العراق – بغداد: يتبنّى أكاديميّون عراقيّون ومنظّمات مجتمع مدنيّ في داخل العراق وخارجه مبادرة لإعادة تأهيل مكتبة الموصل المركزيّة، التي تأسّست في عام 1921، وتضمّ نحو 113 ألف كتاب، والتي أحرقها تنظيم "داعش" في 22 شباط/فبراير من عام 2015، حيث شكّل ذلك كارثة ثقافيّة. وتشمل المبادرة أيضاً، إعادة إحياء مكتبة جامعة الموصل، التي تأسّست في عام 1967، وتحوّلت إلى أطلال خلال فترة 32 شهراً من حكم "داعش"، الذي اجتاح مدينة الموصل في عام 2014.
وكان طلاّب جامعة الموصل قد أدّوا الإمتحانات في 13 حزيران/يونيو من عام 2017، وسط مبان دمّرتها المعارك، بعد انقطاع 3 سنوات، بعد تحريرها من قبل القوّات العراقيّة في 14 كانون الثاني/يناير من عام 2017.
وبين الجهود لإعادة إحياء مكتبة الموصل المركزيّة ومكتبة جامعاتها، يبرز المشروع الذي أطلقته "جمعيّة الأكاديميّين العراقيّين في أستراليا ونيوزلندا"، بالتنسيق مع "رابطة الأكاديميّين العراقيّين في المملكة المتّحدة"، والذي يلقى تجاوباً جيّداً من الجامعات الأستراليّة والعراقيّة ومنظّمات المجتمع المدنيّ والعديد من الأكاديميّين والمثقّفين.
ولقد تمكّنت الجمعيّة من "جمع كميّات كبيرة من الكتب والمنشورات، التي تنتظر شحنها إلى داخل العراق"، وفق عضو الجمعيّة الأكاديميّ العراقيّ المقيم في أستراليا أحمد الربيعي، الذي قال لـ"المونيتور": "إنّ الجمعيّة استطاعت جمع عدد كبير من المخطوطات ومصادر العلوم والتقنيّات الإلكترونيّة والكتب من عدد من الجامعات الأستراليّة والعراقيّة والمؤسّسات والجمعيّات والشخصيّات الأكاديميّة والإجتماعيّة".
لكنّ "المهمّة الصعبة التي يواجهها المشروع"، وفق الربيعي، هي في "صعوبات عمليّة تواجه توسيع نطاق الحملة بسبب غياب الدعم والصعوبات اللوجستيّة مثل الموافقات الأستراليّة على الشحن وإجراءات الاستلام في الموانئ العراقيّة وتأمين إيصالها بسلام إلى الموصل، إضافة إلى التكاليف الماديّة". وعن تجاوز الصعوبات، قال أحمد الربيعي: "خاطبنا الجهات الرسميّة في أستراليا، وهي السفارة والملحقيّة الثقافيّة العراقيّة، للمساعدة في القضايا الإجرائيّة".
ولفت إلى أنّ "إعادة إعمار جامعة الموصل مهمّة ليست بالسهلة، وأنّ منظّمات المجتمع المدنيّ لا يمكنها لوحدها الاضطلاع بها"، داعياً إلى إشراك الجامعات والكفاءات والجمعيّات والمراكز الأكاديميّة العراقيّة في الخارج ومراكز البحث العلميّة والأكاديميّة العالميّة للمساعدة في إعادة بناء الجامعة". كما دعا إلى "تعاون الملحقيّات الثقافيّة العراقيّة في بلدان العالم، واعتماد معايير الكفاءة والمهنيّة والالتزام في إعادة هيكلة الجامعة".
وعلى ما يبدو، فإنّ الجهود بغالبيّتها تنصبّ فقط على إهداء الكتب إلى مكتبة جامعة الموصل، من دون اقتراح محاور أخرى تنوّع الدعم وتسدّ النقص في الأموال والقدرات اللوجستيّة. ففي 25 كانون الثاني/يناير من عام 2017، وجّه رجال دين معروفون، المؤسّسات الثقافيّة المرتبطة بهم، لرفد مكتبة جامعة الموصل بالكتب.
وأطلق النائب في البرلمان العراقيّ همام حمودي حملة في 14 آذار/مارس من عام 2017 لإحياء المكتبة المركزيّة لجامعة الموصل، داعياً دور النشـر والمراكز الثقافيّة إلى التبرّع بالكتب. وناشدت جامعة البصرة في 29 كانون الثاني/يناير من عام 2017 أصحاب المكتبات والباحثين إهداء الكتب إلى مكتبتيّ الموصل المنكوبتين.
غير أنّ مبادرة "جمعيّة الأكاديميّين العراقيّين في أستراليا ونيوزلندا" والمنظّمات في خارج العراق تكتسب أهميّة خاصّة، حسب رأي رئيسة "جمعيّة الحوار الإنسانيّ" في لبنان إيمان عبد الملك التي قالت لـ"المونيتور": "إنّ تواجد الأكاديميّين في خارج البلاد يمكّنهم من التواصل مع جامعات العالم والجهات العلميّة والبحثيّة في الدول المختلفة، للحصول على المنشورات العلميّة الدوريّة والكتب العلميّة والمؤلّفات التي تختلف عن تلك الموجودة في العراق، والتي تتّسم في أغلبها بأنّها إمّا قديمة، وإمّا غير محدّثة. كما يغلب عليها الطابعان الأدبيّ والدينيّ". ونظرت إيمان عبد الملك إلى إحياء المكتبة "كردّ مناسب على فكر الجماعات المتطرّفة وما نتج منه من هدم وتدمير وإحراق متعمّد".
وإذ أثنى المتحدّث باسم وزارة التعليم العالي حيدر العبودي في حديث لـ"المونيتور" على "مبادرة الأكاديميّين العراقيّين في أستراليا ونيوزلندا"، أكّد أنّ "الوزارة ترحّب بأيّ جهد في هذا الاتّجاه، وهي مستعدّة للتعاون والتنسيق مع المنظّمات المحليّة والأجنبيّة"، وقال: "تقدّر الوزارة حجم التكاليف والإجراءات الإداريّة التي تصاحب مبادرات كهذه، وهي تقترح على الجهات المساهمة، مخاطبتها عبر القنوات الرسميّة لكي تدرس معها تنسيق عمليّات الشحن وتكاليفها". ولفت حيدر العبودي إلى أنّ "الوزارة تساهم أيضاً في تأهيل جامعة الموصل، عبر مشروع تجهيز 130 مختبراً، وتأهيل 23 كليّة في مفاصل الجامعة".
وفي سياق البحث عن سبل دعم مكتبات الموصل وتسهيل إنجاح مبادرات المنظّمات المدنيّة والأكاديميّة في الخارج، دعا عضو لجنة الثقافة النيابيّة شوان داوودي عبر "المونيتور" إلى "إيجاد آليّة حكوميّة واضحة ومعلنة يمكن للجهات المختلفة في خارج البلاد وداخلها من التواصل، لتمكينها من إنجاح مبادراتها عبر الدعم الماليّ لها"، وقال: "تسلّم العراق 5 آلاف كتاب من منظّمات فرنسيّة". أضاف: "إنّ المنظّمات المدنيّة والخيريّة والثقافيّة في خارج البلاد لديها مبادرات مهمّة ونوعيّة، ولكن تواجهها صعوبات التكاليف، إضافة إلى روتين الموافقات الرسميّة العراقيّة".
ويبدو أنّ جهات عدّة تتحمّس لإعادة التأهيل الثقافيّ والعلميّ في الموصل ومؤسّساتها، وقال عضو المكتب التنفيذيّ لإتّحاد أدباء العراق رياض الغريب لـ"المونيتور": "إنّ الإتّحاد دعا الأدباء والمثقّفين إلى المساهمة الفاعلة في تشكيل حراك حقيقيّ لجمع الكتب وإرسالها إلى الموصل، إضافة إلى العمل على إقامة مهرجانات ثقافيّة ودراسيّة في المدينة".
ما تحتاج إليه الموصل اليوم، ليس المبادرات الفرديّة من داخل العراق وخارجه، بل آليّة حكوميّة رسميّة تنسّق المبادرات، وتدعمها لكي تتشكّل منها حركة دعم جماعيّة وطنيّة، على نسق شموليّ، يعيد بناء مؤسّسات الموصل الثقافيّة بطريقة علميّة ومدروسة.