أثارت اختيارات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لرؤساء الهيئات القضائية جدلًا واسعًا، بعدما استبعد القاضي يحيى دكروري من رئاسة مجلس الدولة، رغمًا عن الجمعية العمومية لقضاة المجلس.
وفي 29 حزيران/ يونيو، اختار السيسي القاضي مجدي أبو العلا لرئاسة محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى، مستبعدًا القاضي أنس عمارة المحسوب على تيّار استقلال القضاء -أقدم القضاة- الذي رشحه مجلس القضاء الأعلى على رأس قائمة من 3 مرشحين. واختير أيضًا القاضي حسين عبده خليل رئيسًا لهيئة قضايا الدولة متخطيًا القاضيين محمد ماضي ومنير مصطفى، وجاءت القاضية رشيدة فتح لله لرئاسة هيئة النيابة الإدارية.
القرارات جاءت تطبيقًا لقانون "الهيئات القضائيّة" رقم 13 لسنة 2017 الذي مرّره البرلمان المصري في 26 نيسان/أبريل الماضي، مانحًا السيسي صلاحيات اختيار رؤساء 4 هيئات وجهّات قضائيّة من بين مرشّحين متعدّدين، بعدما كانت كلّ هيئة تقدّم اسم أقدم قاضي بها فقط -للمرّة الأولى في تاريخ القضاء-، عارضها القضاة إذ يقولون إنّه يهدر استقلال القضاء والفصل بين السلطات.
بعد استبعادهما، لجأ المستشار أنس عمارة في 23 تموز/يوليو للطعن على عدم اختياره رئيسًا لمحكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى، مؤكدًا أن "قانون رؤساء الهيئات القضائية غير دستوري وأنه الأحق بالتعيين". فيما تقدم المستشار يحيى دكروري بتظلم إلى الرئيس السيسي تمهيدًا للطعن أيضًا على القرار، وقال في تظلمه الذي نشرته صحيفة الشروق المصرية في24 تموز/يوليو، إن "عدم تعيينه سابقة لم تحدث منذ ما يزيد على سبعين عامًا، دون مبرر واضح أو مقتض مقبول بالمخالفة لقاعدة الأقدمية التي استقام عليها التنظيم القضائي، وهدمها يؤثر على حسن سير العدالة".
ووفقًا لقضاة تحدث إليهم "المونيتور"، فإن طعني "عمارة" و"دكروري" لن يغيرا الأمر الواقع حيث يباشر القضاة الجدد عملهم، مؤكدين أن الطعنين سيتغرقان وقتًا طويلًا حتى يفصل القضاء فيهما نهائيًا، مشيرين إلى احتمال تقاعد القاضيين في يونيو 2018 قبل حسم مصير الطعنين.
وقال وزير العدل الأسبق المستشار أحمد مكي، لـ"المونيتور"، إن "القضاة يبدو أنهم رأوا أن الطريقة الملائمة لمواجهة القرارات الرئاسية الأخيرة، هي الطعن عليها".
وأوضح أن القرارات الرئاسية شابهة عدم المشروعية؛ لأنها تضمنت اعتداءً من السلطة التنفيذية على السلطة القضائية بعدما أخلَّت بمبدأ الفصل بين السلطات حيث لا يجوز أن يختار رئيس الجمهورية -المحسوب على السلطة التنفيذية- رؤساء الهيئات القضائية، مشيرًا إلى أن القضاء سلطة مستقلة بنص الدستور.
وأضاف مكي أن الرئيس سيعتمد في اختياره لرؤساء الهيئات القضائية على التقارير الأمنية وهنا سيتحول الجهاز الأمني رقيب على القضاء.
واستطرد: "مهمة القضاء الأساسية مراقبة أعمال السلطة التنفيذية التي بينها أجهزة الأمن".
وزاد وزير العدل الأسبق أن الدول الديكتاتورية هي التي تقيد حرية الإعلام وتمنع المواطنين من إبداء آرائهم، وتفرض سيطرتها على القضاء وهذا ما فعله النظام".
وقال مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ( (ANHRI المحامي جمال عيد، لـ"المونيتور"، إن قرارات تعيين رؤساء الهيئات القضائية أشبه بما فعله الرئيس المخلوع محمد مرسي في 2012 بعدما أقال النائب العام عبدالمجيد محمود، مؤكدًا أن استبعاد القاضيين يحيى دكرورى وأنس عمارة حلقة مهمة في فقدان الثقة في جهاز العدالة وخطوة نحو هدم استقرارها.
وأضاف عيد، لـ"المونيتور"، أن رئيس الجمهورية أصبح يسيطر على البرلمان والحكومة واستكمل ذلك بقانون مكنه من السيطرة على القضاء فباتت مصر "دولة فرد" يتحكم في كل السلطات.
فيما قال الباحث في وحدة أبحاث القانون والمجتمع بالجامعة الأمريكية في القاهرة، مصطفى شعت، إن التعيينات التي أقرها السيسي بشكل عام ترسخ لفلسفة القانون 13 لسنة 2017، في أن تقارير الأجهزة الأمنية ستكون الفيصل في اختيار رؤساء الهيئات القضائية، مضيفًا: "طالما أنك مجاز أمنيًا فرصك في الوصول لرئاسة جهة قضائية ستكون أسهل".
وأضاف شعت، لـ"المونيتور"، أن "التعيينات القضائية مررت دون اعتراضات حقيقية من الجهات القضائية، وهذا مؤشر كارثي حقيقي بأننا إزاء مرحلة جديدة من علاقة المؤسسة القضائية بشكل عام مع الدولة تتسم بالتقارب أو ربما الاندماج". مشيرًا إلى أن المؤسسات القضائية كانت متخاذلة ومنقسمة على أنفسها ولم تنسّق لفرض إرادة قضائية جامعة برفض القانون.
كان مجلس الدولة الهيئة القضائية الوحيدة التي تحدت القانون بعدما رشحت جمعيته العمومية المستشار يحيى دكروري –أقدم قاضي في المجلس- منفرداً لرئاسة المجلس حيث يلزمها القانون ترشيح ثلاثة من بين أقدم سبعة قضاة، لكنها أرسلت اسم "دكروري" فقط إلى رئيس الجمهورية، وكان ذلك أيضًا تحدي غير مباشر للرئيس عبدالفتاح السيسي بهدف إحراجه، لكن الأخير لم يلتفت لهم وأصدر قراره بتعيين "أبو العزم". فيما بدا أن الهيئات الثلاثة الأخرى (هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية ومجلس القضاء الأعلى) رضخت للقانون.
ورأى "شعت"، أن كل المؤشرات كانت تؤكد أن القانون يهدف بالإساس لإبعاد أنس عمارة عن منصب رئاسة مجلس القضاء الأعلى بسبب اعتراضات أمنية، لكن استبعاد "دكروري" لم جاء ردًا على تحدي مجلس الدولة للقانون وعدم التزام المجلس به.
وأكد أن الصدام بين المؤسسة القضائية والدولة مختلف هذه المرة عن الصدامات الأخرى التي حدثت من قبل مثل مذبحة القضاة في 1969.
وقال: "تمرير تلك التعيينات سيعطي فرصة ودافع أكبر للنظام للحد مما تبقى من سلطات للقضاة مثل خفض سن تقاعد القضاة وتقليل امتيازتهم المالية".
وعن تأثير القرارات الأخيرة على العدالة في مصر، قال شعت: "من المبكر جدًا أن نتحدث عن تأثير تلك القرارات على منظومة العدالة"، واستدرك: "لكن لا شك إحساس القضاة بأن الإجازة الأمنية هي شرط للترقية سيغير كثير جدًا من عقيدتهم (سلوكهم المهني)".
وذهب الروائي والباحث في علم الاجتماع السياسي، عمّار علي حسن، بأن السيسي بقراراته الأخيرة ألّحق السلطة القضائية بالسلطة التنفيذية.
وأضاف حسن لـ"المونيتور": "السيسي لديه هدفين؛ الأول السيطرة على مؤسسة القضاء حيث وجد بعد عامين من حكمه أن القضاء المؤسسة الوحيدة التي تخرج عن سيطرته في وقتٍ يسعى فيه لإخضاع كافة السلطات في الدولة تحت قبضته فكان لابد من إحكام السيطرة عليه".
وتابع: "أما الهدف الثاني للسيسي هو السيطرة على اللجنة العليا للانتخابات التي ستشرف على الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2018 والتي تُشكّل من رؤساء المحاكم العليا، واعتقد أنه حقق الهدفين".
ومن المتوقع أن يخوض السيسي انتخابات 2018، لكنّه ربط قرار ترشّحه بإرادة الشعب. وقال السيسي في 23 آب/أغسطس 2016 خلال حواره مع رؤساء تحرير الصحف الوطنية: "أنا رهن إرادة الشعب المصري، ولو كانت إرادة المصريين أن أخوض انتخابات الرئاسة مرة أخرى، سأفعل ذلك".