مدينة غزّة - الصيد ليس بمجرد يوم سلمي في البحر لصيادي غزة الذين يحاولون المحافظة على مهنة آبائهم وأجدادهم في ظلّ كلّ التحديات التي تواجهه, والمتمثلة في ترصد زوارق الاحتلال للصيادين من خلال إطلاق النار وضخ الماء اتجاه قواربهم, وتأتى غالبية هذه الانتهاكات والتعديات عندما يحاول الصياد تجاوز مساحة الصيد الصغيرة المسموح بها. ورغم كلّ المضايقات الخطيرة التي يواجهها الصيّاد الفلسطينيّ في قطاع غزّة، ما زال الغزيّون يتمسّكون بمهنتهم وصناعة شباك.
وعلى ميناء مدينة غزّة، وتحت ظلال خيامهم, وبين أكوام الغزل، يجلس عشرات الصيّادين في تجمّعات حيث يقومون بغزل شباكهم، إمّا بهدف التصليح أو ما يسمى الترقيع, وإمّا لإنتاج نوع جديد ليخوضوا البحر بإمكاناتهم البدائيّة والقليلة.
لا ينفكّ صانع الشباك الصيّاد سعدي جراد (52 عاماً) عن حياكة شباك الصيد منذ ساعات الصباح الأولى حتّى المساء، في خطوة لإنجاز كمّ كبير من الشباك، والذي يحتاج إلى نوع معيّن من الأسماك ليتمكن أبناؤه من دخول البحر وجلب رزقهم، وأشار في حديثه لـ"المونيتور" إلى "أنّ مهنة حياكة شباك الصيد من المهن العريقة التي يتمّ توريثها من جيل إلى آخر، والتي لا يمكن الاستغناء عنها، فهي مصدر للرزق لنا ولأبنائنا. وفي ظلّ غياب فرص العمل وتفشّي البطالة".
وتابع جراد" إلى أن هذا العمل بحاجة كبيرة إلى الصبر والتحمّل. ولذا، نحاول تعليمها إلى أحفادنا تدريجيّاً كي يتمّ استيعابها وتقبّلها. كما تحتاج إلى فترة زمنية كي نتمكّن من إنجاز أكبر قدر من أنواع الشباك، التي تخصّ كلّ موسم".
وعن هذه المهنة، قال الصيّاد محمّد صلاح ( 34 عاماً)، والذي يعمل في مهنة الحياكة منذ 10 سنوات، والتي تعلّمها على يدّ والده: "إنّ مهنة حياكة شباك الصيد تحدث اضطرابات في جسم الإنسان مثل زغللة في البصر وآلام في الظهر، ولكن رغم ذلك فهي مصدر رزقنا الوحيد".
أمّا عن صناعة الشباك، فقال لـ"المونيتور": إنّ غالبيّة عملنا في مهنة الحياكة هي التصليح، فالشباك تتمزّق بشكل مستمرّ أثناء العمل من جوانب عدّة بسبب إمّا الأسماك الكبيرة والضخمة وبعض الصخور المنتشرة في البحر، وإمّا تقدّم بحريّة الاحتلال الاسرائيليّ على خرقها وتمزيقها بشكل متعمّد إذا تجاوزنا منطقة الصيد المسموح بها. وفي كلّ الحالات، يعتبر ذلك بمثابة كارثة كبيرة على الصيّاد، على اعتبار أنّ الشباك تحتاج إلى مبالغ باهظة لتصليحها، إضافة إلى وقت طويل.
وقال محمّد صلاح انه هناك نوعان من شباك الصيد التي تتمّ حياكتها. النوع الأوّل الشباك الصغيرة التي تستخدم في صيد الأسماك الصغيرة كسمك السردين والذي تمتد فيه فترة الصيد من من منتصف شهر أبريل حتى نهاية يونيو من كل عام، ويتطلّب هذا النوع جهداً ووقتاً طويلين، نظراً لحجم التركيز من قبل صانعه. أمّا النوع الثاني من الشباك فهو الشباك الكبيرة، والتي تستخدم لصيد الأسماك ذات الحجم الكبير كالوطواط والسلافيح والجرع، وتستخدم في هذا النوع من الشباك خيوط حريريّة خاصّة لملاءمتها مع حجم الأسماك الضخمة وحركة افتراسها أثناء الصيد والحدّ من تمزّقها.
وأشار إلى "أنّ كلفة صناعة الشباك تعدّ باهظة كثيراً، نظراً لارتفاع أسعار الخيوط الحريريّة المستخدمة والموادّ الخامّ الخاصّة، إذ [تصل إلى] كلفة بيع الشبكة الواحدة بعد تجهيزها للزبون 6000 دولار أميركيّ".
يقول الصياد صلاح "ان انتهاء موسم الصيد وهي الفترة التي يكون فيها القمر مكتملا، ينشط الصيادون في هذه الفترة بإعادة ترميم قواربهم وحياكة الشباك وتصليحها إلى حين بدء رحلات الصيد".
ويكمن دور الصيادين في تجميع الخيوط ونسجها بواسطة الإبرة اليدوية لافتقارهم آلات ميكانيكية خاصة للحبك بفعل الحصار، ويحصلون على الخيوط وعلى كلّ الموادّ الخامّ اللاّزمة من خلال شرائها من جمعيّة الصيّادين التي توفّر لهم كلّ الحاجات، بالإضافة إلى تقديم المؤسسات القطرية والتركية العاملة بغزة المساعدة لهم, كتوفير خيوط الشباك وتصليح القوارب المدمرة في ظلّ الحصار المتواصل على القطاع.
يعانى الصيادين في غزة من ظروف صعبة, حيث لا تتوفر كميات كافية من الأسماك في الأسواق, بسبب الملاحقة الإسرائيلية للصيادين ومنعهم من الوصول لأماكن تواجد الأسماك, حيث يقتصر عمل الصيادين على صيد القليل من الأسماك ذات الأسماء المحلية كالبذرة والجمبرى, وبيعها أما للمطاعم أو للمواطنين داخل أسواق القطاع, عدا إقبال المواطنين بشكل كبير على شراء الأسماك المجمدة والمستوردة كسمك الدنيس وذلك لتدني أسعارها وخطوة نحو التغيير, وهذا يكبد الصياد خسائر فادحة لا تلبي أدنى متطلباته من سد عجز مصاريفه التشغيلية من محروقات وأجور عمال.