بغداد – على الرغم من أن مقاتلي "الدولة الإسلامية" في غرب الموصل باتوا مطوَّقين داخل مساحة تتقلص باطراد ويُتوقَّع أن تتم استعادة السيطرة عليها في وقت قريب، إلا أن المحللين يحذّرون من أن القتال ضد التنظيم في البلاد لم ينتهِ فصولاً بعد.
قال هشام الهاشمي، وهو من الخبراء الأكثر احتراماً في العراق في شؤون الأمن والإرهاب، لموقع "المونيتور" إن التنظيم الإرهابي العابر للأوطان لم "يحارب بعد بأقصى قوته"، ولم يترك سوى قوة "معطِّلة" في الموصل التي كانت تُعرَف سابقاً بعاصمة التنظيم في العراق.
وهو يلفت إلى أن عدداً كبيراً من عناصر "الدولة الإسلامية" غير معروفين بالاسم من الاستخبارات العراقية، وأن الوثائق التي عُثِر عليها في مناطق الموصل التي تمت استعادة السيطرة عليها، تُظهر أن العناصر "المخفيين" في "الدولة الإسلامية" يُشار إليهم في سجلات التنظيم باستخدام أرقام فقط من دون أسماء، لذلك غالب الظن أن عدداً كبيراً منهم اندمج ببساطة وسط السكان، ولن يتم التعرف عليه في عمليات التدقيق.
فضلاً عن ذلك، وتعليقاً على بيان عسكري عراقي في منتصف نيسان/أبريل بأن "الدولة الإسلامية" تسيطر حالياً على أقل من سبعة في المئة من البلاد – بعدما كانت تسيطر على أربعين في المئة في العام 2014 بحسب التقديرات – سخر الهاشمي من هذه الأرقام مشيراً إلى أن "هذه النسبة تأخذ في الاعتبار فقط المناطق المأهولة. فهم لا يزالون يسيطرون في الواقع على 18 في المئة من البلاد".
وشدّد على أن "هذا أمر مهم"، نظراً إلى أنهم "لا يزالون يسيطرون على الحويجة وتل عفر والبعاج"، وكذلك مدن راوة وعانة والقائم في محافظة الأنبار غرب البلاد.
أضاف: "لا نملك قوات كافية للقتال في الحويجة. لا يمكننا العودة إلى الحويجة قبل استعادة السيطرة على جميع أراضي الموصل وتل عفر"، مشيراً إلى أن "الحويجة منطقة صعبة بسبب خصائصها الزراعية ولأنها تشكّل معقلاً للمسلحين. فالمقاتلون الذين فرّوا من محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك يتمركزون الآن هناك".
يُرجِّح الهاشمي أن نحو خمسة آلاف مقاتل من "الدولة الإسلامية" لا يزالون في الحويجة. معظم المقاتلين الذين شنّوا هجوماً واسع النطاق على كركوك في أواخر العام الماضي، والذي أسفر عن مقتل أكثر من مئة شخص، يستخدمون الحويجة قاعدةً لهم، إلى جانب عدد كبير من المقاتلين الذين لا يزالون يشنّون هجمات في محافظة صلاح الدين.
وقد لفت الهاشمي إلى أنه "ليست للعراق حدود آمنة مع السعودية". لقد شهدت منطقة الأنبار التي تقع عند الحدود مع سوريا، ارتفاعاً في وتيرة الهجمات في الآونة الأخيرة، وتتحدث بعض التقارير عن استخدام مقاتلي "الدولة الإسلامية" في الأنبار أنفاقاً لشن هجمات على القوات العراقية غير القتالية المتمركزة هناك، والتي هي "غير مدرَّبة وغير مجهّزة لخوض مثل هذه المعارك".
تشكّل المنطقة الصحراوية، التي لطالما كانت معقلاً للتمرد، نحو ثلث مساحة العراق.
في مقابلة مع "المونيتور" في قاعدة حمام العليل، وصف الفريق رائد شاكر جودت، قائد الشرطة الاتحادية، الموصل بـ"وكر الشيطان". واعتبر أنه من الضروري التخلص من هذا الوكر، مشيراً إلى أنه على الرغم من أن استعادة السيطرة على الموصل لن تعني نهاية "الدولة الإسلامية"، إلا أنها ستشكّل نصراً مهماً للغاية.
وأضاف لموقع "المونيتور" أن المنظومة الإدارية والمالية الكبيرة التي يستند إليها تنظيم "الدولة الإسلامية" في أنشطته، حوّلته "ببساطة إلى عصابة".
بيد أن الهاشمي نبّه إلى أن التقارير اليومية التي ترسلها خلية الإعلام الحربي في العراق إلى الصحافيين هي "مجرد بروباغندا دعائية"، وقال ممازحاً إنه "عند احتساب عدد قتلى الدولة الإسلامية في البيانات، يتبين أن المجموع يساوي تقريباً عدد سكان الصين".
تتحدث البيانات باعتزاز عن قتل العديد من الشخصيات الرئيسة بصورة يومية، وتشير إليهم بأسمائهم الحربية، غير أن الهاشمي يردف: "أنا على يقين من أن عدداً كبيراً منهم لا يزال على قيد الحياة"، في حين أن البعض الآخر "لم يكن ذا أهمية من الأساس".
من هؤلاء الأشخاص أبو أيوب العطار الذي ذكرت القوات العسكرية العراقية أنه كان يتولى منصب مفتي المدينة، وتزعم الآن أنه قُتِل في أواخر نيسان/أبريل الماضي. بعد بضعة أيام، قال قائد عسكري على إحدى الجبهات الأمامية في المدينة لموقع "المونيتور" إنه لا يزال على قيد الحياة، ولفت الهاشمي إلى أنه لم يكن يوماً ذا أهمية كبيرة داخل تنظيم "الدولة الإسلامية".
أضاف الهاشمي أن القوات العراقية أعلنت أيضاً مقتل رجل "يُعرَف بقاضي الدماء، نظام الدين عبدالله الرفاعي"، وهو "من الزنجيلي غرب الموصل، ويُعتبَر شخصية مهمة داخل التنظيم"، لكنه أردف: "أنا على تواصل مع بعض أنسبائه، وقد أخبروني أنه لا يزال حياً يُرزَق".
وقال الهاشمي في حديثه مع "المونيتور" إن الرفاعي يُعَدّ "من مؤسّسي الحركة السلفية في العراق، وقد أمضى عقوبة بالسجن أربع مرات على خلفية الأنشطة التي يزاولها، في الأعوام 1978 و1986 و1994 و1999"، مضيفاً: "إنه من كبار المنظّرين، ومعظم الأشخاص الذين انضموا إلى الدولة الإسلامية في نينوى تأثّروا به. طلب منه التنظيم مغادرة الموصل لكنه رفض".
وتابع أن "الدولة الإسلامية" "لا تلوذ بالفرار. هم لا يهربون أبداً"، مشيراً إلى أن الجزء الأكبر من الألوية الثلاثة المؤلّفة من مقاتلين أجانب في الموصل، مكث في المدينة.
وتشمل هذه الألوية "كتيبة نهاوند التي تتألف في معظمها من مقاتلين آسيويين مهمتهم الأساسية حفر الأنفاق ونصب الكمائن، وكتيبة طارق بن زياد التي تضم في شكل أساسي مواطنين أوروبيين ناطقين باللغة الفرنسية ينفّذون الجزء الأكبر من التفجيرات الانتحارية، وكتيبة الفرقان المؤلفة في معظمها من قنّاصة ناطقين باللغة الروسية".
أضاف الهاشمي أن تنظيم "الدولة الإسلامية" لا يزال يملك ثلاثة "جيوش" بين العراق وسوريا – "جيش الخليفة، وجيش العسرة، وجيش دابق" - يضم كل واحد منها نحو 12 ألف مقاتل، بحسب تقديراته، أي 36 ألف مسلّح في المجموع.
وسأل الهاشمي: "أين هي جثث القتلى؟ رأينا الجثث في الأنبار، وفي صلاح الدين. أين هي جثث قتلى الدولة الإسلامية في الموصل؟"
وقد لفت إلى أنه يُعتقَد أن عدداً كبيراً من الشخصيات والمقاتلين الأساسيين غادروا باتجاه البعاج، بين انطلاقة العملية للسيطرة على شرق الموصل في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي ومطلع العام الجاري.
وأشار الهاشمي إلى أنه من أصل 43 "عضواً مؤسِّساً" في تنظيم "الدولة الإسلامية"، لقي 42 مصرعهم ولا يزال واحد فقط على قيد الحياة، في حين أن جميع القادة "من الدرجة الأولى"، وعددهم سبعون تقريباً، قُتِلوا وجرى لاحقاً استبدالهم اعتباراً من آب/أغسطس 2014.
يُذكَر أن التنظيم الإرهابي العابر للأوطان استولى على الموصل في حزيران/يونيو 2014، لكنه موجود بأشكال متعددة في العراق منذ سنوات طويلة.
بحسب تقديرات الهاشمي، لقي نحو 3500 عنصر من "الدولة الإسلامية" حتفهم منذ انطلاقة العملية لاستعادة السيطرة على المدينة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في حين أن حوالي خمسين ألفاً قضوا منذ آب/أغسطس 2014.
ومع أن تنظيم الدولة الإسلامية "قد يخسر عسكرياً، سيستمر جناحه الترويجي"، كما يقول الهاشمي مضيفاً: "العناصر المخفيون في الدولة الإسلامية هم الأكثر أهمية. لا نعرف هويتهم. ليست هناك أي معلومات عنهم في قواعد البيانات. حتى إن جيرانهم لا يعرفونهم".