بغداد - في 10 نيسان/إبريل الحاليّ مساء، ألقت عناصر مجهولة في مدينة الديوانيّة بجنوب العراق قنبلتين يدويّتين على مكتب الحزب الشيوعيّ العراقيّ في المحافظة، الأمر الذي ألحق أضراراً ماديّة بمحتويات المكتب من دون تعرّض أحد من أعضائه أو العاملين فيه إلى أيّ إصابة. ورغم أنّ الفاعل ودوافع الحادثة ما زالا مجهولين، إلاّ أنّ هناك من ربط هذه الحادثة بحادثة اعتداء حماية زعيم "عصائب أهل الحقّ" قيس الخزعلي على إثنين من طلاّب جامعة القادسيّة في صباح اليوم ذاته، بعد أن هتفا "إيران برا برا" أثناء كلمة كان يلقيها قيس الخزعلي.
وفي هذا السياق، قال المتحدّث باسم المكتب السياسيّ لحركة "عصائب أهل الحقّ" محمود الربيعي في 10 نيسان/إبريل خلال بيان توضيحيّ حول ما حدث في جامعة القادسيّة: "إنّ الطالب المثير للشوشرة، (الذي هتف إيران برا برا) هو إبن مسؤول في الحزب الشيوعيّ، وإنّ تصرفه مخطّط له ومدفوع بمنطلقات إيديولوجيّة جعلته يتجاوز حدوده".
إنّ إشارة حركة "عصائب أهل الحقّ" إلى وجود دافع حزبيّ مؤدلج لدى الطالب، الذي هتف ضدّ التواجد الإيرانيّ في العراق، زادت من تأويلات استهداف أتباعها بعد ساعات لمكتب الحزب الشيوعيّ في الديوانيّة، وهذا بحدّ ذاته يشير إلى وجود صراع مؤجّل بدأت ملامحه تظهر الآن بين الأحزاب الإسلاميّة المتمتّعة بنفوذ ماليّ مسلّح، وبين الأحزاب العلمانيّة التي لا تمتلك ما عند نظيرتها الإسلاميّة.
وردّ الحزب الشيوعيّ على حركة "عصائب أهل الحقّ" واتّهمها بأنّها تعمّدت زجّ اسمه في بيان المتحدّث باسم مكتبها السياسيّ محمود الربيعي، وقال الحزب في بيان بـ11 نيسان/إبريل الحاليّ: "إنّ ما جرى في جامعة الديوانيّة كان شأناً خاصّاً بطلاّبها وبتعبيرهم سلميّاً عن آرائهم ومواقفهم، فقد عمد البعض إلى إقحام اسم الحزب الشيوعيّ العراقيّ في الأمر، لغاية سرعان ما انكشفت، عندما جرت ملاحقة عدد من الناشطين المدنيّين، بينهم شيوعيّون، ومحاولة حملهم على الاعتراف بما لم يقوموا به ولم يفعلوه".
من جهته، قال سكرتير اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي العراقيّ (أعلى منصب في الحزب) رائد فهمي خلال مقابلة مع "المونيتور": "هناك قوى وجماعات لا تريد للتيّارات المدنيّة والديموقراطيّة أن تنمو وتتطوّر. وبكلّ تأكيد، هناك منافسة بين مشروعين أحدهما المدنيّ الديموقراطيّ. ولذا، يحاول البعض (من دون أن يسمّيه) إضعاف الحركة المدنيّة والعلمانيّة في البلاد".
أضاف: "بعض الجماعات قد يلجأ في الفترات المقبلة إلى التصعيد، لكنّ الأغلبيّة السياسيّة في العراق لا أعتقد تتّفق معها. ومع ذلك، نتوقّع إطلاق حملات تشويه وتسقيط للأحزاب المدنيّة والعلمانيّة، وربّما تقبل العناصر المنفلتة على بعض الاعتداءات".
لقد حصل "المونيتور" على نسخة كتاب منسوب إلى علي الجليحاوي، وهو إمام جامع المهدي في محافظة الديوانيّة، وجّهه إلى حركة "عصائب أهل الحقّ" تضامناً معها في حادثة الجامعة، وقال في تضامنه: "هناك نزعة عنيفة يزيّنها الشيطان في قلوب بعض المسلمين، خصوصاً الشباب المتأثرين بالعولمة والفكر الغربيّ".
الشيخ علي الجليحاوي، الذي تظهره محاضراته الفيديويّة وصور جلساته، أنّه مقرّب من رجل دين مثير للجدل يُدعى محمود الصرخي، أضاف في تعليقه: "هناك تيّار مناهض لاتّجاه المقاومة الإسلاميّة، ولا يمكن السكوت عنه، فعلينا جميعاً التصدّي له ليضمحّل ويتلاشى".
ويبدو أنّ هناك محاولة لدى الأحزاب الإسلاميّة لإعطاء فكرة الكفر أو الإلحاد عن الأحزاب العلمانيّة والمدنيّة في العراق، فحادثة جامعة الديوانيّة سبقها بث قناة الفرات الإسلاميّة التابعة للمجلس الأعلى الإسلاميّ في 1 نيسان/إبريل الحاليّ فيلماً وثائقيّاً ذكّر بفتوى المرجع الدينيّ الأسبق محسن الحكيم، التي كفّر فيها الشيوعيّة، والتي أطلقها عام 1960.
وبعد أن بثّت قناة الفرات التي يملكها رئيس التحالف الوطنيّ عمّار الحكيم الفيلم الوثائقيّ، الذي ذكّر بفتوى جدّه محسن الحكيم ضدّ الشيوعيّة، زعم الناشط المدنيّ الذي درس سابقاً في الحوزة العلميّة أحمد عبد الحسين في مقال نشره بـ10 نيسان/إبريل أنّ "خطاباً سياسيّاً لعمّار الحكيم أخيراً حمل إشارات مغرضة ومبطّنة ضدّ الشيوعيّين"، وقال لـ"المونيتور": "إنّ الأحزاب الإسلاميّة ربّما وصلت إلى طريق مسدودة، والجوهر الصلب الذي يتحكّم بها سيقتلها من الداخل لأنّه ببساطة لا يتقبّل الآخر، وهذه هي الطريق المسدودة التي وصلت إليها تلك الأحزاب".
ورأى أحمد عبد الحسين، الذي يعتبر أبرز قادة تظاهرات ساحة التحرير وعضو اللجنة المركزيّة المشرفة عليها في التحالف مع التيّار الصدريّ أنّ "المعركة التي أجّلت بين الإسلاميّين والعلمانيّين طيلة السنوات الماضية بدأت الآن، لأنّهم يعتقدون أنّ المدنيّين يشكّلون خطراً على الأحزاب التي قامت بتصرّفات وسلوكيّات متطرّفة حرّضت جيلاً كاملاً على الإلحاد بسبب تطرّفها عندما اختزلت الإسلام بأشخاص".
حتّى على المستوى المجتمعيّ لأتباع الأحزاب الإسلاميّة في العراق، فهناك نظرة تجاه الأحزاب والتيّارات المدنيّة والديموقراطيّة إلى أنّها تسعى لنشر الإلحاد في البلاد والإكثار ممّا يسمّونه بـ"الفساد الأخلاقيّ"، وهذا ما رسم صورة نمطيّة عن تلك الأحزاب أو مؤيّديها بأنّهم يعارضون أو يخالفون الشريعة الإسلاميّة.
وأكثر ما يخشاه المدنيّون في مرحلة ما بعد "داعش"، تغوّل الأحزاب الإسلاميّة وجماعتها المسلّحة في المجتمع للحدّ من الحريّات والتضييق على النشاطات المدنيّة التي تمارس وسط انتشار السلاح والفوضى. كما يخشون من استهدافات بعض الشخصيّات المدنيّة.
وقال عبد الحسين، وهو يوجّه كلامه إلى الأحزاب الإسلاميّة: "معركتكم مع أنفسكم، ليست مع غير الإسلاميّين، وعليكم أن تصلحوا بيتكم الإسلاميّ".