لا تقتصر الاعتراضات على مشروع استقلال إقليم كردستان العراق على الجهات الدوليّة والقوى الإقليميّة وحتّى موقف بغداد نفسه، إذ أنّ هناك أكراداً تابعين للمذهب الشيعيّ ومعروفين بالأكراد الفيليّين معارضون أساسيّون لانفصال الإقليم عن العراق.
فور إعلان حكومة الإقليم عن نيتها بإجراء الإستفتاء على الإنفصال، أبدت معظم الجهات والقوى المعنية بتطورات انفصال الاقليم عن معارضتها لهذا المشروع بوصفه أمرا غير قانوني ومؤدي الى تصاعد الأزمات في المنطقة. فقد أبدى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الموقف الرسمي للحكومة العراقية في 18 حزيران، قائلا: "استفتاء إقليم كردستان على الانفصال غير قانوني، وأن الحكومة الاتحادية لن تدعمه أو تموله أو تشارك فيه". وفي موقف مشابه، تعارض الولايات المتحدة ودول الجوار بما فيها تركيا وايران وسوريه إنفصال الاقليم من العراق.
وكانت قد أعلنت حكومة الإقليم عن نيّتها إجراء الاستفتاء خارج المحافظات الثلاث داخل الإقليم، على أن يشمل "مناطق الأكراد خارج إدارة الإقليم". وإنّ الأكراد خارج الإقليم بمعظمهم من الأكراد الفيليّين المنتشرين على الشريط الحدوديّ بين إيران والعراق من جنوب السليمانيّة إلى شمال البصرة، من المناطق الحدوديّة الواقعة ضمن محافظات ديالى، واسط وميسان. وهناك أعداد كبيرة منهم في مناطق مختلفة من العاصمة بغداد، إضافة إلى أعداد أخرى منتشرة في المحافظات الجنوبيّة، خصوصاً المقدّسة شيعيّاً مثل النّجف وكربلاء.
وأعلن رئيس لجنة الأكراد الفيليّين في مجلس محافظة واسط شرق العراق حيدر هشام الفيلي بـ27 حزيران/يونيو الماضي، الموقف الرافض للأكراد الفيليّين لإجراء الاستفتاء، ثمّ انفصال الإقليم عن العراق، وقال: "إنّ الدعوة إلى الاستفتاء في إقليم كردستان العراق لا تشمل المكوّن الفيليّ لأنّ الاستفتاء جغرافيّ، وليس قوميّاً بمعنى أنّ من يسكن في مناطق الإقليم هو مشمول في الاستفتاء".
كما أنّ هناك عدم اتّفاق شامل على إجراء الاستفتاء داخل الوسط السياسيّ الكرديّ، الأمر الذي سيؤثّر على نسبة المشاركة في الاستفتاء داخل الإقليم وخارجه، وذلك بحسب تصريح رئيس هيئة المناطق الكردستانيّة الواقعة خارج إدارة الإقليم نصر الدين سندي في 8 تمّوز/يوليو الحالي، والذي حذّر من أنّ عدم معالجة الخلافات الداخليّة الكرديّة سيؤثّر سلباً على نسبة مشاركة المواطنين في عمليّة الاستفتاء.
وعانى الأكراد الفيليّون تهميشاً واضطهاداً واسعاً ضمن التجاذبات القوميّة والطائفيّة والسياسيّة الموجودة في العراق. وقال عضو مجلس محافظة بغداد فؤاد علي أكبر لـ"المونيتور"، وهو من الفيليّين: "هم شيعة وأكراد، وهذا ما أثار نقمة نظام صدّام ضدّهم. واليوم، لم ينصفهم لا الشيعة ولا الأكراد. ولأنّ الفيليّين بمعظمهم معتدلون في انتماءاتهم وتعدّدهم الثقافيّ لم ينالوا ثقة لا الأكراد ولا الشيعة، إذ لا يريد الطرفان الشيعيّ والكرديّ لهم أن يكونوا كياناً مستقرّاً وأن يتمتّعوا بحقوقهم كمواطنين عراقيّين أسوياء، مرّة بدافع عرقيّ من طرف، ومرّة أخرى بدافع طائفيّ من طرف آخر".
كما أنّ امتداد تواجدهم داخل الأراضي الإيرانيّة برّر فرضهم غير عراقيّين، الأمر الذي أدّى إلى تسفير عدد كبير منهم في عهد النظام البعثيّ إلى إيران، ويتراوح هذا العدد بين 300 و500 ألف نسمة. وآنذاك، تمّت أيضاً مصادرة أكثر من 10 آلاف بيت وممتلكات أخرى تعود إليهم. وكانوا أيضاً مستهدفين من جماعات إرهابيّة بعد عام 2003 إلى حدّ كبير بسبب انتمائهم الشيعيّ.
لا توجد إحصائيّات رسميّة عن عدد الأكراد الفيليّين، في ظلّ الظروف التي تعرّضت لها هذه الفئة من تهجير وإبعاد وإقصاء، لكنّ الإحصائيّات غير الرسميّة أشارت إلى أنّ عددهم يبلغ الآن حوالى 2.5 مليون (6.5 في المئة) من مجموع نسمة العراق، وهذا يشكّل نسبة كبيرة من مجموع الأكراد، الذين يبلغ عددهم في حدود الـ19 في المئة من نسمة العراق حسب إحصائيّة عام 1947. وتشكّل الطبقة الوسطى نسبة كبيرة من المجتمع الفيليّ، حيث برزت شخصيّات لامعة، من بينها عازف العود العالميّ نصير شمّة. كما ساهم الفيليّون بشكل كبير في تأسيس الحركات القوميّة الكرديّة والنضاليّة ضدّ الأنظمة القمعيّة ضدّ الأكراد في العراق طوال تاريخ العراق الحديث.
وأكّد الناشط الفيليّ حسن عبدلي انتماءهم العراقيّ والإضطهادات التي لحقت بهم ومخاوفهم الحاليّة، وقال: "نحن أكراد فيليّون نعتبر أنفسنا عراقيّين أصلاء، لنا جذور تاريخيّة وإجتماعيّة عميقة في العراق، دافعنا عنه وعن شعبه في كلّ الحركات التحرريّة العراقيّة في ثورة العشرين والحركات الكرديّة والثورات الشيعيّة، وأيضاً في القتال ضدّ داعش، وواجهنا اضطهاداً من الحركات القوميّة العربيّة والكرديّة".
وإثر الإعلان عن نيّة الإقليم إجراء الاستفتاء، تصاعدت أصوات مطالبة بطرد المواطنين الأكراد خارج الإقليم، الأمر الذي أثار خشية كبيرة لدى المكوّن الفيليّ. ولقد هدّد عضو مجلس محافظة بغداد عن إئتلاف دولة القانون سعد المطلبيّ في نهاية يونيو/حزيران الماضي بسحب الجنسيّة العراقيّة من الأكراد خارج الإقليم في حال انفصال كردستان عن العراق. وقامت مظاهرات عدّة في العاصمة بغداد ومدينة كركوك، التي يطالب إقليم كردستان بضمّها إلى الإقليم، ضدّ تصريحات سعد المطلبيّ في الأيّام الأولى من تمّوز/يوليو الحاليّ.
وكشف فؤاد أكبر أنّ "الفيلييّين بغالبيّتهم تنتابهم مخاوف التهجير والقتل ومصادرة الأموال والنهب والسلب المنظّم في حال إعلان استقلال كردستان، وهذا ناتج من التهديدات التي يتلقّونها بين الحين والآخر عند أيّ خلاف بين حكومة المركز والإقليم".
وأدّى ذلك إلى تضامن الأحزاب الكرديّة المعارضة لإجراء الاستفتاء مع الأكراد الفيليّين. وشكّلت حركة التغيير الكرديّة غرفة عمليّات مع الأكراد الفيليّين في 6 تمّوز/يوليو الحاليّ من أجل التضامن معهم.
وقالت رئيسة كتلة "التغيير" النيابيّة سروه عبد الواحد في مؤتمر صحافيّ مشترك مع نوّاب ووفد من الفيليّين: "الاستفتاء المزمع إجراؤه في أيلول المقبل داخل كردستان هو استفتاء حزبيّ لا يمثل طموح الشعب الكرديّ بالكامل لأنّه لم يأت عبر المؤسّسات الشرعيّة الوطنيّة".
وفي السؤال عن مطالب الأكراد الفيليّين، قال فؤاد عليّ أكبر: "إنّ المطلب الدائم للأكراد الفيلييّن قبل داعش وما بعده، هو إعادة حقوقهم المسلوبة وإعطاؤهم الدور الحقيقيّ كعراقيّين أصلاء في العراق، وأن يكون لهم تمثيل يتناسب مع حجمهم في البرلمان والحكومة، إذ لا يوجد لهم أيّ تمثيل حاليّاً لا في البرلمان العراقيّ ولا في رئاسة الوزراء عدا مجلس محافظة بغداد وواسط. كما أنّهم يطالبون برعاية دوليّة، حالهم حال بقيّة الأقليّات العراقيّة".
وتلقّى الفيليّون دعماً من التحالف الوطنيّ الشيعيّ، إذ التقى زعيم التحالف عمّار الحكيم وفداً من المكوّن الكرديّ الفيليّ في 4 تمّوز/يوليو بهدف دعوته إلى المساهمة في مشروع المصالحة الوطنيّة، وذلك بحسب بيان مكتب عمّار الحكيم.
في ضوء ما سبق، يبدو أن الكرد الفيلية سيشكلون أحد التحديات الأساسية أمام كلّ من اربيل وبغداد إذا ما سار مشروع الانفصال الكردي الى الأمام.