مدينة غزّة - ليس مبالغاً إن قلت إنّ خدمة الإنترنت في قطاع غزّة تعدّ الملجأ الوحيد المتبقّي أمام الغزيّين للهروب من همومهم الناتجة من تواصل الحصار الإسرائيليّ المفروض عليهم منذ عام 2007، ولكن ثمّة أزمة انقطاع في هذه الخدمة تطلّ برأسها على قطاع غزّة، وتتفاقم شيئاً فشيئاً بسبب زيادة أزمة انقطاع التيّار الكهربائيّ، التي تصل إلى أكثر من 20 ساعة يوميّاً، بعد قيام إسرائيل في 19 يونيو الماضي، بتقليص الكهرباء الواصلة عبر الخطوط الإسرائيليّة إلى غزّة، لتصل إلى 48 ميجاواطاً من أصل 120 ميجاواطاً، استجابة لطلب من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وتعدّ خدمة الإنترنت من أولويّات السلع الأساسيّة المهمّة لدى المواطنين وخاصة الغزيين، إذ تساعدهم على التواصل مع العالم الخارجيّ للتعبير عمّا يجول في خاطرهم، في ظلّ عدم مقدرتهم على السفر إلى الخارج بسبب استمرار إغلاق معبر رفح البريّ في وجوههم. كما تعدّ شبكة الإنترنت ملاذاً أمام الشباب العاطلين عن العمل في غزّة للعثور على فرصة للعمل الحرّ عن بعد، في ظلّ تنامي نسبة البطالة التي وصلت في غزّة إلى 41.2 بالمئة، بحسب إحصائيّة رسميّة صادرة عن الجهاز المركزيّ للإحصاء الفلسطينيّ، ونشرت في تمّوز/يوليو من عام 2016.
ويتنامى عدد مشتركي الإنترنت في غزّة، فبحسب تقرير صادر عن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بغزّة في 7 أيّار/مايو الماضي، بلغ عدد مشتركي الإنترنت 116793 مشتركاً في نهاية الربع الأوّل من عام 2017، مقارنة مع 94958 مشتركاً في نهاية الربع الأوّل من عام 2016. وأشار التقرير الى أنّ معدّل متوسّط سرعة الإنترنت في غزّة يبلغ 7 ميجا بت/ثانية.
وتوجد في القطاع 4 شركات رئيسيّة تمدّ عدداً من الشركات الفرعيّة بخدمة الإنترنت لبيعها إلى المواطنين، وهي: شركة "الاتصالات الفلسطينيّة"، شركة "ديجيتال كومينيكيشن"، شركة "مدى"، وشركة "فيوجن"، وتحصل هذه الشركات على الإنترنت من خلال شرائه من شركات إسرائيليّة مثل شركة "بيزيك".
وفي ظلّ أزمة الكهرباء، يعتمد الغزيّون بشكل كبير على البطاريّات المتجدّدة الشحن كمصدر للطاقة لبقاء عمل مقاسم التوزيع الخاصّة بشركات تزويد الإنترنت أو أجهزة بثّ الإنترنت المنزليّة، بحيث يعاد شحن هذه البطاريّات خلال ساعات التغذية بالكهرباء.
وعزا المدير العام للتراخيص في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بغزّة زياد الشيخ ديب سبب تقطّع خدمة الإنترنت إلى اشتداد أزمة انقطاع الكهرباء، وقال لـ"المونيتور": "إنّ تقديم خدمات الإنترنت إلى المواطنين يتطلّب تركيب مقاسم تعمل على الكهرباء وتكون مزوّدة ببطاريّات تستطيع تشغيل هذه المقاسم لمدّة 7 ساعات متواصلة في حال انقطاع الكهرباء، ولكن أدّت مشكلة انقطاع الكهرباء لأكثر من 20 ساعة، إلى توقّف عمل هذه الأجهزة وعدم شحن بطاريّاتها بالشكل الكافي، الأمر الذي أثّر سلباً على وصول الإنترنت إلى المواطنين".
وأثارت هذه الأزمة سخطاً وغضباً شعبيّاً كبيراً عبر مواقع التواصل الإجتماعيّ، إذ كتب الناشط عبد الله أبو شرخ منشوراً في صفحته على "فيسبوك" في 23 حزيران/يونيو الماضي جاء فيه: "تقليص ساعات الإنترنت على غزّة انتهاك فظيع لحقوق الإنسان، بل جريمة ضدّ الإنسانية!". وعلق الناشط محمّد علام على هذا المنشور بالقول: "نستطيع تحمل قطع كلّ شيء باستثناء الإنترنت".
ويشعر المواطن محمود الريّس (32 عاماً) بغضب كبير من جرّاء تأثّر عمله في تداول الأسهم في سوق العملات الأجنبيّة "فوركس" سلباً، بسبب توقّف خدمة الإنترنت لنحو 6 ساعات يوميّاً عن منطقة سكنه في حيّ الشيخ رضوان - شمال مدينة غزّة، وقال لـ"المونيتور": "إنّ متابعة هذه السوق تتطلّب اتصالاً مستمرّاً بالإنترنت من أجل مراقبة مؤشرات حركة الأسهم الصاعدة والهابطة ثانية بثانية، ولكن التقطّع المتذبذب والانقطاع المستمرّ لساعات في الإنترنت تسبّب لي بخسائر كبيرة بلغت 1700 دولار خلال أسبوع واحد".
ويخشى حبيب الشوا (22 عاماً)، وهو طالب كليّة التجارة في الجامعة الإسلاميّة بغزّة، من تفاقم أزمة الإنترنت، وقال لـ"المونيتور": "كلّ أزمة في غزّة بدأت طفيفة، ثمّ أصبحت عميقة، وتؤثر على حياتنا بشكل كبير، وأخشى أن تلحق خدمة الإنترنت بالأزمات المزمنة المحيطة بنا".
من جهته، رأى أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة الأزهر بغزّة طلال عوكل خلال حديث لـ"المونيتور" أنّ تفاقم أزمة الإنترنت لا يمكن تحمّله، وقد يؤدّي إلى عواقب تصل إلى تدهور الوضع الأمنيّ بين غزّة وإسرائيل، وقال: "إنّ اشتداد أزمة الإنترنت من شأنه أن يزيد مشاعر العزلة في غزّة ونسبة البطالة، وهذا يؤدّي إلى خلق اضطرابات بين المواطنين قد تتحوّل في النهاية إلى صراع عسكريّ بين غزّة وإسرائيل، هدفه إجبار إسرائيل على حلّ مشكلات غزّة الحياتيّة بصفتها الدولة القائمة بالاحتلال".
وأشار زياد الشيخ ديب إلى أن حجم انتشار الأزمة لا يزال غير معروفاً كون الأزمة آخذه بالتوسع، إذ أن جزء من المواطنين يعاني من انقطاع تام في خدمة الانترنت يمتد لساعات، فيما جزء آخر يعاني من تقطع لحظي ومتتابع وانخفاض في جودة الانترنت وسرعته، وقال: "ولكن المؤكد أن استمرار أزمة الكهرباء سيزيد من تفاقم وتوسع بقعة انتشار أزمة الانترنت".
وأكّد أنّ وزارة الاتصالات تتابع باستمرار مع كلّ شركات الإنترنت في غزّة لحلّ هذه المشكلة، وقال: "قدّمت الوزارة بعض الحلول للتخفيف من هذه الأزمة مثل تركيب خلايا شمسيّة لتوليد الطاقة الكهربائيّة لمقاسم التوزيع، أو الاعتماد على مولّدات خارجيّة لشحن البطارّيات".
ولفت إلى أنّه لا يمكن اللجوء إلى المولّدات الخارجيّة خلال ساعات الليل وحتّى الصباح، بسبب الضجيج الكبير الذي تصدره.
من جهته، قال مدير شركة الاتصالات الفلسطينيّة في مدينة غزّة خليل أبو سليم خلال حديث لشبكة "قدس الإخباريّة" في 28 يونيو الماضي: إنّ انقطاع التيّار الكهربائيّ لأكثر من 20 ساعة يوميّاً يحول دون استمرار عمل مقاسم توزيع الإنترنت.
وأشار إلى أنّ البطاريّات الموجودة في كلّ مقسّم، لا يتجاوز عدد ساعات عملها الـ4-6 ساعات يوميّاً كحدّ أقصى حتّى يتطلّب شحنها من جديد، لافتاً إلى أنّ شركته حاولت اللجوء إلى خيار تركيب خلايا شمسيّة لتوليد الطاقة الكهربائيّة لمقاسم التوزيع.
وأشار أيضاً إلى عدم توافر الألواح الشمسيّة في قطاع غزّة بشكل كبير، الأمر الذي يحول دون توفير الطاقة لكثير من المقاسم التابعة لشركته.
ورغم قرار مصر إدخال السولار المصريّ إلى غزّة في 21 حزيران/يونيو الماضي لتشغيل محطّة توليد الكهرباء في غزّة، إلاّ أنّ تقليص إسرائيل الكهرباء الواصلة إلى غزّة، لم يغيّر من واقع الكهرباء شيئاً، الأمر الذي ينذر باستمرار أزمة الكهرباء، وبالتّالي استمرار تدهور أزمة انقطاع خدمة الإنترنت.