القاهرة – بعد إطاحة القوّات المسلّحة في 3 تمّوز/يوليو 2013 بالرئيس المعزول محمّد مرسي إثر مظاهرات شعبيّة ضدّه في 30 حزيران/يونيو من العام ذاته، بدأت حرب بين القوّات المسلّحة والجماعات الإرهابيّة في سيناء، إلّا أنّ الحرب تطوّرت بانتقال الإرهاب إلى المدن بسلسلة من العمليّات النوعيّة، مثل تفجير مديريّة أمن القاهرة في عام 2014، واغتيال النائب العامّ السابق هشام بركات في عام 2015، وحوادث استهداف الكنائس البطرسيّة في كانون الأوّل/ديسمبر 2016، والمرقسيّة بالإسكندرية، وما رجرجس بطنطا في نيسان/أبريل 2017، كما شهدت محطّة جديدة في التطوّر في 7 تمّوز/يوليو 2017 باستهداف نقاط تمركز الكتيبة "103 صاعقة" في سيناء.
وتبنى فرع تنظيم داعش الإرهابي في سيناء، في بيان له يوم 7 تموز/ يوليو، استهداف كمين البرث، أحد نقاط تمركز الكتيبة "103 صاعقة في سيناء".
أصيب واستشهد 26 عنصراً من الكتيبة "103 صاعقة" عندما انفجرت سيارات مفخخة في كمين البرث وحاصرته العديد من سيارات الدفع الرباعي والدراجات وأطلق العشرات من الإرهابيين النار وقذائف الجرينوف عليه إلّا أنّ الكتيبة نجحت على الرغم ممّا تكبّدت من ضحايا، في تصفية 40 عنصرا ًإرهابيّاً وتدمير 6 عربات.
تعتبر الكتيبة "103 صاعقة" من الوحدات الأشهر في القوّات المسلّحة المصريّة منذ حرب حزيران/يونيو 1967، حيث شاركت عناصر الكتيبة ضمن مجموعة "39 قتال" في حرب الاستنزاف (1968–1970) ضدّ القوّات الإسرائيليّة في سيناء، كما شاركت في عمليّات حرب تشرين الأوّل/أكتوبر 1973، واستشهد قائدها ابراهيم الرفاعي في إحدى تلك العمليّات في 19 تشرين الأوّل/أكتوبر 1973. ونظراً إلى تطوّر الكتيبة وبطولاتها المتعدّدة، انفصلت عن أسلحة المشاة والصاعقة التقليديّة، وأصبحت تابعة إلى جهاز المخابرات الحربيّة ورئاسة الجمهوريّة مباشرة لتنفيذ المهام العسكريّة الأكثر صعوبة.
عاد دور الكتيبة إلى النموّ بانتقالها إلى سيناء في أعقاب استشراء عمليّات التنظيمات الإرهابيّة، ولعبت دوراً بارزاً في الهجوم على العديد من البؤر الإجراميّة والإرهابيّة في سيناء، وتصفية العديد من العناصر التكفيريّة منذ عام 2013 وحتّى الآن.
وربما يكون استهداف الكتيبة "103 صاعقة" تطوّراً في نشاط العناصر الإرهابيّة في سيناء، حيث إنّها المرّة الأولى التي تقدم فيها تلك العناصر على استهداف كتيبة محدّدة من أقوى الكتائب المصريّة على الإطلاق، ممّا ربما يوحي بانتقال العمليّات الإرهابيّة في سيناء إلى النوعيّة أيضاً، بعدما كانت مقتصرة على الدوريّات.
قال المستشار في أكاديميّة ناصر العسكريّة اللواء السابق هشام الحلبي لـ"المونيتور": "من الصعب اعتبار العمليّة الإرهابيّة ضدّ الكتيبة "103 صاعقة" انتقالاً إلى العمليّات النوعيّة ضدّ القوّات المسلّحة أو في سيناء في وجه عامّ، فالتنظيمات الإرهابيّة ليست دولة وليست قوّات نظاميّة لتكون لها استراتيجية محدّدة، وإنّما هي مجموعة من العصابات تتحرّك وسط ما هو متاح لها من إمكانات ومعلومات، فعلى سبيل المثال، إذا شعرت تلك التنظيمات بإحكام تأمين النقاط العسكريّة، تتّجه إلى استهداف المدنيّين في سيناء، وإن اكتشفت تشديد الرقابة على مداخل القرى والمدن ومخارجها حماية للمدنيّين، تتّجه إلى تفجير المنشآت الحكوميّة، وإذا نجح تشديد الرقابة على المنشآت، تستهدف السائحين أو الكنائس... إلخ".
وأضاف الحلبي: "العناصر الإرهابيّة ليست إلّا مجموعة من المرتزقة تعيش على دعم دول وأجهزة مخابرات أجنبيّة مثل قطر وتمويلها، وأظنّ أنّها تهدف من عمليّاتها الأخيرة بما فيها استهداف الكتيبة "103 صاعقة" إلى محاولة الاحتفاظ بذلك الدعم والتمويل خوفاً من تراجعه بعد اشتداد الحصار المصريّ-الخليجيّ على قطر، ووصول مصر إلى تفاهمات مع أجهزة مخابرات عالميّة ودوليّة على مكافحة الإرهاب، ومدّ مصر بالمعلومات الهامّة عن تلك التنظيمات".
وتابع: "الرغبة في الاحتفاظ بالتمويل بأيّ ثمن دفعت التنظيمات الإرهابيّة إلى الإقدام على عمليّات متهوّرة كانت خسائرها خلالها أكثر من مكاسبها، كما حدث مع الكتيبة "103 صاعقة"، بفضل قوة استعداد وتدريب الكتيبة, حيث تمّت تصفية 40 عنصراً إرهابيّاً بخلاف المصابين غير المعروف عددهم، مقابل 15 شهيداً من القوّات المسلّحة و11 مصاباً، ولو استمرّت مثل تلك العمليّات، فستتكبّد التنظيمات مزيداً من الخسائر، خصوصاً أنّ عزيمة رجال القوّات المسلّحة تزداد على الأخذ بالثأر لزملائهم".
وقال رئيس المركز الوطنيّ للدراسات الأمنيّة العقيد المتقاعد خالد عكاشة لـ"المونيتور": "على الرغم من أنّ العمليّة تبدو نوعيّة إلى حدّ ما في هدفها، وهو الكتيبة "103 صاعقة"، وفي الاساليب الاحترافية لتنفيذ العملية، إلّا أنّه من الواضح أنّه لم يجر التخطيط لها على غرار عمليّات نوعيّة أخرى في المدن مثل استهداف مديرية أمن القاهرة والكنائس ولم يجر دراسة إمكانيات الكتيبة المتفوقة مقارنة بإمكانيات الجماعة الإرهابية رغم احترافيتها ومهارتها في استخدام السلاح والسيارات المفخخة والانسحاب، والدليل هو مقتل العديد من العناصر الإرهابيّة مقابل رجال القوّات المسلّحة. ولا أظنّ أنّ الهدف من العمليّة يتعدّى محاولة إرباك القوّات المسلّحة، في محاولة من التنظيمات الإرهابيّة إلى إعادة ترتيب أوراقها بعد نجاح الجيش في تطهير أغلب معاقل الإرهاب في جبل الحلال في الفترة من فبراير وحتى إبريل 2017، أو ربّما محاولة الانتقام لأنّ الكتيبة "103 صاعقة" كان لها دور بارز في عمليّة التطهير، والدليل على ذلك أنّ العناصر الإرهابيّة اغتالت منذ أشهر قائد الكتيبة نفسها العقيد رامي حسنين."
وقال نائب رئيس جهاز أمن الدولة الأسبق اللواء فؤاد علام لـ"المونيتور": "العمليّات النوعيّة هي صفة المراحل التي تشهد فيها التنظيمات الإرهابيّة تضييقاً على نشاطها. فمع التضييق على الإرهاب في سيناء، انتقل إلى المدن بعمليّات نوعيّة مستهدفاً الكنائس والسيّاح، ومع نجاح قوّات الأمن في تأمين الكنائس والسائحين، تحاول التنظيمات الإرهابيّة أن تخلق لنفسها مجالاً جديداً للاستقرار والسيطرة في سيناء بقوّة من خلال مثل تلك العمليّات النوعية الشرسة، وربّما تزداد العمليّات شراسة، إلّا أنّها لا تعبّر عن تفوّق، وإنّما عن تراجع، والدليل عدد قتلى التكفيريّين مقابل شهداء الجيش، إضافة إلى تراجع الإمكانات في استهداف الكنائس والسيّاح من تفجيرات الى حوادث طعن."
يعتبر معظم الخبراء أن العمليات النوعية هي الغير تقليدية على مستوى الهدف أو الأسلوب أو التأثير، وهي عمليات تتم على فترات متباعدة نظرا لصعوبة التخطيط لها وتنفيذها. وقد أجمعوا أن تلك العمليات لا تعبر عن استعادة التنظيمات الإرهابية لقوتها، مستدلين في ذلك بأعداد القتلى في صفوف الإرهابيين مقابل أعداد القتلى في صفوف القوات المسلحة.