مدينة غزّة - قطاع غزّة - اشتدت أزمة الكهرباء في قطاع غزة بعدما وافقت إسرائيل في 13 حزيران/ يونيو على طلب السلطة الفلسطينية بتقليص الكهرباء عن غزة عبر الخطوط المغذية له، تدريجيًا، حيث قلصت في 19 حزيران/ يونيو الجاري وعلى مدار ثلاثة أيام متتالية إلى أقل من 4 ساعات في اليوم، الأمر الذي انعكس سلباً على كلّ مناحي الحياة الإقتصاديّة، ومن بينها القطاع الزراعيّ، إذ يعتمد المزارعون في ريّ محاصيلهم الزراعيّة على الآبار التي لا يمكن تشغيلها من دون كهرباء، وعلى الرغم من دخول مليون ليتر من الوقود المصري في 21 الشهر الجاري إلا أن ساعات الوصل لم تتغير بعد .
كما بات استمرار انقطاعها لساعات طويلة يهدّد حياة النباتات والأمن الغذائيّ في القطاع، فضلاً عن أنّ بعض المزارعين يضطرّون أحياناً للحفاظ على حياة محاصيلهم إلى استخدام المولّدات الكهربائيّة التي تكبّدهم أموالاً طائلة، نتيجة غلاء سعر الوقود، الأمر الذي يتسبّب بغلاء سعر منتجاتهم.
وأكد مدير شبكات المنظّمات الأهليّة أمجد الشوا خلال حواره مع "المونيتور" إنّ هذه الأزمة تهدّد إحالة عدد كبير من المزارعين إلى صفوف البطالة بفعل عدم قدرتهم على الإيفاء بتكاليف الزراعة الحاليّة. ووفقاً لوزارة الزراعة، بلغ إجماليّ الخسائر والأضرار من جرّاء أزمة الكهرباء ما يقارب الـ55 مليون دولار.
وقال عمر طالب (45 عاماً)، وهو أحد المزارعين الذين باتت أزمة الكهرباء تهدّد قوت أسرتهم، لـ"المونيتور": "أعمل منذ ما يزيد عن 20 عاماً في الزراعة، فهي وسيلتي لكسب الرزق وتوفير قوت يوميّ، لكنّ أزمة الكهرباء أصبحت كابوساً يهدّدنا كمزارعين، إذ لا يمكننا الريّ من دونها".
أضاف: "اضطررت إلى اقتلاع بعض النباتات من أجل توفير المياه لنباتات أخرى، إذ لا أقوى على تحمّل تكاليف تشغيل المولّد الكهربائيّ، نظراً لغلاء سعر الوقود".
وأكّد أنّ عدم انتظام ساعات التغذية بالتيّار الكهربائيّ ساهم في تدمير نباتات أخرى، إذ يضطرّ إلى ريّها عندما يكون التيّار متوافراً، حتّى وإن كان في ساعات الليل المتأخّرة، الأمر الذي يؤثر على جودة محاصيل الخضروات كالفلفل حيناً، وتدميرها أحياناً.
أمّا المزارع محمّد مصطفى (60 عاماً) فتبدو مشكلته أعظم من سابقه، إذ يمتلك أراضي زراعيّة في منطقة حجر الديك الحدوديّة، وهو يقطن في وسط مدينة غزّة، ولا يستطيع أن يسقي محاصيله، إلاّ إذا كانت ساعات التغذية خلال النهار التي لا تتجاوز الـ 4 ساعات، لافتاً إلى أنّ المنطقة في الليل تصبح خطرة وموحشة، ولا يستطيع أن يخاطر بحياته من أجل ريّ مزروعاته، مؤكّداً أنّه قلّل من أعداد محاصيله، تبعاً لتلك الأزمة، وقال لـ"المونيتور": "نحن مقبلون على فصل الصيف، ومن المعروف أنّ محاصيله لا تتحمّل انقطاع المياه عنها لفترات طويلة. وللأسف، إنّ أزمة الكهرباء تشتدّ، الأمر الذي يهدّد بانقطاع سبل رزقنا".
وأشار إلى أنّ استمرار الأزمة قد يؤدّي لاحقاً إلى تحجيم عدد المحاصيل التي يوفّرها القطاع، متخوّفاً من توجّه الوزارة إلى الاستيراد لتعويض النقص، الأمر الذي سيؤثّر سلباً عليهم، مطالباً بتوفير الدعم الحكوميّ لهم.
وفي السياق ذاته، أكّد المدير العام للسياسات والتخطيط في وزارة الزراعة نبيل أبو شمالة لـ"المونيتور" أنّ مساحة الأراضي المزروعة بالخضروات تبلغ حوالى 80,000 دونم، منها 30,000 دونم في محافظات رفح وخانيونس والوسطى، وأدّى انقطاع التيّار الكهربائيّ إلى إرباك عمليّة الريّ لدى المزارعين. كما انعكس على كميّات المياه المخصّصة للريّ، حيث انخفضت بمعدّل يتراوح بين 50 و60 في المئة. وقد تتفاقم هذه النسبة لتصل إلى 80 بالمئة في حال استمرار تقليص إسرائيل كميات الكهرباء التي تمد القطاع بها .
وأوضح أنّ المناطق الشرقيّة كالفخاري وعبسان في محافظة خانيونس هي المناطق الأكثر تضرّراً، حيث تقدّر نسبة الضرر فيها بـ60 في المئة، أيّ ما يقارب الـ3 طنّ للدونم الواحد. أمّا في مناطق غزّة والشمال فتقدّر نسبة الضرر فيها بـ40 بالمئة أيّ حوالى طنين للدونم الواحد.
وبين أنّ كلفة تشغيل آبار المياه الزراعيّة في محافظتي رفح وخانيونس عبر المولّدات الكهربائية تبلغ 30 دولاراً في الساعة، الأمر الذي يفوق طاقة المزارع، ويؤدّي إلى جفاف في المحاصيل الزراعيّة وانتشار الأمراض النباتيّة والحشرات وزيادة تشوّه الثمار، نتيجة عدم انتظام الريّ، فضلاً عن زيادة الكلفة وقلّة العوائد، علماً أن سعر كيلو الخضروات في القطاع لا يتجاوز 0.28 سنت.
وأشار إلى أنّ استمرارعدم انتظام التيار الكهربائي سيؤثر على الإقتصاد الغزيّ، وسيؤدّي إلى عدم الاستقرار في الأمن الغذائيّ وانخفاض في القوّة الشرائيّة، وكذلك إلى تقلّص الصادرات والاتّجاه أكثر نحو الاستيراد من الخارج لسدّ الفجوة، وهذا بدوره ينعكس على إجماليّ الوضع الإقتصاديّ الإنتاج المحلي.
شرح أمجد الشوا لـ"المونيتور" أثر انقطاع الكهرباء على المزراعين قائلاً : "إنّ أزمة الكهرباء في قطاع غزّة مزمنة و ومتراكمة ولها تداعيات خطيرة، خصوصاً على القطاع الزراعيّ، الذي يعتمد في الأساس على ضخّ المياه عبر الكهرباء وتوفيرها للتربة من أجل ريّ المحاصيل".
أضاف: "في الفترة الأخيرة، تناقص تزويد الكهرباء إلى أقلّ من 4 ساعات يوميّاً. وبالتّالي، بدأت فترات الريّ تقلّ بشكل كبير جدّاً، في الوقت الذي ازدادت فيه درجات الحرارة، وأصبح المزارع يعاني بشدّة من جرّاء هذه الأزمة".
وأشار إلى أنّ خيارات المزارع محصورة في استخدام مولّدات كهربائيّة، الأمر الذي سيزيد كلفة الإنتاج، ويؤدّي بالتالي إلى عزوف المستهلك عن الشراء أو اقتلاع عدد كبير من المحاصيل التي تحتاج إلى مياه من أجل توفيرها لمحاصيل أخرى أكثر جدوى إقتصاديّاً، متوقّعاً شهود حالة من التصحّر في تلك الأراضي في حال استمرار الأزمة.
وعن الحلول التي يمكن تقديمها إلى المزارعين، لفت أمجد الشوا إلى أنّ المنظّمة تسعى من خلال الدول المانحة إلى توفير مولّدات كهربائيّة للمزراعين لضخّ المياه، فضلاً عن إنشاء محطّات صغيرة تعمل بالطاقة الشمسيّة، وتركيب خطوط مياه ناقلة بشكل استراتيجيّ، مؤكّداً أنّ القطاع يواجه في الأساس أزمة مائيّة خانقة.