مدينة غزّة، قطاع غزّة – صادق رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عبّاس في 24 حزيران/يونيو الماضي على قانون الجرائم الإلكترونيّة، الذي يهدف إلى تنظيم المعاملات والمواقع الإلكترونيّة الإعلاميّة ومواقع التواصل الإجتماعيّ، وفرض عقوبات على من يخلّ بالسلوك العام أو يحرّض من خلال تلك المواقع.
المصادقة على القانون جاءت بعد أن قدّم النائب العام الفلسطينيّ أحمد البرّاك، في 15 آذار/مارس من عام 2016، مسودّة أوليّة بمشروع القرار إلى مجلس الوزراء الفلسطينيّ، فيما شكّل المجلس في 13 حزيران/يونيو الماضي لجنة خاصّة لدراسته قبل أن يتمّ إقراره حسب الأصول.
وسبق ذلك القانون، تشكيل أحمد البرّاك في 2 كانون الثاني/يناير من عام 2017، نيابة للجرائم الإلكترونيّة، بهدف تهيئة الظروف القانونيّة والتسريع في إصدار القانون، ليحلّ محلّ قانون العقوبات الأردني رقم 16 لعام 1960، والذي جاءت نصوصه عامّة وغير رادعة ويخلو من أيّ نص حول الجرائم الإلكترونيّة المرتكبة، والتي تتطوّر وسائلها بتطوّر العصر.
وأشار الناطق باسم الشرطة الفلسطينيّة لؤي ازريقات لـ"المونيتور" إلى أنّ الأهميّة القانونيّة والقضائيّة لذلك القانون تنبع من أنّه جاء ليعالج الجرائم الإلكترونيّة التي ارتفعت معدّلاتها في الأراضي الفلسطينيّة خلال السنوات الأخيرة. ففي عام 2015، بلغ عدد تلك الجرائم 502 جريمة. وفي عام 2016، بلغ العدد 1327 جريمة. وحتّى نهاية النصف الأوّل من عام 2017، تلقّت الشرطة الفلسطينيّة 700 بلاغ عن الجريمة الإلكترونيّة.
ولفت لؤي ازريقات إلى أنّهم في جهاز الشرطة الفلسطينيّة أنشأوا خلال عام 2013، وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونيّة، وتمّ تزويدها بضابط ومهندسين يمتلكون خبرة كبيرة في ذلك المجال، ويقومون بمهمّة متابعة الجرائم الإلكترونيّة التي تمسّ بالأشخاص والمؤسّسات، وتتمّ متابعتها بالطرق الفنيّة وبالتّعاون مع النيابة العامّة الفلسطينيّة.
وعن الجرائم الإلكترونيّة الأخيرة، التي تعاملت معها الشرطة الفلسطينيّة في الأراضي الفلسطينيّة، قال ازريقات: "تمكّنت الشرطة الفلسطينيّة في 21 أيّار/مايو الماضي من القبض على شاب فلسطينيّ في مدينة نابلس أخذ بطرق الاحتيال مبلغ 90 ألف شيكل (25 ألف دولار) و68 ألف دولار من فتاة فلسطينيّة، بعد أن أوهمها بالزواج منها. وخلال التواصل عبر الإنترنت بينهما، حصل على صور عدّة خاصّة بها وهدّدها بنشرها على الإنترنت إن لم تواصل دفع مبالغ ماليّة له. وبعد أن أفلست الفتاة، توجّهت إلى الشرطة، وتقدّمت ببلاغ ضدّ الشاب قبل أن يتمّ اعتقاله". وأشار إلى أنّ عقوبة الجرائم الإلكترونيّة التي يتمّ إيقاعها على المجرمين، وفقاً لقانون الجرائم الأردنيّ رقم 16 لعام 1960، ليست رادعة، إذ تتراوح مدّة العقوبة بين أسبوع و6 أشهر، متوقّعاً أن ينجح القانون الفلسطينيّ الجديد في إيجاد عقوبات رادعة ومناسبة للحدّ من تلك الجرائم.
هذا وشكّلت فئة الشباب والفتيات النّسبة الأكبر التي وقعت عليها الجرائم الإلكترونيّة في الأراضي الفلسطينيّة خلال الأعوام الأخيرة، إذ بلغت نسبة الضحايا من الإناث 37 في المئة، فيما بلغت 63 في المئة نسبة ضحاياها من الشباب والمؤسّسات العامّة والخاصّة وذلك وفقاً لإحصائيات فلسطينية.
وأكّدت مديرة الدائرة القانونيّة في محافظة نابلس لينا عبد الهادي لـ"المونيتور" أنّ إقرار القانون سينصف كلّ من تعرّض إلى جريمة إلكترونيّة، سواء أكان شخصاً أو مؤسّسة، ولم ينجح القانون الأردنيّ 1960 بإعطائه حقّه نتيجة القصور الذي يعاني منه.
ولفتت إلى أنّ الجرائم اتّخذت أشكالاً عدّة منها؛ الابتزاز الجنسيّ، إنشاء مواقع إلكترونيّة للدعارة وتجارة الأطفال جنسيّاً، ترويح المخدّرات من خلال الإنترنت، جرائم نشر الفيروسات واقتحام المواقع الإلكترونيّة، والنصب والاحتيال وانتحال شخصيّات عبر وسائل التواصل الإجتماعيّ.
وشدّدت على أنّ إصدار قانون لتلك الجرائم، في ظلّ قصور قانون العقوبات الأردنيّ المعمول به في المحافظات الفلسطينيّة، كان مطلب فئات كثيرة من المجتمع الفلسطينيّ، مشيرة إلى أنّ التوعية على مخاطر تلك الجرائم بدأت تنتشر في أوساط الشارع الفلسطينيّ من خلال المؤسّسات الرسميّة والأهليّة، ويتم ذلك عبر الندوات التثقيفية أو بعض النشرات الإلكترونية المصورة التي يتم ترويجها للمواطنين عبر صفحات التواصل الاجتماعي.
من جهتها، هاجمت نقابة الصحافيّين الفلسطينيّين القانون، وقال عضو أمانتها العامّة نبهان خريشة في تصريحات لصحيفة "القدس العربيّ" بتاريخ 27 حزيران/يونيو الماضي: "إنّ القانون نسخة متخلّفة ستدفع بالفلسطينيّين إلى الابتعاد عن توجيه النقد البنّاء للنظام السياسيّ الفلسطينيّ، ومن سيتجرّأ على توجيه النقد للنظام السياسيّ سيقوم بذلك بشكل رمزيّ أو من خلال التشبيه".
وأشار إلى أنّ النظرة الرسميّة الفلسطينيّة للقانون، بعد إقراره من قبل الرئيس، تختلف عن نظرة بعض المواطنين والصحافيّين الذين يرون أنّه سيغرق مضمون الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعيّ بالرمزيّة ناهيك عن أنّه أقرّ لمواجهة حركة "حماس" والنائب محمّد دحلان. وذلك في إشارة إلى قرار البرّاك في 15 حزيران/يونيو الماضي حجب أكثر من 11 موقعاً إلكترونيّاً مقرّباً من "حماس" ومحمّد دحلان.
وينص قانون العقوبات الفلسطيني لعام 2017، في مادته رقم 21 "كل من أنشأ موقعاً، أو نشر معلومات على الشبكة المعلوماتية، أو إحدى وسائل تقنية المعلومات لأية مجموعة تدعو لتسهيل برامج وأفكار وترويجها، ومن شأنها الاخلال بالنظام والآداب العامة، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات".
بدوره، رأى أستاذ القانون الجنائيّ في جامعة "النجاح الوطنيّة" فادي شديد أنّ هناك ضرورة ملحّة أدّت إلى إصدار ذلك القانون، وهي ارتفاع معدّلات الجريمة الإلكترونيّة في الأراضي الفلسطينيّة، وعدم وجود نصوص قانونيّة واضحة لمعالجة تلك الجرائم في ظلّ الثورة الإلكترونيّة التي يشهدها العالم، والقاعدة القانونيّة تقول "لا جريمة ولا عقوبة، إلاّ بنص".
وأشار إلى أنّ أشخاصاً كثيرين يفلتون من العقاب في تلك الجرائم، نظراً لعدم وجود نص قانونيّ يجرّم أفعالهم، فكان لا بدّ من التصدّي لتلك الظاهرة، وقال لـ"المونيتور": إنّ دولاً خليجيّة عدّة كالإمارات العربيّة المتّحدة وقطر سنّت قوانين منذ سنوات عدّة لمواجهة الجرائم الإلكترونيّة.
ولفت إلى أنّ بداية تطبيق القرار بالتأكيد ستشهد معوقات، لا سيّما أنّ الأمر يحتاج إلى خبرة كبيرة كون غالبيّة تلك الجرائم تحدث عبر الفضاء الافتراضيّ، مشيراً إلى أنّ المعضلة الأكبر التي يمكن أن تعيق تطبيق القانون على بعض مرتكبي تلك الجرائم تتمثل في هروبهم إلى مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيليّة أو خارج الأراضي الفلسطينيّة، وقال: لا تعاون بين السلطة الفلسطينيّة وإسرائيل في مجال تسليم مطلوبين للعدالة وقعت عليهم تهم جنائيّة.
وبعد إقرار القانون، تنتظر فئات مجتمعيّة أن ينصفها القانون الجديد ويحميها وأخرى تخشى أن يشكّل ذلك القانون أداة قمع لها.