القاهرة - آب/أغسطس هو الشهر الذي شهد ضخّ عدد من العروض المسرحيّة الجديدة في مسارح الدولة، بعد أن ظلّت خاوية لسنوات، ويراهن "البيت الفنيّ للمسرح"، وهو الجهة المسؤولة عن الإنتاج المسرحيّ في وزارة الثقافة، على تلك العروض أن تعيد إلى المسرح المصريّ ريادته وتميّزه بين المسارح العالميّة والإقليميّة، بعد سنوات من غياب العروض المسرحيّة الجماهيريّة عن خشبات مسارح الدولة والمسارح الخاصّة أيضاً.
وبالفعل، بدأت فرقة المسرح الكوميديّ عرض مسرحيّات "العسل العسل" و"ميتين من الضحك" و"الهرم ده بتاعي" منذ 3 آب/أغسطس على مسرحيّ "ميامي" و"بيرم التونسيّ" في الإسكندريّة. وفي اليوم نفسه، بدأت فرقة المسرح القوميّ للطفل تقديم مسرحيّة "سنو وايت" على مسرح "عبد المنعم مدبولي" في القاهرة، وبدأت فرقة مسرح العرائس عرض مسرحيّة "صحصح لمّا ينجح" على مسرح "العرائس" في القاهرة، وبدأ في 5 آب/أغسطس عرض مسرحيّة "يوم أن قتلوا الغناء" على مسرح "الطليعة" في القاهرة. ويستعدّ مسرح "السلام" في القاهرة لبدء عرض مسرحيّة "حفلة تنكريّة" على خشبته ابتداء من 10 آب/أغسطس.
وتأتي العروض المسرحيّة الجديدة، في ظلّ استمرار عروض حقّقت نجاحاً في الفترة الماضية على بعض مسارح الدولة مثل مسرحيّة "واحدة حلوة" المعروضة على مسرح "الطليعة" في القاهرة، مسرحيّة "شامان" المعروضة على مسرح "الغد"، وأخيراً مسرحيّة "ليلة من ألف ليلة" من بطولة الفنان المسرحيّ والتلفزيونيّ القدير يحيى الفخراني، والمعروضة على خشبة "المسرح القوميّ" في القاهرة منذ عام 2015.
ورأى العديد من النقاد أنّ "ليلة من ألف ليلة" هي التي أعادت جذب الجمهور المصريّ إلى المسرح مرّة أخرى، محقّقة أعلى إيرادات في تاريخ المسرح المصريّ، بعد سنوات غاب فيها الجمهور عن المسارح بعد توقّف جيل المسرح الذهبيّ المتمثل في الفنانين: عادل إمام ويحيى الفخراني ومحمّد صبحي، عن تقديم أعمال مسرحيّة لسنوات عدّة، حيث توقّفت مسرحيّة "بودي جارد" لإمام في عام 2010 بعد أن استمرّ عرضها 12 عاماً، واتّجه بعدها إلى بطولة المسلسلات التلفزيونيّة، بينما توقّف الفخراني عن تقديم مسرحيّة "الملك لير" في عام 2009، وتوقّف صبحي عن تقديم مسرحيّاته "لعبة الست"، "سكّة السلامة"، "كارمن"، "سكّة السلامة 2000" منذ عام 2004.
وقال الناقد الفنيّ والكاتب في جريدة "الأهرام" محمّد فايز جاد لـ"المونيتور": "إنّ مسرحيّة ليلة من ألف ليلة هي التي أعادت إلى المسرح رونقه القديم، بعد سنوات من هجر الجمهور له، واختيار المحتوى الجذاب كان مفتاح ذلك النجاح، فمسرحيّة ليلة من ألف ليلة أتاحت للفنّانين يحيى الفخراني ولطفي لبيب إظهار نفسيهما في قالب جاذب للجمهور. لقد كانت متميّزة للغاية، خصوصاً أنّها اعتمدت على جزء من تراث مصر في الشعر لبيرم التونسيّ، وعلى غناء صوتين يحبّهما الشباب، هما: هبة مجدي ومحمّد محسن".
وفي كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2016، بدأ نجم الأعمال التلفزيونيّة والسينمائيّة الفنّان محمّد رمضان تقديم مسرحيّاته الأولى "أهلا رمضان" على مسرح "الهرم" في القاهرة، محقّقاً نجاحاً مدويّاً.
وقال الناقد الفني نادر عادلي لـ"المونيتور" أن إحدى أسباب إحياء المسرح هو أن الممثلين الذين اكتسبوا شهرة في السينما والمسلسلات التلفزيونية بدأوا يعودون الآن إلى المسرح. ويستشهد كمثال على ذلك بالفنّان محمّد رمضان: "استغلّ شهرته السينمائيّة والتلفزيونيّة وحاول نقلها إلى المسرح فحقّق نجاحاً معتمداً على القالب الكوميديّ الخفيف لمسرحيّته وعلى الأداء الجيّد لجميع الأبطال والاستعراضات وبعض الأغاني".
أَضاف: "تجربتيّ ليلة من ألف ليلة وأهلا رمضان تملكان عناصر العمل المسرحيّ المتكامل، بدءاً من النص الجيّد، انتهاء بتفاصيل الاستعراضات والغناء، إضافة إلى قدرتهما على جذب الجمهور باسمي نجمين كالفخراني ورمضان، لكنّ أعمالاً عدّة تنجح الترويج لها على مواقع التواصل الاجتماعيّ، كما حدث مع تجربة مسرح مصر لأشرف عبد الباقي وعدد من النجوم الشباب".
"مسرح مصر" هو عرض مسرحيّ أسبوعيّ يتكوّن من فقرتين قصيرتين، قدّمه الفنّان أشرف عبد الباقي مع عدد من النجوم الشباب في البداية تحت اسم "تياترو مصر" في عام 2013، وتغيّر اسمه إلى "مسرح مصر" في عام 2015.
وقال الناقد الفنيّ عبد الغني داوود، الذي قال لـ"المونيتور": "إنّ نجاح مسرح مصر كان دعائيّاً. إنّ العروض الفنيّة الشبابيّة والمستقلّة والحرّة وعروض الهواة، كما في الجامعات، لا بدّ أن تستغلّ أداة التواصل الاجتماعيّ في جذب الجمهور، خصوصاً أنّ متابعي مواقع التواصل الاجتماعيّ من الشباب وهم الأقدر على تجربة حضور العروض المسرحيّة لفنّانين مغمورين إذا كانت العروض بأسعار مناسبة".
ويبدو أن التجربة الحالية لنهضة المسرح المصري لن تكون كعهد المسرح الذهبي للنجوم الكبار كإمام والفخراني وصبحي، حيث إنها لن تعتمد على النجوم الكبار وحدهم، وإنما ستعتمد على النص الجاذب والاستعراضات والغناء بالإضافة إلى الترويج للعروض من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ويبدو أن لتلك التجربة العديد من الفرص للنجاح، وبالتبعية سيكون للمسرح المصري فرصة الحصول على شهادة ميلاد جديدة مع تلك نجاح تلك التجربة.