مع اقتراب انتهاء "حماس" من إجراء إنتخاباتها الداخليّة في أواخر آذار/مارس لإنتخاب قيادة جديدة لها، خرجت تقارير صحافيّة منذ شباط/فبراير تتحدّث عن قرب إصدار الحركة وثيقة سياسيّة جديدة، تتناول أحدث مواقفها للأحداث السياسيّة، وترسم خارطة طريق لعلاقاتها الخارجيّة، كما تحدث "المونيتور" عن الوثيقة بصورة أولية في تشرين الأول\أكتوبر 2016.
في هذا السياق، قال عضو المكتب السياسيّ في "حماس" سامي خاطر لـ"المونيتور": "إنّ الوثيقة تعكس توجّهات حماس بعد 30 عاماً من تأسيسها في أواخر عام 1987، ولا تحمل مراجعة لمواقفها المتعلّقة بتحرير الأراضي الفلسطينيّة، وإن أبدت مرونة في إدارة الصراع مع الإحتلال الإسرائيليّ، وتؤكّد أنّها حركة فلسطينيّة وطنيّة لها مؤسّساتها التي تتّخذ فيها القرارات من دون إملاء خارجيّ، وثبّتت مرجعيّتها الفكريّة الإسلاميّة، وهي تعبير عن نضج حماس السياسيّ والفكريّ".
ربّما تسعى "حماس" من وثيقتها الجديدة إلى إعادة تعريف نفسها، فقد علم "المونيتور" من عضو في مجلس الشورى لحماس وهو مقيم خارج فلسطين، رفض كشف هويته، أنّ "الوثيقة تحمل لغة مرنة ومنفتحة لكسر عزلتها الدوليّة، وليس واضحاً كيف ستحدّد الوثيقة علاقة حماس مع جماعة الإخوان المسلمين، فالظروف الإقليميّة قد لا تساعد حماس على البقاء ضمن دائرة الإخوان المسلمين، التي تعيق علاقتها مع أطراف عربيّة كمصر، لأنها تصنّف الجماعة بأنّها إرهابيّة، وقد تتحاشى الوثيقة الحديث عن علاقة حماس العضويّة بالإخوان، بعكس ميثاق حماس الذي ذكر ذلك صراحة".
من جهته، قال الكاتب السياسيّ الفلسطينيّ المقيم في مصر أسامة عامر لـ"المونيتور" والذي اطلع على تسريبات وثيقة حماس قبل إعلانها رسميا من مصادر لم يكشف عنها: "إنّ وثيقة حماس تعكس مرونتها في التعامل مع الملفّات الحاليّة التي تغيّرت منذ الثمانينيّات، حيث صدر الميثاق وحتّى الآن، وحصل واقع جديد يحتّم بحث حماس عن أدوات للتعامل معه، كقبولها بدولة فلسطينيّة على حدود 1967، والتأكيد أنّ الصراع مع إسرائيل كدولة احتلال، وليس مع اليهود كأصحاب ديانة. ورغم أنّ ميثاق الحركة يؤكّد أنّ حماس جناح من أجنحة جماعة الإخوان المسلمين، لكنّ حصر نشاط الحركة بفلسطين يجعل من ارتباطها بالإخوان ليس بالأمر المقلق للكثير من الدول التي تربطها علاقة متوتّرة بحماس، فالعلاقة وثيقة بين الحركة والإخوان من الناحية الفكريّة".
وبعد أن أكّد ميثاق "حماس" التأسيسيّ في عام 1988، أنّ معركة الفلسطينيّين مع اليهود كبيرة وخطيرة، فإنّ وثيقة "حماس" الجديدة أخرجت اليهود، الذين هم خارج دائرة الاحتلال الإسرائيليّ لفلسطين من حسابات العداء، وستوضح أنّ صراع "حماس" مع الإحتلال الإسرائيليّ فقط، ولا تستهدف اليهود خارج فلسطين، عبر استبدال كلمة اليهود بمفردة احتلال، وفقا لما علمه "المونيتور" من أوساط في حماس لم تكشف هويتها، لتتخلّص من اتّهام إسرائيل لها بمعاداة السامية.
وتحدّث "المونيتور" مع أحد علماء "حماس" الدينيّين، ممّن أخفى اسمه، وأبدى تحفّظه على هذا التغيير، لأنّ القرآن الكريم ذكر اليهود، وليس الإسرائيليّين أو الصهاينة.
وقال أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة "النجاح" بنابلس ورئيس المركز المعاصر للدراسات وتحليل السياسات رائد نعيرات لـ"المونيتور": "إنّ وثيقة حماس ليست وثيقة سفر لها لدخول المجتمع الدوليّ، بل ربّما خطوة على طريق فكّ عزلتها، فهناك مطالب جوهريّة سيطرحها المجتمع الدولي على حماس ليقبلها ضمن صفوفه، كاعترافها بإسرائيل، ممّا يعني أنّ الوثيقة لن تسرع بإحلال حماس محلّ منظّمة التحرير الفلسطينيّة، لتمثيل الشعب الفلسطينيّ في المحافل الإقليميّة والدوليّة، فالأمر ما زال مبكراً".
كما وصل الحديث عن وثيقة "حماس" إلى المحافل الإسرائيليّة، إذ ذكر مراسل صحيفة "هآرتس" جاكي خوري بـ8 آذار/مارس أنّ وثيقة "حماس" ستؤكّد النضال الشعبيّ السلميّ ضدّ الاحتلال كوسيلة شرعيّة، بجانب النضال المسلّح، ممّا قد يساعدها على إجراء الاتّصالات بالمجتمع الدوليّ، وذلك استناداً الى تسريبات.
ماجد أبو دياك، الكاتب الصحفي الأردني، كشف يوم 15 آذار/مارس في موقع عربي21 الصادر في لندن، أنه حصل على نسخة من وثيقة حماس، وورد فيها قبول "حماس" بإقامة الدولة الفلسطينيّة على حدود 1967، كحلّ مرحليّ للصراع مع إسرائيل، من دون إعطاء شرعيّة إلى الاحتلال الإسرائيليّ على الأرض الفلسطينيّة والتنازل عن حقّ عودة اللاّجئين، والاعتراف بإسرائيل.
مع العلم أن حماس ترى في تسريبات وثيقتها الجديدة أن الحل النهائي للصراع مع إسرائيل يتمثل في زوال الاحتلال الإسرائيلي عن كافة الأراضي الفلسطينية التي احتلت منذ عام 1948، حين قامت دولة إسرائيل.
وكشف مسؤول كبير في "حماس"، أخفى هويّته، لـ"المونيتور" بعض التفاصيل الإجرائيّة المتعلّقة بالوثيقة، وقال: "إنّ حماس بدأت العمل بهذه الوثيقة منذ عامين، ومرت خلالهما على المؤسسات التنظيمية مثل المكتب السياسي ومجلس الشورى في حماس، وفي هذه الأيام من مارس الحالي تقوم الجهات القانونية والسياسية في الحركة بتحرير الوثيقة، وترجمتها من لغتها الأم العربية، إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وسيعلنها رئيس الحركة الحاليّ خالد مشعل أواخر آذار/مارس الجاري أو أوائل نيسان/أبريل القادم".
ويبدو أنّ رغبة "حماس" من إصدار وثيقتها السياسيّة هي تقديم أجوبة أكثر جدية ومصداقية على تساؤلات الخارج أكثر من الداخل، ربّما لأنّ تصريحات وإجابات قيادات الحركة لم تكن كافية على تلك التساؤلات، وهناك من حلفاء "حماس" الإقليميّين مثل تركيا وقطر من لم يستطع الدفاع عنها، ويوضح توجّهاتها بالشكل المطلوب، فكان لا بدّ من إعداد وثيقة مكتوبة تحمل الإجابات الواضحة إزاء رؤية الحركة السياسيّة وطريقة تفكيرها.
وقال أحمد يوسف، وهو المستشار السياسيّ السابق لنائب رئيس المكتب السياسيّ لـ"حماس" إسماعيل هنيّة، ويترأس بيت الحكمة للاستشارات وحلّ النزاعات، لـ"المونيتور": "إنّ وثيقة حماس ستشكّل الرؤية المرجعيّة التي تلتزم بها الحركة بخطابها السياسيّ، والأرضيّة التي تشكّل استراتيجيّتها للتحرّك، وخارطة الطريق التي تؤكّد ثوابتها بطبيعة الصراع مع الاحتلال، وتضع النقاط على الحروف في علاقة حماس مع المجتمع الدوليّ، وبعض ما سيرد في الوثيقة استراتيجيّ وواقعيّ، [من حيث قبول الوثيقة بالدولة الفلسطينية على حدود 1967]، مما سيخدم التوافق الوطنيّ الفلسطينيّ الذي يقبل بهذه الدولة، وينسجم مع القوانين الدوليّة، ويبتعد عن مآخذ الجهات الدوليّة على ميثاق الحركة، التي استغلّتها إسرائيل للتحريض عليها، خصوصاً الحديث عن عداء اليهود".
وأخيراً، ربّما تدرك "حماس" أنّ إصدار وثيقتها السياسيّة، يتزامن مع إغلاق العديد من أبواب العواصم الإقليميّة والدوليّة بوجهها مثل مصر والأردن، ومعرفة الحركة متأخّرة لصعوبة فرض إيديولوجيّتها على هذه العواصم.
ولذلك، قد يأتي إصدار "حماس" لوثيقتها في إطار مراجعة الحركة لمواقفها وسياساتها، بعد مرور ثلاثين عاما على تأسيسها عام 1987، مما يتطلب منها اتخاذ مواقف جديدة تختلف عما أعلنته منذ تلك المرحلة.
وربما جاء إصدار حماس لوثيقتها تحت ضغط أزمات الحركة السياسيّة، بعد أن واجهت توترات متلاحقة مع بعض دول المنطقة، كمصر وإيران، وربما ترى حماس من إصدار وثيقتها مقدمة لإعادة ترميم هذه العلاقات الإقليمية التي تضررت كثيرا، مع عدم وجود ضمانات أكيدة بقدرتها على ذلك.