تواترت الأنباء في الأيام الأخيرة من آب/أغسطس الماضي مع صدور تسريبات صحفية نقلتها صحيفة الجريدة الكويتيّة في 26 آب/ أغسطس عن مصدر مصريّ مطّلع، لم تذكر اسمه، عن وجود مساع مصريّة حثيثة بدعم عربيّ لتحقيق مصالحة بين عبّاس ودحلان، وصولاً إلى تحقيق الوحدة داخل "فتح".
مع العلم أن "فتح" تعيش صراعاً داخليّاً منذ أن قرّرت لجنتها المركزيّة، الجهة القياديّة الأعلى فيها، برئاسة الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس، فصل القياديّ الفتحاويّ ومستشار الأمن القوميّ للسلطة الفلسطينيّة محمّد دحلان في أيّار/مايو من عام 2011، وتحويله إلى النائب العام الفلسطينيّ بتهمة الفساد الماليّ وقضايا قتل، منها المشاركة في اغتيال صلاح شحادة القائد العسكري في حماس الذي اغتالته إسرائيل في غزة عام 2002، واغتيال عدد من قيادات فتح عام 1993 في غزة، وهم: محمد أبو شعبان وأسعد الصفطاوي.
ورغم مرور ما يزيد عن خمسة أعوام على قطيعة الرجلين، عباس ودحلان، ووجود مساع فلسطينيّة وعربيّة لإصلاحهما، لكنّها محاولات باءت بالفشل، لعدم قدرتها على التأثير عليهما.
وكشف عضو المجلس الثوريّ لـ"فتح" وأحد كوادر دحلان في غزّة عبد الحميد المصريّ لـ"المونيتور" عن "جهود تقودها مصر والأردن والسعوديّة والإمارات ترى أنّ المصلحة الفلسطينيّة تتطلّب المصالحة الفتحاويّة الداخليّة، من دون وجود تنازلات من دحلان يقدّمها إلى عبّاس، لكنّنا كفتحاويّين مستعدّون لتقديم كلّ ما هو مطلوب لبقاء فتح موحّدة من الناحية التنظيميّة، مع أنّه لم تحصل حتّى اللحظة إجراءات على الأرض من قبل قيادة فتح في رام الله تجاه كوادر دحلان في غزّة، مثل إعادة المفصولين لصفوف الحركة، وإعادة رواتب من تم قطعها عنهم بسبب انحيازهم لدحلان، رغم تلقّينا وعوداً من أطراف، لم يسمها، عن اقتراب مثل هذه الإجراءات الإيجابية الخاصة بعودة المفصولين واستلام رواتبه".
لعلّ ما أعطى هذه الجهود المصريّة والعربيّة زخماً حقيقيّاً، ما أعلنته الحكومة الفلسطينيّة في 30 آب/أغسطس عن تثمينها الجهود المصريّة والعربيّة للمّ الشمل الداخليّ في "فتح" وتوحيدها.
كما دعا بيان للّجنة المركزيّة لـ"فتح" في 22 آب/أغسطس، كوادر الحركة إلى تعزيز وحدتها والتّأكيد أنّ مؤسّساتها مفتوحة للتّعامل مع مشاكلها، بما يشمل أصحاب التظّلمات الّذين اتّخذت في حقّهم إجراءات عقابيّة.
ويبدو أنّ هذه الفقرة من البيان تخصّ دحلان وأتباعه المفصولين من "فتح"، ومنهم سفيان أبو زايدة، وناصر جمعة، وماجد أبو شمالة، ورشيد أبو شباك، وقد يكون الإقرار الأول من قبل قيادة فتح لتصفية الخلافات معه، عقب القرارات والعقوبات الّتي أصدرها عبّاس ضدّ أنصار دحلان منذ عام 2011، وشملت وقف رواتبهم وفصلهم من الحركة وإزاحتهم من مواقعهم القياديّة، .
ولذلك، دعا سمير المشهراوي، وهو الذراع اليمنى لدحلان، في 24 آب/أغسطس، عبر صفحته على الفيسبوك الفتحاويّين الّذين طالتهم قرارات الفصل، إلى اتّخاذ الإجراءات الّتي تكفل عودة حقوقهم الماليّة والتنظيميّة كأعضاء وقيادات أصيلين في "فتح"، ولكن أكّد رئيس هيئة مكافحة الفساد الفلسطينيّة رفيق النّتشة في 29 آب/أغسطس عدم إسقاط أيّ قضيّة فساد ماليّ ضدّ دحلان حتّى لو تمّت مصالحته مع عبّاس.
يبدو صعباً الحديث عن جهود المصالحة الفتحاويّة الداخليّة بمعزل عن تحضيرات الساحة الفلسطينيّة لإجراء الانتخابات المحليّة في 8 تشرين الأوّل/أكتوبر المقبل، في ظلّ منافسة شديدة من قبل "حماس" ووجود تخوفات من "فتح" وإسرائيل من فوز متوقّع لـ"حماس"، في ظل انقسامات فتح، وعدم وحدتها الداخلية، مما يدفع فتح لإنجاز مصالحة عباس ودحلان لترتيب صفوفها، للفوز في الانتخابات المحلية القادمة.
وقال وزير فلسطينيّ، رفض كشف هويّته، لـ"المونيتور": "إنّ الإجتماع الأخير للّجنة المركزيّة لفتح في 30 آب/أغسطس ناقش الجهود المصريّة والعربيّة لمصالحة عبّاس ودحلان، وهناك أفكار تداولتها اللّجنة بينها اعتذار دحلان لعبّاس عن اتّهاماته له بالفساد الماليّ في مناسبات عدّة، ويفترض أن يصل القاهرة بعد أيّام قد لا تتجاوز الأسبوع الأول من أيلول/سبتمبر بعض قادة فتح للبحث في تفاصيل المصالحة. كما وافقت قيادة فتح مبدئيّاً على عودة بعض كوادرها المفصولين بسبب انحيازهم لدحلان في السنوات الماضية، وإن نجحت جهود المصالحة فسوف تتكلّل بوصول دحلان إلى رام الله بعد أسابيع، لكن ليس مؤكداً أن يصلها قبل موعد الانتخابات المحلية يوم 8 أكتوبر".
وكان لافتاً صمت "حماس" عن هذه الجهود العربيّة والمصريّة لتحقيق المصالحة الفتحاويّة، فلم تصدر بياناً رسميّاً، ربّما لأنّها تقدّر أنّ أيّ مصالحة فتحاويّة داخليّة قد تقوّي شوكة "فتح" أمامها من جهة، وتمنح" فتح" طوق النجاة للفوز في الإنتخابات المحليّة المقبلة من جهة أخرى.
ومن جهته، قال أحمد يوسف، وهو وكيل وزارة الخارجيّة الفلسطينيّة السابق والمستشار السياسيّ السابق لنائب رئيس المكتب السياسيّ لـ"حماس" إسماعيل هنيّة، لـ"المونيتور": "حماس ترى في أيّ مصالحة فلسطينيّة داخليّة هدفاً وطنيّاً يجب أن تشجّعه وتدعمه، فبقاء الساحة الفلسطينيّة في حال تشظ وانقسام لا يخدم إلاّ إسرائيل، وأيّ حراك عربيّ يهدف إلى تحقيق مصالحة فتحاويّة، أمر يفرحنا، مع أملنا بأن تكون المصالحة الفتحاويّة الداخليّة خطوة تعقبها خطوات على طريق تعزيز مشروعنا وأهدافنا الوطنيّة".
جرت العادة أن تقود مصر أيّ حراك سياسيّ داخل فلسطين، سواء أكان للمصالحة الفتحاويّة أم مصالحة "فتح" و"حماس" أم وقف إطلاق النار بين "حماس" وإسرائيل، لكنّ هذه المرّة انضمّت إليها دول عربيّة وازنة كالأردن والإمارات والسعوديّة، ممّا يثير تساؤلات حول أهداف هذه الدول من جهودها المشتركة لترتيب البيت الفتحاويّ.
وفي هذا الإطار، قال الأكاديميّ الفلسطينيّ ورئيس تحرير مجلّة "كنعان" الإلكترونيّة عادل سمارة لـ"المونيتور": "إنّ الدور العربيّ الرسميّ تخريبيّ في مسيرة القضيّة الفلسطينيّة، والأطراف الساعية إلى تحقيق المصالحة الفتحاويّة، وهي السعوديّة ومصر والأردن والإمارات، تقود محوراً معادياً لدولة قطر والإخوان المسلمين وحماس، وهي ترتبط جميعا بعلاقات وثيقة، وتشكل فيما بينها محورا يحظى بدعم تركيا، لاسيما بعد الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي في تموز/يوليو 2013، من قبل الجيش المصري، وقد تنجح الجهود العربية هذه المرّة في مصالحة فتح الداخلية، وتؤدّي إلى أن يرشّح دحلان نفسه للإنتخابات الرئاسيّة ما بعد عبّاس. ولو نظرت حماس إلى المصالحة الفتحاويّة بالمفهوم الوطنيّ، المتعلق بتوحيد الصف الفلسطيني لمواجهة إسرائيل، فسوف تستفيد منها. أمّا إن انطلقت حماس من دوافع حزبيّة مرتبطة بالتنافس مع فتح في الانتخابات القادمة، فسوف تخرج متضرّرة منها".
وأخيراً، قد تتزامن الجهود المصريّة والعربيّة لتحقيق المصالحة الفتحاويّة مع "رحلة البحث عن الخروج الآمن للرئيس عبّاس من مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، عبر تواصله مع دول إقليميّة، تضمن خروجه من المشهد السياسيّ من دون ملاحقته وأبنائه في قضايا تخصّ ثراءهم على حساب المال العام، وهو ما نتج منها مساع عربيّة لإعادة ترميم البيت الفتحاويّ الداخليّ. ورغم ثقل هذه الجهود، لكنّ لا أحد منها يمتلك بوليصة تأمين لنجاحها.