وجاء ذلك بشكل مفاجئ دون حدوث أي خلافات معلنة. وحول تحالفه مع حركة النهضة، علّق بالقول: "قلنا على الأقلّ نساهم في جلبها إلى خانة المدنيّة، ولكن يبدو أننا أخطأنا في التقييم". الأمر الذي يشير إلى أنّ قائد السبسي، وبعد ثلاث سنوات من تحالف حزبه حركة نداء تونس مع حركة النهضة ذات التوجّه الإسلاميّ، لم يعد مقتنعاً بأنّها قد تحوّلت إلى حزب مدنيّ، كما كان في السابق.
من جانبها، لم تصدر حركة النهضة أيّ تعليق حول تصريحات الرئيس، بل أنّ رئيس مجلس شورى الحركة عبد الكريم الهارونيّ قال في تصريحات صحافيّة نقلها موقع الجريدة المحلّيّ، في 7 أيلول/سبتمبر: "إنّ حركتي النهضة ونداء تونس اختارتا التوافق، وستواصلان التوافق". الأمر الذي يدفع المراقبين والمتابعين للشأن المحلي، إلى القول إنّ تصريحات الرئيس، وعلى أهمّيّتها، لن تؤثّر كثيراً على مستقبل التحالف الحكوميّ بين حزبه وبين حركة النهضة.
وفي هذا السياق، يقول مراسل جريدة الأهرام المصريّة من تونس والمتخصّص في الشؤون التونسيّة كارم يحيى في حديث إلى "المونيتور": "إنّ التوافق أو التحالف بين حركتي نداء تونس والنهضة يعزّز استمراره، كما رأينا، في التصويت على قانون المصالحة الإداريّة مع الموظّفين ورجال الأعمال المتّهمين بالفساد". وقد صادق البرلمان التونسيّ في 13 أيلول/سبتمبر على قانون المصالحة الإداريّة، الذي سيستفيد منه عشرات الموظّفين الكبار في الدولة ورجال الأعمال المحسوبين على نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، إذ يمنح عفواً قضائياً لهؤلاء عن جرائم الفساد الإداري والمالي. وقد تمت المصادقة على القانون، في جلسة عامة بتاريخ 13 سبتمبر/ أيلول، بموافقة 117 نائباً، أغلبهم من كتلتي النهضة ونداء تونس، واحتفاظ نائب واحد واعتراض 9 آخرين.
وأضاف: "وتشكيل حكومة يوسف الشاهد الجديدة، والتي تتبنى برنامج ليبرالي يميني يعكس البرنامج الاقتصادي للحزبين ، وأيضاً الطابع البرجماتيّ البعيد المدى لسلوك قيادتي الحزبين. وذلك فضلاً عن بعد دوليّ يتعلّق بدعم أميركيّ-أوروبّيّ لما يسمّى بمسار التوافق بين حزبين كبيرين يهيمنان على الحكم والبرلمان والحياة السياسيّة، وكذلك الرغبة الغربية في إدماج ما يسمّى بالإسلام الديمقراطيّ في اللعبة السياسيّة والحكم في جنوب المتوسّط".
كما أنّ حركة النهضة قد حافظت على عدد الوزارات التي كانت تشغلها في حكومة الوحدة الوطنيّة بعد التحوير الوزاريّ الذي أجراه رئيس الحكومة يوسف الشاهد في 11 أيلول/سبتمبر الحاليّ، حيث ما زال لها ثمانية أعضاء في الحكومة بين وزراء وكتّاب دولة، في مقابل وجود 12 عضواً لحليفها حركة نداء تونس باعتبارها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعيّة في تشرين الأوّل/أكتوبر 2014، من بين 42 وزيراً ووزير دولة في الحكومة.
وتعتبر كتلتي حركة نداء تونس وحركة النهضة الأكبر من حيث العدد داخل البرلمان. إذ تضم كتلة النهضة 69 نائباً، فيما تضم كتلة نداء تونس 56 نائباً. وقد بدأ التحالف بين الحركتين في أعقاب الانتخابات التشريعية عام 2014، وقد شكلا إلى جانب كتلة حزبي آفاق تونس والاتحاد الوطني الحر، الليبراليان، حكومة ائتلافية.
ويضيف يحيى: "ويتّضح أنّ ما يسمّى بالصراع حول قضايا الهويّة الإسلاميّة، كالأحوال الشخصية والأوقاف وعلاقة الدين بالدولة، مسألة مؤجّلة أو هامشيّة تجاه عوامل التوافق والتحالف المشار إليها سابقاً، لكنّ معضلة حركة النهضة الكبيرة هي أنّها شديدة الحرص على تحالفها مع حركة نداء تونس، وهي كما كانت تقول قبل انتخابات 2014 ليست إلّا إعادة إنتاج لحزب الرئيس السابق زين العابدين بن علي التجمعّ الدستوريّ الديمقراطيّ. وهي تقامر في هذا الحرص الشديد على قدم في الحكم، وفي ظلّ سياسات اقتصاديّة واجتماعيّة وربّما أمنيّة غير شعبيّة بالانكشاف أمام قواعد وجمهور هو في أغلبه يأتي من المتضرّرين طبقيّاً وسياسيّاً من السياسات النيوليبراليّة ومع ميراث الدكتاتوريّة المخيّم إلى الآن". ويبدو أن ما يفسر حرص النهضة على بقاء هذا التحالف الذي يضمن وجودها في السلطة، هو خوفها من أن يكون مصيرها كمصائر الإسلاميين في مصر.
في المقابل، يرى الصحافيّ المستقلّ محمّد بالطيب في مقابلة مع "المونيتور" أنّ "خلافات بين حركة النهضة وحركة نداء تونس مستقبلاً لن يكون مصدرها إقرار قوانين في البرلمان أو مناصب وزاريّة في حكومة، بل ستكون أوّلاً في الاستحقاق الانتخابيّ الأوّل المتعلق بالانتخابات البلدية، لأنّ حركة النهضة تعوّل على جمهور انتخابيّ مرجعيّته إسلاميّة، ولا تتّفق أبداً مع حركة نداء تونس أو برنامجها، وخصوصاً مع توجّهات الرئيس قائد السبسي. لذلك هي حريصة على تقديم نفسها كممثّل سياسيّ للطبقة المحافظة في المجتمع، والدليل أنّها لم تعلن عن تأييدها مبادرة الرئيس في 13 آب/أغسطس، حول إقرار قوانين تتعلّق بالمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة وبالسماح بزواج المسلمة من غير المسلم، بل بعدها بأيّام طرح رئيسها راشد الغنّوشي في 29 آب/أغسطس مبادرة هدفها إعادة العمل بنظام الأوقاف الدينيّة بعد إلغائه لأكثر من نصف قرن في عام 1957، فحركة النهضة، وعلى الرغم من إعلانها فصل العمل الدعويّ الدينيّ عن العمل السياسيّ خلال مؤتمرها العاشر في أيّار/مايو 2016، إلّا أنّها ما زالت أسيرة لخطاب الهويّة الإسلاميّة، والذي منه تستمدّ قوّتها الشعبيّة وخزّانها الانتخابيّ".
ويأتي الحزبان من خلفيتان فكريتان مختلفتان تماماً. فحركة النهضة، تأتي من الرجعية الإسلامية وقد تأسست في بداية السبعينات كجماعة دعوية ثم تطورت إلى تنظيم سياسي، يحمل توجهاً إخوانياً، ثم بعد رحيل بن علي في 2011، أصبحت تعمل بشكل قانوني وأعلنت عن تخليها عن مرجعتيها الإسلامية السياسية. وعلى العكس، فإن حركة نداء تونس، قد تأسست في عام 2012 وجمعت داخلها قوى ليبرالية وبورقيبية، من أنصار الرئيس السابق، الحبيب بورقيبة ورجاله، من بينهم مؤسسها الباجي قائد السبسي، الذي شغل أكثر من وزارة بين 1956 و1987، خلال عهد بورقيبة، الذي كان عدواً لدوداً للإسلاميين.
ويشير بالطيب إلى أنّ "مستقبل التحالف بين حركتي نداء تونس والنهضة، سيكون رهين العديد من العوامل الموضوعيّة التي تشمل الانتخابات البلديّة والمحلّيّة، المزمع إجراؤها في شهر كانون الأوّل/ديسمبر 2017، وكذلك رهين الأوضاع الداخليّة للحزبين، اللذين تشقّهما الخلافات السياسيّة والتنظيميّة، وخصوصاً حركة نداء تونس، والتي كان من بين أسبابها هذا التحالف غير المتجانس بين حزب علمانيّ وآخر إسلاميّ".
أخيراً، يبدو أنّ التحالف الذي نشأ في أعقاب انتخابات 2014 بين حركة النهضة الإسلاميّة وحركة نداء تونس الفائزة وقتئذ في الانتخابات، بدأ يعيش حالة جزر كبيرة، وما تصريحات الرئيس قائد السبسي إلّا تعبيراً عن خلافات داخل التحالف. ويبدو أيضاً أنّ اقتراب استحقاق الانتخابات المحلّيّة جعل كلّاً من الحزبين يدخلان في حالة من محاولة استمالة الأنصار في الشارع بعدما فقدا الكثير من الشعبيّة خلال ثلاث سنوات من الحكم تخلّلها الكثير من الفشل، خصوصاً في الشأن الاقتصاديّ، وتضرّرت منها الطبقات الفقيرة والوسطى. فالرئيس قائد السبسي الذي كوّن حزبه في عام 2012 على أساس مواجهة النهضة قد فقد الكثير من أنصاره بعد التحالف معها في عام 2014، وكذلك الشأن بالنسبة إلى النهضة التي وصلت إلى الحكم في عام 2011 على اعتبارها امتداداً لثورة كانون الثاني/يناير 2011، كما زعمت، حيث فقدت الكثير من أنصارها بعد تحالفها مع من كانت تعتبرهم "أخطر من السلفيّين المتشدّدين". وعلى الرغم من بداية بروز الخلافات بين الحليفين، إلّا أنّ توافق حركتي نداء تونس والنهضة، من الواضح، أنّه سيتواصل حتّى موعد الانتخابات التشريعيّة المقبلة في خريف عام 2019، حيث ستحدّد نتائجها مصيره.