كانت المعارضة الشيعية في البحرين غير عنفية بغالبيتها الساحقة عندما اندلعت الاضطرابات في المشيخة الأرخبيلية قبل ستة أعوام. لكن وسط تضاؤل المساحة مؤخراً في الميدان السياسي البحريني، جنح عدد متزايد من الشيعة المهمّشين إلى التشدد وتحوّلوا نحو القتال المسلّح. العام الفائت، استهدفت موجة من الهجمات التي نُفِّذت بتخطيط شيعي، الأجهزة الأمنية البحرينية. وصل عدد الهجمات منذ آذار/مارس الماضي إلى ما يساوي تقريباً مجموع الهجمات خلال العام 2016 بكامله. وهذا تطوّر مقلق نظراً إلى أن زيادة التشدد الشيعي تُقوِّض إلى حد كبير احتمالات التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة السياسية المستمرة في البحرين.
منذ العام 2012، فرض الشيعة المتشدّدون وجودهم من خلال الهجمات العنيفة التي استهدفت في شكل أساسي عناصر الشرطة. فضلاً عن ذلك، أظهر هؤلاء المقاتلون قوّتهم عبر زرع قنابل يدوية في أحد المراكز التجارية، وتفجير عبوة ناسفة في بنك البحرين الوطني في سند وشن هجوم على محطة للتيار الكهربائي. تشمل مجموعات المعارضة الشيعية المسلّحة ما يُعرَف بـ"ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير"، و"سرايا الأشتر"، و"سرايا المقاومة الشعبية"، و"سرايا المختار"، و"قروب البسطة"، و"سرايا الكرار". في 14 آذار/مارس الماضي، تبنّت "سرايا الأشتر" و"سرايا المقاومة الشعبية" المسؤولية عن "العمل الإرهابي الأسوأ على الأراضي البحرينية"، الذي أسفر عن مقتل شرطيَين بحرينيين، وشرطي إماراتي في قرية الديه ذات الأكثرية الشيعية. وقد دفع هذا الهجوم بالحكومة البحرينية إلى إدراج هاتَين المجموعتين فضلاً عن "ائتلاف ثورة شباب 14 فبراير" على قائمة التنظيمات الإرهابية.
ليست الفصائل الشيعية المتشددة في البحرين وحدة متراصّة. لهذه المجموعات سرديات وعقائد وأهداف سياسية مختلفة. يدّعي بعضها القتال باسم الدين، في حين أن بعضها الآخر لا يدّعي ذلك. تقاتل "سرايا المقاومة الشعبية" من أجل "تطهير" البحرين من "المحتل السعودي ومن احتلال آل خليفة". لقد هلّلت بعض المجموعات لمقتل الشرطي الإماراتي في 14 آذار/مارس (وهذا تطور يرتدي أهمية في سياق الدعم الإماراتي لآل خليفة في العام 2011)، وطالبت بإنهاء الوجود العسكري الأميركي في البحرين. ودعت مجموعات أخرى إلى توجيه العنف حصراً ضد السلطات البحرينية، وليس ضد المصالح الأميركية أو مصالح الدول الأخرى التابعة لمجلس التعاون الخليجي، داخل المشيخة.
تسعى "سرايا المختار" إلى تطبيق جدول أعمال يذهب أبعد من حدود البحرين، عبر ربطها معاناة شيعة البحرين بمعاناة أبناء دينهم في المنطقة الشرقية في السعودية في المقلب الآخر من جسر الملك فهد الممتد على طول 16 ميلاً. ترى "سرايا المختار" في شيعة السعودية في المنطقة الشرقية وشيعة البحرين في المملكة الأرخبيلية شعباً واحداً ذا عدو مشترك. العام الماضي، وصف التنظيم إعدام الشيخ الشيعي نمر النمر بأنه من "أكبر الجرائم في التاريخ". وكان هذا التنظيم المتشدّد قد لجأ سابقاً إلى العنف رداً على اعتقال الإمام السعودي.
الفيل في الغرفة هو إيران ودعمها لهذه المجموعات. في المرحلة الأولى للأزمة السياسية في البحرين، كانت مزاعم الحكومة البحرينية بأنه لإيران يدٌ في الاضطرابات التي تشهدها البلاد، موضع تشكيك شديد من المحللين الغربيين الذين اعتبروا أن ادّعاءات المنامة تفتقر إلى المصداقية. بيد أن الكشف عن خلايا إرهابية مدجّجة بالسلاح في المشيخة أضفى مصداقية أكبر على مزاعم الحكومة البحرينية بأن الجمهورية الإسلامية تقوم بدعم مجموعات متشدّدة وعنفية في البلاد الواقعة في الخليج العربي، والتي تضم أكثرية شيعية غير أن نظامها الملكي سنّي الانتماء.
الشهر الفائت، أوردت صحيفة "الواشنطن بوست" أن الشرطة البحرينية عثرت على كميات كبيرة من متفجرات "سي فور" البلاستيكية، ومخارط ومكابس هيدروليكية بقيمة عشرين ألف دولار في مصنع خفي للقنابل في إحدى الفيلات. وقد أبلغ المسؤولون البحرينيون نظراءهم الأميركيين والأوروبيين بأنه جرى الكشف، خلال مداهمات أخرى في الأعوام الأخيرة، عن مخابئ أسلحة تشكّل تهديداً هائلاً للشرطة البحرينية. وقد أطلعت السلطات البحرينية صحيفة "الواشنطن بوست" على ملف يتضمّن تقارير عن ترسانات الأسلحة التي صوردت منذ العام 2013؛ ووثّقت هذه السلطات وجود علامات إيرانية على الأسلحة والذخائر والقنابل اليدوية. وقد أظهرت الاختبارات الكيميائية أن متفجرات "سي فور" البلاستيكية مصدرها خطوط تصنيع على صلة بإيران، كما أن بعض الأسلحة وُجِدت في "تعليبها العسكري الإيراني الأصلي". ينفي المسؤولون في طهران هذه المزاعم، ويتّهم المشكّكون الحكومة البحرينية بوضع تلك الأسلحة في المخابئ عن سابق تصوّر وتصميم بهدف الحصول على دعم أكبر من حلفائها الغربيين وسط توسّع حملة القمع ضد النشطاء المؤيّدين للديمقراطية.
بغض النظر عن الحقيقة، يأخذ البيت الأبيض مزاعم الحكومة البحرينية عن إرهاب ترعاه إيران، على محمل الجد. في حين أن إدارة أوباما لم تصنّف أي فصيل/فرد بحريني مسلّح في خانة الإرهاب، باشرت إدارة ترامب القيام بذلك. ففي آذار/مارس الماضي، أدرجت وزارة الخارجية الأميركية شخصَين تابعين لـ"سرايا الأشتر" على قائمة "الإرهابيين العالميين"، مشيرةً إلى "الأنشطة المخلّة بالاستقرار والمتّصلة بالإرهاب" التي تمارسها إيران في الشرق الأوسط، لا سيما قيام طهران بتسليح الشيعة المتشدّدين في البحرين وتدريبهم وتمويلهم. وإذ لمّحت الإدارة الأميركية إلى أن مثل هؤلاء الأشخاص يشكّلون تهديداً للأسطول الخامس التابع لسلاح البحرية الأميركي في البحرين، سلّطت الضوء على أن الإدراج على قائمة الإرهاب ينسجم مع مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.
في كانون الثاني/يناير الماضي، سعت حكومة البحرين إلى اتخاذ موقف قوي ضد الفصائل الشيعية المتشددة عبر إعدام ثلاثة أشخاص بتهمة الضلوع في تفجير آذار/مارس 2014. كانت عملية الإعدام، التي نُفِّذت بالرصاص، الأولى من نوعها منذ اندلاع الأزمة السياسية في البلاد. الشهر الفائت، وافق الملك حمد بن عيسى آل خليفة على تعديل دستوري يتيح للسلطات البحرينية محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، الأمر الذي تعتبره الحكومة مهماً من أجل تعزيز الأمن. وقد جاءت هذه الخطوات بعد الاعتقالات التي طالت عدداً كبيراً من الشيعة البحرينيين على امتداد سنوات، وبينهم شيعة تبّنوا التشدد وآخرون نبذوه. لكن على الرغم من هذه الجهود، أخفقت السلطات البحرينية في كبح موجة التشدّد التي تتواصل منذ العام 2012.
البحرينيون منقسمون حول المسائل المتعلقة بطبيعة التيار الشيعي المعارِض، ودرجة الدعم الذي تقدّمه إيران لعناصره الأكثر قتالية وتشدداً. يحمّل كلا الفريقَين في الأزمة السياسية الطرف الآخر مسؤولية التطرف الشيعي. يعتبر منتقدو الحكومة أن الإرهاب الشيعي هو من نتائج حل "جمعية الوفاق"، الفصيل المعارض الشيعي الأساسي في البحرين، وأن السلطات في المنامة أضافت، عبر تضييق المساحة السياسية، زخماً إلى المحاججات التي يسوقها الشيعة المتشدّدون بأن المقاومة المسلّحة وحدها قادرة على تحقيق مستقبل أفضل للشيعة المهمّشين. فيردّ الموالون للحكومة بالقول بأن "الوفاق" لم يشجب كما يجب الإرهاب المناهض لآل خليفة وينأى بنفسه عن المتشددين، ما شوّش الخط الفاصل بين عناصر المعارضة "المعتدلة" و"المتشدّدة" في البلاد، ويعتبرون بالتالي أن ذلك يُبرّر الأوامر الصادرة عن وزارة العدل بإغلاق "جمعية الوفاق" بتهمة امتلاك روابط مع الإرهابيين والترويج للعنف المذهبي.
بغض النظر عن الطرف الذي يتحمّل الملامة، لقد تسبّب التشدد الشيعي في البحرين بسقوط ضحايا أبرياء وإصابة أعداد كبيرة بجروح. في حال فشلت البحرين في تسوية أزمتها السياسية الراهنة، سيصبح التهديد الخطير بتحوّل مزيد من الشيعة نحو التشدّد، واقعاً ملموساً، مع ما يتيحه ذلك من فرصة أمام إيران للإفادة من منطقة ساخنة مذهبية أخرى على عتبة السعودية. وإذا اكتسبت تلك الفصائل المسلّحة مزيداً من القوة والنفوذ، يجب التعامل بجدّية مع خطر تحوّل البحرين إلى ما كانت عليه الجزائر في تسعينيات القرن العشرين.