نيويورك – قام الرّئيس الأميركي دونالد ترامب، في خطابه الافتتاحي أمام الأمم المتّحدة اليوم، بجمع إيران وكوريا الشّماليّة في خانة واحدة، واصفًا الدّولتين بـ"الأنظمة المارقة". وإنّ دعوته للعالم بنبذ إيران تعارضت بشدّة مع أجزاء أخرى من خطابه ركّز فيها بشكل متكرّر على السيادة ولم يأت على ذكر القمع الذي يمارسه حلفاء الولايات المتّحدة الاستبداديّون كالسعودية.
قال ترامب، "يفهم العالم بأسره أنّ شعب إيران الطّيّب يريد التّغيير، وأكثر ما يخشاه قادة إيران باستثناء قدرة الولايات المتّحدة العسكريّة الكبيرة، هو الشّعب الإيراني. وهذا ما يدفع بالنّظام إلى تقييد الوصول إلى الانترنت، وتدمير أطباق الأقمار الصّناعيّة، وإطلاق النار على الطّلاب المتظاهرين العزَّل وسجن المصلحين السّياسيّين".
وقال ترامب في خطاب مطوّل سعى من خلاله إلى التّوفيق بين عقيدته الوطنيّة "أميركا أولاّ" والتّعاون الدّولي الذي تجسّده الأمم المتّحدة، إنّ الولايات المتحدة لم تسع إلى فرض نظام حكمها على دول أخرى.
فقال ترامب واصفًا النهج الذي يعتمده في السّياسة الخارجيّة بـ"الواقعيّة المبدئيّة"، "في أميركا، لا نسعى إلى فرض أٍسلوب حياتنا على أحد، بل إلى جعله يبرز كمثال ليراه الجميع".
لكنّ تركيز ترامب على سيادة الدّولة القوميّة – مع ذكر الرّئيس كلمة "سيادة" أو "سيّد" 21 مرّة – وواقعيّته بشأن الطّريقة التي تختار بها دول أخرى أن تحكم نفسها، لم يمتدّا إلى إيران، أو فنزويلا، أو كوبا أو كوريا الشّماليّة. وقد تركّز حوالي عشر خطابه المؤلّف من 4,500 كلمة على إيران.
قال ترامب، "لا يمكننا أن نسمح لنظام من القتلة أن يستمرّ في أفعاله هذه المخلّة بالاستقرار بينما يبني صواريخ خطرة، ولا يمكننا الالتزام باتّفاقيّة تؤمّن غطاء لتطوير برنامج نووي".
وبعد وصف الاتّفاق النّووي الإيراني الذي صاغه سَلَفه باراك أوباما وخمس قوى عالميّة أخرى بأنّه "إحراج للولايات المتّحدة"، تعهّد ترامب قائلاً، "لا أعتقد أنّكم سمعتم آخر ما يتعلّق بهذا الاتّفاق، صدّقوني". ومن الواضح أنّه أشار بذلك إلى قراره الشّهر المقبل حول ما إذا كان سيشهد أمام الكونغرس بأنّ إيران ما زالت ملتزمة بالاتّفاق.
دعا ترامب النّظام الإيراني إلى الإفراج عن مواطنين أميركيّين معتقلين، بينهم رجل الأعمال الإيراني الأميركي سياماك نمازي ووالده باقر نمازي البالغ من العمر 81 عامًا، والباحث في جامعة برينستون زيو وانغ والعميل السّابق في مكتب التّحقيقات الفيدرالي روبرت ليفنسون الذي فقد على جزيرة كيش الإيرانيّة منذ عقد من الزّمن. وطالب طهران أيضًا بوقف دعمها للمجموعات الإرهابيّة كحزب الله وحماس، والمجموعات النّاشطة بالوكالة التي يعتبر أنّها تزعزع الاستقرار في دول مثل اليمن.
وأضاف ترامب بقوله، "حان الوقت لأن ينضمّ إلينا العالم بأسره في المطالبة بأن توقف حكومة إيران سعيها خلف الموت والدّمار. حان الوقت لأن يحرّر النّظام جميع الأمريكيّين ومواطني الدّول الأخرى الذين احتجزهم ظلمًا. وقبل كلّ شيء، لا بدّ أن تتوقّف حكومة إيران عن دعم الإرهابيّين وتبدأ بخدمة شعبها وتحترم الحقوق السّياديّة لجيرانها".
تلقّى الجمهور الخطاب بشكل هادئ باستثناء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي صفّّق أثناء انتقاد ترامب للاتّفاق النّووي الإيراني. وفي وقت لاحق، لفت نتنياهو بحماسة على تويتر إلى أنّ خطاب ترامب كان أحد أقوى الخطابات التي سمعها منذ 30 عامًا.
قال جاريد غنسر، وهو محامي سياماك وباقر نمازي المسجونين، إنّ نمازي الأب الكبير في السنّ خضع لجراحة اليوم لزرع منظّم لضربات القلب، وجرى إعلامه بأنّه سيعود في وقت قصير إلى سجن إيفين. وقال باباك نمازي، ابن باقر وشقيق سياماك، إنّ عائلته قلقة بشأن صحّة والده المتدهورة.
قال باباك نمازي في تصريح له اليوم، "إنّ عائلتي ينفد منها الوقت سريعًا. فوضع والدي الصّحّي متردٍّ وأنا مذعور من فكرة إعادته إلى سجن إيفين للتّعافي من جراحة كبرى. أنا أحثّ الرّئيس على بذل كلّ الجهود الممكنة لإعادة أسرتي إلى المنزل".
سيكون لوزير الخارجيّة الأميركي ريكس تيلرسون فرصة طرح قضيّة أسرة نمازي وأجندة ترامب الأوسع نطاقًا عندما يُتوقَّع أن يعقد أوّل لقاء له مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف مساء يوم الأربعاء على هامش اجتماع الجمعيّة العامة. ومن المقرّر أن يحضر الرّجلان اجتماعًا وزاريًا للّجنة المشتركة المكوّنة من ثمانية أعضاء والتي تشرف على تطبيق الاتّفاق النّووي الإيراني، إلى جانب ممثّلين من المملكة المتّحدة، وفرنسا، وألمانيا، والصّين، وروسيا والاتّحاد الأوروبي.
وقد أوضح ظريف بالفعل أنّ طهران ترفض رفضًا قاطعًا خطاب ترامب العدواني.
وغرّد ظريف بعد انتهاء خطاب ترامب قائلاً إنّ "خطاب الجهل والكراهية الذي أدلى به ترامب ينتمي إلى العصور الوسطى – وليس إلى الأمم المتّحدة في القرن الحادي والعشرين – وهو لا يستحقّ الرّدّ. والتعاطف الزّائف مع الإيرانيّين لا يخدع أحد".
يصرّ كبار مستشاري ترامب على أنّ سياسة الولايات المتّحدة إزاء إيران تقوم على تغيير السّلوك وليس تغيير النّظام.
وفي حديث هاتفي مع صحفيّين الأسبوع الماضي، قال مسؤول رفيع في الإدارة لا يريد إسناد الكلام إليه إنّ "الولايات المتّحدة تسعى إلى تغيير سلوك النّظام". فالولايات المتّحدة تريد من الحكومة الإيرانيّة "ألا تشنّ هجمات الكترونيّة، وأن تتوقّف عن تزويد مقاتليها بالوكالة بالأسلحة لاستعمالها ضدّ الولايات المتّحدة وحلفائها، وأن تضع حدًّا لانتهاكات حقوق الإنسان، وأن تكفّ عن زعزعة استقرار الحكومات المجاورة وأن توقف دعمها للمجموعات الإرهابيّة الدّوليّة كحماس".
وقال المسؤول الرّفيع في الإدارة، "نريد أن نرى تغييرات في سلوك النّظام الإيراني".
لكنّ بعض العلماء في إيران يقولون إنّ تصريحات ترامب سيُنظَر إليها في إيران كتصديق على رأي المتشدّدين بأنّ واشنطن لن تقبل يومًا الجمهوريّة الإسلاميّة. وهم يتخوّفون من أن يؤدّي هجوم ترامب اللّفظي على النّظام إلى تقليص المساحة السّياسيّة للمزيد من الشّخصيّات المعتدلة كالرّئيس حسن روحاني الذي يسعى إلى الانخراط مع الغرب.
وقالت للمونيتور آريان طبطبائي، وهي خبيرة في الشّأن الإيراني وأستاذة زائرة في كليّة الشّؤون الدّوليّة بجامعة جورجتاون، "تكمن المشكلة في وجود تدعيات حقيقيّة للغاية". إذا كنت روحاني، "لا يمكنك الخروج الآن والقول، دعونا نجد حلاً لبرنامج الصّواريخ الباليستيّة. لا شكّ في أنّ إيران ستضاعف العمل الآن على برنامج الصّواريخ الباليستيّة الخاصّ بها".