قطاع غزة، مدينة غزّة - يشهد المخزون الدوائيّ في قطاع غزّة تدهوراً خطيراً يوماً بعد يوم، من جرّاء وقف وزارة الصحّة في رام الله توريد حاجات القطاع الصحيّة في تاريخ 8 أيّار/مايو من العام الحاليّ، وهذا سيؤدّي إلى كارثة صحيّة كبرى في حال استمرّ الرصيد الصفريّ لأنواع أساسيّة من الأدوية والمستهلكات الطبيّة في مستشفيات غزّة.
وكانت وزارة الصحّة الفلسطينيّة في حكومة التّوافق الوطنيّ أبلغت الوزارة في غزّة بعدم توريد الأدوية والحليب الخاص بالأطفال المرضى إلى القطاع. وإنّ نقص الأدوية والمستهلكات الطبيّة بلغ ذروته في الفترة الحاليّة، إذ وصل أكثر من 170 صنفاً من الأدوية إلى رصيد الصفر، من القائمة الأساسيّة للأدوية، والتي تقدّر نسبتها بـ500 صنف.
ويأتي قرار منع توريد الأدوية إلى غزّة، ضمن الإجراءات التي تتّخذها السلطة الفلسطينيّة للتضييق على حركة "حماس"، التي تسيطر على قطاع غزّة منذ عام 2007، وقد طالت رواتب الموظّفين وقطع المياه والكهرباء عن سكّان القطاع.
وقال المدير العام لقسم الصيدلة التابعة لوزارة الصحّة الفلسطينيّة في قطاع غزّة الدكتور منير البرش خلال حديث خاص لـ"المونيتور": "تتحمّل حكومة الوفاق الوطنيّ، التي يترأسها الدكتور رامي الحمد الله، مسؤوليّة توريد الأدوية والمستلزمات الطبيّة والصحيّة اللاّزمة إلى القطاع، والتي تبلغ قيمتها نحو 40 مليون دولار سنويّاً، توزّع مجّاناً على المرضى، الذين يستفيدون من نظام التأمين الصحيّ الفلسطينيّ، ويتلقّون العلاج بالمستشفيات والعيادات التابعة للوزارة".
أضاف: "في بداية أيّار/مايو الحاليّ، أوقفت الوزارة توريد الأدوية إلى القطاع، بذريعة عدم توافرها في مخازنها برام الله، لكنّنا تواصلنا مع الشركات التي تورّد الأدوية إلى وزارة الصحّة، وأبلغتنا بأنّه لا يوجد ما يعيق توريدها إلى غزّة، وهذا يكشف عن وجود نيّة لافتعال أزمة صحيّة في القطاع".
وتابع منير البرش: "إنّ أصناف الأدوية التي بلغت نسبتها صفر% من في مخازن الوزارة بلغ عددها 170 صنفاً دوائيّاً. وبذلك، تكون نسبة العجز في الأدوية 0.31% من كافة الأدوية التي نحتاجها ويجب تأمينها لمرضى غزة. كما أنّ هناك أصنافاً أخرى تبلغ نسبتها 30% قد تنفذ خلال الأسابيع المقبلة، وهذا يهددّ بوجود كارثة إنسانيّة في القطاع".
وأشار إلى أنّ وزارة الصحّة ملزمة بقائمة الأدوية الأساسيّة والتي يتمّ تحديثها من قبل لجان متخصّصة وبتوصيات من منظّمة الصحّة العالميّة، وذلك بشكل مستمرّ ووفق الحاجات،
وقال: "إنّ خطورة الأزمة تكمن في فقدان الأدوية والمستهلكات الطبيّة التي تحتاج إليها الوزارة لزراعة الكلى، وأدوية مرضى الثلاثيميا، والهيموفيليا، والسرطان، وأصناف أخرى تستخدم في قسم العناية المركّزة وغرف العمليّات".
وتحدّث عن الأدوية التي تأتي إلى القطاع، لافتاً إلى أنّ أكثر من 90 في المئة من مرضى السرطان لا يتلقّون علاجهم، نتجية عدم توافره في القطاع منذ 8 مايو، فنقص أدوية السرطان داخل غزة يزيد من أعداد الحالات التي تحتاج إلى تحويلات للعلاج خارج مستشفيات القطاع، إذ سيصبح المريض في حاجة إلى تجاوز المعابر الإسرائيليّة لأخذ جرعة علاجيّة أو حقنة دواء في المستشفيات الأردنية والمصرية وكذلك مستشفيات الضفة الغربية والداخل المحتل، وقال: إنّ الوزارة في غزّة أبلغت المنظّمات الدوليّة في 18 مايو من العام الحالي بخطورة منع العلاج عن غزّة.
وأشار إلى أنّ الدواء الذي يصل إلى غزّة هو جزء من الأدوية التي تحصل عليها السلطة الفلسطينيّة من الدول المانحة ومنظّمة الصحّة العالميّة، لافتاً إلى أنّ قطاع غزّة في حاجة ماسّة إلى توافر الأدوية والحليب، وأنّ وزارته لن تتمكّن من شراء الدواء من خزينتها إن توافرت الأموال في الوقت الحاليّ، كون عمليّة الشراء تتطلّب وقتاً طويلاً لإتمامها قد تستغرق بين 3 و5 أشهر، وهي تتضمّن إجراء مناقصات جديدة وشراء الدواء عبر الشركات الأجنبيّة الوسيطة.
وسوف يحرم الأطفال المصابون بمرض "الجلاكتوسيميا" من تلقّي العلاج بعد منع توريد الورزاة في رام الله حليب جلاكتومين (19) ، وعدم توافره يهدّد حياة الأطفال المرضى، وقد يتسبّب لهم بالإعاقة، بحسب البرش، الذي لفت أيضاً إلى أنّ الحليب العلاجيّ لا يتوافر في الأسواق المحليّة بغزّة، مشيراً إلى ارتفاع ثمن العلبة الواحدة ليصل إلى 130 دولاراً أميركيّاً، فيما كان يبلغ متوسط سعره قبل منع التوريد 70 دولار، وهذا يكلّف الأسرة المريض الواحد شهريّاً حوالى 1000 دولار أميركيّ، ويعتمد الأطفال المرضى منذ ولادتهم على تناول حليب "الجلاكتومين"، كونه يشكّل الغذاء والدواء الأساسيّ لاستمرار حياتهم، ويضمن لهم نموّاً طبيعيّاً.
وإنّ مرض "الجلاكتوسيميا"، هو اختلال وراثيّ نادر ينتج من عدم قدرة الجسم على هضم الجلاكتوز، ويصيب طفلاً واحداً من بين 80000 طفل على قيد الحياة.
يقضي الطفل محمّد سليمان (5 أعوام)، وهو المصاب بمرض "الجلاكتوسيميا"، معظم أوقاته نائماً، إذ يعاني من انتفاخ شديد في منطقة البطن، نتيجة انقطاع حليب "الجلاكتومين" العلاجيّ عنه منذ بداية الشهر الحاليّ، بعد قرار منع توريد الأدوية إلى مستشفيات غزّة.
وفي هذا الإطار، قالت والدة الطفل المريض سماح سليمان خلال حديث لـ"المونيتور: "إنّ عدم تناول طفلي حليب الجلاكتومين العلاجيّ، سيعرّضه للخطر ويفاقم معاناته في مواجهة المرض، خصوصاً أنّه يجب أن يلتزم بنظام غذائيّ خال من سكّر الجلاكتوز".
وأشارت إلى أنّها لا تستطيع شراء هذا الحليب لطفها، نظراً لارتفاع ثمنه.
أمّا المواطن رائد سلطان (39 عاماً)، وهو من سكّان مدينة غزّة، وأجرى عمليّة زراعة كلى قبل 3 أشهر، فلم يتلق علاجه منذ أيّام عدّة، نتيجة عدم توافره في المستشفيات الحكوميّة، وهو لا يمتلك المال الكافي لشراء الدواء من الصيدليّات الخاصّة في القطاع، كما قال للمونيتور.
وبعد إصدار قرار منع توريد الأدوية والمستلزمات الطبيّة إلى المستشفيات الحكوميّة في قطاع غزّة، لم تتلق المواطنة هناء سمارة (32 عاماً) المصابة بسرطان الثديّ، أدويتها نتيجة عدم توافرها في مستشفى "الرنتيسي الحكوميّ" بمدينة غزة، ومستشفيات القطاع الأخرى، الأمر الذي يزيد خطورة على وضعها الصحيّ ويعرّض حياتها للخطر.
وفي هذا المجال، أكّدت لـ"المونيتور" أنّها تتلقّى العلاج والحقن الهرمونيّة، لمنع الخلايا السرطانيّة من الانتشار مجدّداً والتفشّي في جسدها. كما أنّ التوقّف عن أخذها يتسبّب في مضاعفات ونزيف دمويّ حادّ، مشيرة إلى أنّ هذا النوع من الدواء لا يتوافر في الصيدليّات والمستشفيات الخاصّة.
وأخيراً، هناك آلاف المرضى في قطاع غزّة يعتمدون على تلقّي العلاج في المستشفيات والعيادات الحكوميّة مجّاناً، مقابل نظام التأمين الصحيّ، وعدم توافر هذه الأدوية في القطاع سيعرّض حياتهم للخطر.