عندما توفيّ الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني في 8 كانون الثاني / يناير، اعتقد البعض أنّ موته شكّل آخر مسمار في نعش الحوار السعودي – الإيراني وأنّه سيستهلّ حقبة يحكمها المزيد من التوتّر بين طهران وجيرانها العرب. إلّأ أنّ رسالة التعزية الرسميّة من العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود لعائلة رفسنجاني تبعها زيارة وزارة الخارجيّة الكويتي للعاصمة طهران في 25 كانون الثاني / يناير تشيران إلى خلاف ذلك.
بالفعل، قدم وزير الخارجيّة الكويتي صباح الخالد الأحمد الصباح إلى طهران حاملًا رسالة من أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح نيابةً عن دول مجلس التعاون الخليجي الستّ يشدّد فيها على أهميّة تحسين العلاقات بين الطرفين. في 26 كانون الثاني / يناير، صرّح نائب وزير الخارجيّة الكويتي خالد الجارالله للصحفيين أنّ الجانب الإيراني أظهر تفهّمًا واستعدادًا للتعامل بشكل إيجابي هذه الرسالة وقال أنّ "تركّز مضمون الرسالة حول وضع أسس لحوار مشترك أساسه الامتناع عن التدخّل في الشؤون الخليجيّة واحترام سيادة دول مجلس التعاون الخليجي وجميع المواد التي تنصّ عليها قوانين مجلس الأمن. سيشكّل ذلك انفراجًا في العلاقات بين دول الخليج وإيران".
في طهران، قال مصدر رسمي إيراني للمونيتور دون الكشف عن التفاصيل أنّ "الرسالة تضمّنت حوارًا بين ايران ودول مجلس التعاون الخليجي على مبادئ ثلاث تشكّل أسس الحوار". وأشار المصدر أنّ اللغة المستخدمة في الرسالة كانت "محترمة جدًّا"، وهو أمرٌ جدير بالذكر نظرًا للحدّة التي وصلت إليها لهجة التخاطب بين المسؤولين الإيرانيين والسعوديين خلال العام الماضي.
وقال مصدر كويتي رسمي للمونيتور لم يكشف عن هويّته أنّ الرسالة استندت إلى البيان الختامي لقمّة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في البحرين في 7 كانون الأوّل / ديسمبر 2016، مضيفًا أنّ "وزارة الخارجيّة الكويتيّة باشرت بفتح الاتصالات مع طهران مباشرة بعد القمّة. قد يتطلّب الأمر وقتًا طويلًا، لكنّ السلام والاستقرار في المنطقة يتطلّبان التعاون بين جميع الأطراف المعنيّة" وأشار إلى أنّ ذلك لا يعني أنّه سيعاد فتح السفارات على الفور ولا أنّ إيران سترسل الحجاج إلى مكّة هذه السنة "مع أنّنا نأمل ذلك".
في حديث له للمونيتور قال الخبير في السياسة الخارجيّة الإيرانيّة والأستاذ في جامعة طهران مهدي أهوي أنّ "الحكومة الإيرانيّة قرّرت تفادي المواجهة المفتوحة مع أي من الأطراف في الخليج الفارسي بما في ذلك جيرانها العرب. تستند سياستنا الأمنيّة في الخليج الفارسي إلى واقع أنّنا جميعًا في المركب نفسه، فإذا تضرر جيراننا، لن نكون بمعزل عن التداعيات".
وأضاف المصدر نفسه أنّ "وصول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب إلى السلطة يشكّل حافزًا أكبر للتقارب بين إيران ودول الخليج. فترامب شخص لا يمكن توقّع تصرّفاته وقد تأخذ مواقفه الحادة والمفرطة الجميع على حين غرّة. كما أنّ حلفاء الولايات المتّحدة في المنطقة لا يشكّلون استثناءً في هذا المجال. ما نشكّ به بعض الشيء في طهران هو ما إذا كانت البادرة الحاليّة للمصالحة مع دول مجلس التعاون الخليجي مجرّد مناورة تكتيكيّة لشراء الوقت ومعرفة كيف سيتعامل ترامب مع إيران وخطّة العمل الشاملة المشتركة، أو إذا كان ثمّة نيّة حقيقيّة لبناء علاقة متينة ودائمة مع إيران.
وقال أهوي أنّ الخطوة الأولى هي أن توقف السعوديّة حربها الكلاميّة والبروباغندا الإعلاميّة ضدّ إيران والتوقف عن تصوير إيران كمصدر كلّ الشرّ في المنطقة. وأضاف "عندها فقط يمكننا إجراء محادثات سليمة".
مع من أنّ إيران وجيرانها العرب لا يلتقون حول أيّ شيء تقريبًا، إلّا أنّهم يتوافقون حول الشك في النوايا تجاه بعضهم البعض. وحول ما يريده العرب من إيران، قال المحلل المقيم في أنقرة علي باكير للمونيتور أنّ "الجيران العرب حريصون على إقامة علاقات جيّدة مع إيران، لكنّ ذلك لا يمكن أن يحصل ما لم تكف طهران عن التدخّل بالشؤون الداخلية للدول العربية وإنهاء السياسات الطائفيّة ووقف استخدام الأدوات الإرهابيّة لتحقيق أهدافها الوطنيّة".
وأضاف بكير، وهو أحد المنتقدين اللاذعين لإيران يكتب في صحيفة الشرق القطريّة، أنّ "بناء الثقة يتطلّب بيئة مناسبة لم تنضج بعد. ما نحتاج إليه هو مبادرات تتجاوز ما يتمّ تداوله في الإعلام، وهذه خطوة إيرانيّة اعتدنا عليها. إيران متواجدة في كلّ مكان في العالم العربيّ. فإن أرادت إيران بناء الثقة بالفعل، فعليها أن تظهر تغييرًا في مقاربتها لما يحدث في سوريا واليمن ولبنان والعراق والبحرين. حينها لن يكون من الصعب معرفة ما إذا كان جديّة في مساعيها".
إنّ العلاقة بين إيران وجيرانها في الجنوب وعلى رأسها المملكة العربية قد تدهورت بشدة في عام 2016 بعدما قامت الرياض بإعدام الشيخ السعودي الشيعي المعارض نمر نمر.
وردًا على ذلك٬ اقتحم متظاهرون إيرانيون السفارات والمراكز الدبلوماسية السعودية. انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية والبحرين٬ بينما قامت دول أخرى في مجلس التعاون الخليجي بتفتير العلاقات مثل ما فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة وهذا واستدعت دول أخرى سفيرها في طهران. ولكن ليست هذه المسألة العائق الوحيد أمام تحسنّ العلاقات بين الطرفين. فالحروب الدائرة في اليمن وسوريا والاضطرابات في البحرين والحرب على الدولة الإسلامية في العراق٬ بالإضافة إلى تقاسم السلطة في لبنان٬ فهذه كلّها مناطق فيها مصالح لإيران ودول الخليج وخاصة السعودية.
ولكن حتى هذه الأزمات ليست هي السبب الجوهري وراء التوتر بين إيران وجيرانها. ثمة أسباب أخرى تعود إلى عام 1979 عندما قام آية الله الخميني بالوصل إلى سدة الحكم بعد إسقاط الشاه محمد رضا بهلوي من إيران.
فكل تقارب في العلاقات لا يأخذ بعين الاعتبار جذور الصراع سيكون بمثابة هدنة ظرفية قد تنهار في أي وقت عندما تضرب العاصفة.
فالمملكة الخليجية الرئيسية أي السعودية قلقة إزاء ما أسمته تصدير ثورة الجمهورية الإسلامية٬ بينما إيران لا يمكنها أن تنسى الدور التي لعبته دول الخليج في دعم العراق في عهد صدام حسين في حربه ضد إيران من العام 1980 إلى 1988 للدفاع عن "البوابة الشرقية للعالم العربي"٬ وفقًا للخطاب المستخدم في ذلك الوقت.
ولا يمكن حلّ هذه القضايا في اجتماع أو اثنين. فهذه القضايا لم تحلّ عندما قام رفسنجاني والملك السعودي عبد الله الراحل بتطبيع العلاقات في التسعينات. ولن يكون هناك أي حلّ للأزمة الحالية طالما الطرفان ليسا مستعدين لمعالجة جوهر الصراع مباشرةً وهذا يعني معالجة عمق عدم الثقة المتبادل والخوف من بعضهما.