واشنطن – الولايات المتحدة مستعدّة لتعزيز العلاقات مع روسيا في محاولة لبسط الاستقرار في سوريا، وسوف يكون هذا الأمر بنداً أساسياً مطروحاً على جدول النقاشات عندما يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في هامبورغ في ألمانيا اليوم الجمعة، بحسب ماء جاء على لسان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون.
قال تيلرسون يوم الأربعاء في بيان مطوّل قبل أن ينطلق للانضمام إلى ترامب في اجتماع مجموعة العشرين في هامبورغ: "مما لا شك فيه أنه لدى الولايات المتحدة وروسيا خلافات عالقة حول عدد من المسائل، لكننا نملك القدرة على التنسيق بالطريقة الملائمة في الملف السوري من أجل بسط الاستقرار وتحقيق مصالحنا الأمنية المشتركة".
من المرتقب أن يلتقي ترامب وبوتين لمدّة ساعة تقريباً عصر اليوم الجمعة على هامش قمة مجموعة العشرين، وهو اللقاء الأول بين الرئيسَين منذ تسلّم ترامب سدّة الرئاسة. كانت التحضيرات استعداداً للاجتماع المنتظَر موضع مواكبة عن كثب وسط تمنُّع ترامب عن تبنّي التقويم الذي وضعته الاستخبارات الأميركية بأن الكرملين تدخَّلَ في الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2016 لتعزيز حظوظه وإلحاق الأذى بخصمه. يُجري الكونغرس ومكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) ومستشار خاص من وزارة العدل تحقيقات عدّة لمعرفة إذا كان قد حصل تواطؤ بين أيٍّ من موظّفي حملة ترامب والحملة الروسية. وسط السجال، قد تصبح سوريا، لسخرية القدر، من المسائل الأكثر "أماناً" لمناقشتها بين الرئيسَين.
تحدّث تيلرسون عن التقدم الذي تحقق مؤخراً بين الجيشَين الأميركي والروسي للحد من احتمالات التضارب في عملياتهما في سوريا، ومعالجة أوجه سوء التفاهم، مشيراً إلى أنه السبب وراء إظهار الولايات المتحدة استعداداً متزايداً لاستكشاف إمكانات تعزيز التنسيق بين البلدَين.
ولفت إلى أن "الولايات المتحدة وروسيا حققتا تقدماً في إنشاء مناطق منزوعة التوتر في سوريا حالت دون وقوع أضرار جانبية متبادلة"، مضيفاً: "تَواصلَ قادتنا العسكريون بأسلوب واضح حرصاً على عدم وقوع أي حوادث بين بلدَينا على الساحة السورية".
واعتبر تيلرسون أن "هذا التعاون حول المناطق المنزوعة التوتر هو دليلٌ على أن بلدَينا قادران على إحراز مزيد من التقدم"، معرباً عن "استعداد الولايات المتحدة لاستكشاف إمكانية إنشاء آليات مشتركة مع روسيا من أجل تحقيق الاستقرار، بما في ذلك فرض مناطق محظورة الطيران، ونشر مراقبين ميدانيين لمواكبة وقف إطلاق النار، والتنسيق في تسليم المساعدات الإنسانية. إذا عمل الطرفان معاً لبسط الاستقرار على الأرض، فسوف يساهم ذلك في إرساء الأساس اللازم لتحقيق تقدّم في التوصل إلى تسوية للمستقبل السياسي في سوريا".
يأتي تعبير واشنطن عن استعدادها للنظر في إنشاء آليات مشتركة مع موسكو من أجل تنفيذ عمليات لبسط الاستقرار في سوريا، وسط تسارع المكاسب التي تحققها العمليات التي يشنّها التحالف المدعوم من الولايات المتحدة من أجل السيطرة على الأراضي التي احتلها التنظيم المسمّى "الدولة الإسلامية" في الموصل في العراق وفي الرقة في سوريا، ووسط تكثيف الجهود الآيلة إلى التخطيط لمرحلة ما بعد هزيمة "الدولة الإسلامية".
قال ترامب أمام معاونيه إنه يريد القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" والخروج من سوريا، بحسب ما أفاد به لموقع "المونيتور" خبراء متخصصون في شؤون المنطقة يقدّمون المشورة للإدارة الأميركية.
قال محلل أميركي طلب عدم الكشف عن هويته لموقع "المونيتور": "لا يريد ترامب التصعيد، وهذا واضح أقلّه من الخطوة التي قام بها عبر استدعاء تيلرسون و[وزير الدفاع] ماتيس للاستفسار منهما عن عمليات إطلاق النيران التي حصلت مؤخراً"، في إشارة إلى الحوادث التي وقعت في أيار/مايو وحزيران/يونيو عندما أسقطت الولايات المتحدة طائرة حربية تابعة للنظام السوري على مقربة من مدينة الطبقة، وأطلقت النار على ميليشيات مدعومة من إيران خلال تقدّمها نحو قاعدة أميركية على مقربة من التنف، وأسقطت طائرة إيرانية غير مأهولة. تابع المحلل: "تعليماته هي على الشكل الآتي: اقضوا على تنظيم الدولة الإسلامية ثم غادروا، مستخدمين من أجل ذلك أقل عدد ممكن من الجنود. لا تجعلوا من سوريا قضيتكم".
لقد عكسَ كلام تيلرسون يوم الأربعاء القرار الذي اتخذته إدارة ترامب بإعطاء الأولوية للقتال ضد "الدولة الإسلامية" وبسط الاستقرار في سوريا بدلاً من الدفع باتجاه تغيير النظام في خطوة موجّهة ضد الرئيس السوري بشار الأسد، والدخول في مواجهة مع إيران في سوريا، كما طالب بعض الصقور.
قال تيلرسون: "ينبغي على الأفرقاء في سوريا أن يتذكّروا أن معركتنا هي مع تنظيم الدولة الإسلامية. نناشد الأطراف كافة، بما في ذلك الحكومة السورية وحلفاؤها، وقوى المعارضة السورية، وقوات التحالف التي تخوض المعركة لإلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية، تجنُّب الدخول في نزاعات في ما بينها، والتقيّد بالحدود الجغرافية المتفق عليها لنزع التوتر العسكري وبروتوكولات وقف التصعيد".
غير أن تيلرسون لفت إلى أنه على روسيا النهوض بمسؤوليات خاصة تتمثل في تأمين امتثال النظام السوري لخطط وقف إطلاق النار، قائلاً: "تعتبر الولايات المتحدة أنه يقع على عاتق روسيا، بوصفها ضامنة لنظام الأسد وكونها انضمت باكراً إلى النزاع السوري، مسؤولية الحرص على تلبية احتياجات الشعب السوري وعلى عدم السماح لأي فصيل في سوريا باستعادة السيطرة بطريقة غير مشروعة على المناطق المحرّرة من قبضة الدولة الإسلامية أو سواها من التنظيمات الإرهابية، أو احتلال تلك المناطق". أضاف: "لدى روسيا أيضاً واجب الحؤول دون إقدام نظام الأسد مرة جديدة على استخدام الأسلحة الكيميائية من أي نوع كانت".
في حين أنه من شأن روسيا أن ترحّب بتعزيز التعاون مع الولايات المتحدة في الشأن السوري، قد تجد إدارة ترامب أن النفوذ الذي تمارسه موسكو على الأسد وحلفائه الإيرانيين أكثر محدودية مما تتمنّاه، وفقاً للخبير الروسي مايكل كوفمان.
قال كوفمان من "معهد كينان" لموقع "المونيتور": "ثمة تطابقٌ شديد ومؤسف بين المقاربة التي تعتمدها إدارة [ترامب] في التعاطي مع مشكلة كوريا الشمالية، اعتقاداً منها أن الصين ستقدّم شيئاً من شبه المؤكّد أنها لا تستطيع تقديمه ولن تقدّمه، وبين مقاربتها للمسألة السورية"، مضيفاً: "يسود اعتقاد شائع على نطاق واسع ولا أساس له على الإطلاق بأن روسيا هي في موقع يخوّلها التأثير في النفوذ الإيراني وكبحه وتقييده، وبأنها ستبادر إلى القيام بذلك في حال حصلت على المكافأة المناسبة".
يردف كوفمان: "ليس الحال على هذا النحو، وتسلك هذه الإدارة المسار نفسه الذي تبعته الإدارة السابقة لناحية الاعتقاد بأنه بإمكان روسيا السيطرة على الأفرقاء المحليين أو الإقليميين، والأهم من ذلك، الاعتقاد بأنها قد تفكّر حتى في مقايضة شراكتها مع إيران في مقابل ’لا شيء‘ إذ يبدو حتى الآن أن الرئيس الأميركي غير قادر عملياً على تقديم أي شيء"، مضيفاً: "يبدو أن إحدى الركائز التي تقوم عليها السياسة الأميركية في الملف السوري منذ وقت طويل هي احتواء إيران، ما سيؤدّي إلى مسار مألوف من الآمال غير المنطقية على الإطلاق التي تُعلَّق على روسيا، والتي ستتبعها خيبات أمل وتبادل للاتهامات".
قال وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس، في حديث إلى المراسلين على متن الطائرة التي كانت تقلّه إلى أوروبا الأسبوع الماضي، إن الجيش الأميركي يركّز على محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، وسوف يتفادى التورّط في الحرب السورية. ولمّح إلى أنه سيتم الخوض أكثر في التفاصيل في النقاشات مع الروس لمحاولة تجنّب المناوشات الميدانية في سوريا بين القوات الموالية للأسد والمدعومة من روسيا وإيران من جهة والقوات المدعومة من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من جهة ثانية.
قال ماتيس للمراسلين في 27 حزيران/يونيو على متن الطائرة التي كانت تقلّه إلى ألمانيا للمشاركة في اجتماع لحلف شمال الأطلسي (الناتو): "كيف نتجنّب انحراف المهمة عن إطارها؟ نحافظ على تركيزنا على مواقع تواجد العدو. ونحدد جهوداً للتنسيق في حال الاقتراب من... القوات التابعة لنظام الأسد أو القوات الروسية، ويجب أن نفترض أن هناك ضباطاً إيرانيين أو عناصر من حزب الله في صفوفها".
أضاف: "إذاً نستمر في التحرك ضد الدولة الإسلامية. وننزع التوتر مع الروس؛ إنه خط ناشط جداً لنزع التوتر. ... ونحرص على أن يكون التواصل مفتوحاً: ’نحن هنا، وأنتم هناك، نعرف مكانكم‘".
تابع ماتيس: "إذاً نرفض الانجرار إلى القتال في الحرب الأهلية السورية. نحاول وضع حد لتلك الحرب عن طريق الانخراط الديبلوماسي".
مع تركيز التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة و"قوات سوريا الديمقراطية" الآن على تحرير الرقة، قد تعمد القوات الموالية للأسد إلى تكثيف هجماتها لمحاولة السيطرة على دير الزور، بحسب ماتيس. في هذا الإطار، من شأن القادة العسكريين الميدانيين الذين يستخدمون خطوط "نزع التوتر" القائمة، أن يساهموا في تحديد متى يحتاج هذا الطرف أو ذاك إلى تحويل مواقع حلفائه "عشرة كيلومترات نحو الجنوب هنا، وخمسة كيلومترات نحو الشمال هناك"، تفادياً للمناوشات.
قال ماتيس عن خريطة القوى التي تزداد تعقيداً في وادي نهر الفرات: "غالب الظن أنها لن تبدو بهذه السلاسة. سوف تستند إلى النقاط حيث هناك التواءات في النهر و... إلى توزّع البلدات على ضفتَي النهر. ... إذاً قد تبدو متعرّجة بعض الشيء".
بعد المناقشات بين ترامب وبوتين في هامبورغ يوم الجمعة، من المرتقب أن تُستأنَف المباحثات بين النظام السوري والمعارضة في جنيف يوم الاثنين، وفقاً لما ورد على لسان مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا.
أما المحادثات التي أجريت هذا الأسبوع في الأستانة في كازاخستان، حول تطبيق اتفاق لإنشاء أربع مناطق "منزوعة التوتر" في سوريا، فقد انتهت في الخامس من تموز/يوليو الجاري من دون التوصل إلى اتفاق موقَّع من الأطراف. من المزمع أن يلتقي الأفرقاء المشارِكون في محادثات الأستانة، بقيادة روسيا وتركيا وإيران، في العاصمة الكازاخستانية من جديد في آب/أغسطس المقبل. يُشار إلى أن ستيوارت جونز، مساعد وزير الخارجية الأميركي بالوكالة لشؤون الشرق الأدنى، حضر اجتماع الأستانة بصفة مراقب.
وقد اعتبر دي ميستورا، من جهته، أنه من غير المفاجئ أن التوصل إلى اتفاق حول سبل الحد من العنف في النزاع السوري المستمر منذ أكثر من ستة أعوام، قد يحتاج إلى مزيد من الوقت.
وفي هذا الإطار، قال للصحافيين في مؤتمر صحافي في الأستانة يوم الأربعاء: "في رأيي، يجب ألا يخيب ظنّكم. كل خطوة في النقاشات، حتى في الأستانة، كما في جنيف، هي خطوة صغيرة إنما مهمة. ... المطلوب الآن هو التنفيذ، وكما تعلمون، الشيطان يكمن عادةً في التفاصيل. إذاً دعونا لا نقلّل من شأن ما شهدناه اليوم، والذي يؤشّر إلى تحقيق بعض التقدم، لكنني أدرك تماماً أن التوقعات كانت أكبر".
أضاف: "في غياب عملية سياسية، حتى نزع التوتر ليس قابلاً للاستدامة".