العراق، بغداد: من جديد تعود أزمة مشاركة الحشد الشعبيّ في معركة تحرير مدينة الموصل الّتي ستنطلق قريباً، إلى الواجهة، لكنّ هذه المرّة بعد موافقة رسميّة من مجلس الأمن الوطنيّ في ٣١ تمّوز/يوليو على مشاركة الحشد في عمليّة تحرير المدينة. وقد دعم القرار جهات خارجية مثل الولايات المتحدة وايران. فقد صرح السفير الأمريكي ستيوارت جونز في ٢٢ من آب/اوغسطس ان "مشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل قرار داخلي". وقد رحب أمین المجلس الأعلی للأمن القومي الإیراني علي شمخاني في لقاءه مع رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري بمشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل.
هذه الموافقة قابلها رفض من قبل سياسيّين سنّة لا يريدون للحشد أن يكون طرفاً في معركة تحرير مركز محافظة نينوى (الموصل). في 8 آب/أغسطس الحاليّ، أصدر مكتب إعلام رئيس إئتلاف "متّحدون" أسامة النجيفي بياناً صحافيّاً تحدّث عن إجتماع في مكتب أسامة النجيفي، عقدته قيادات من تحالف القوى السنيّة مع سفير الولايات المتّحدة الأميركيّة في العراق ستيوارت جونز في 8 آب/أغسطس، وبحث في جملة من القضايا، أبرزها موقف السنّة من مشاركة الحشد الشعبيّ في معركة تحرير الموصل.
وإنّ المجتمعين من قادة الكتل السنيّة أكّدوا أنّهم ضدّ أيّ مشاركة للحشد الشعبيّ في معركة تحرير الموصل، عازين الأمر إلى رفض أهالي مدينة الموصل مشاركة الحشد، بسبب الخروق الّتي صاحبت تحرير مناطق أخرى (في إشارة إلى صلاح الدين والفلّوجة)، ونفّذها بعض فصائل الحشد.
ورأى المجتمعون أنّ "مشاركة الحشد الشعبيّ في معركة الموصل سترسل إشارات بالغة السوء إلى مواطني نينوى، ويمكن أن تصبّ في الحملة الدعائيّة لتنظيم داعش الإرهابيّ". وقد كرر النجيفي اعتراضه على مشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل في لقاءه مع السفير الكويتي في العراقي في ٢١ آب/اوغسطس الحالي.
ويأتي رفض مشاركة الحشد الشعبيّ في معركة تحرير الموصل، على خلفيّة إنتهاكات لحقوق الإنسان حدثت في معركتي صلاح الدين والفلّوجة، ولكن مع هذا الرفض والإتّهامات الموجّهة إلى الحشد، إلاّ أنّ قادته يصرّون على المشاركة في معركة الموصل، ولا يأبهون لكلّ أصوات الرفض.
وفي ردّ سريع على موقف إئتلاف "متّحدون" تجاه مشاركة الحشد الشعبيّ وإجتماعه بستيوارت جونز في 8 آب/أغسطس، وصف عضو هيئة الرأي في الحشد الشعبيّ كريم النوري، إجتماع سياسيّين سُنة بجونز بأنّه "وصمة عار على جبين السياسيّين الحاليّين"، مؤكّداً أنّ "مقاتلي الحشد الشعبيّ قوّة أساسيّة ستشارك حتماً في تحرير مدينة الموصل".
وقال كريم النوري، في تصريح صحافيّ نقله الموقع الرسميّ لهيئة الحشد الشعبيّ في 8 آب/أغسطس: "إنّ القائد العام للقوّات المسلّحة حيدر العبادي قرّر مشاركة الحشد الشعبيّ في معركة تحرير الموصل باعتباره أحد التشكيلات العسكريّة التّابعة للمنظومة الأمنيّة العراقيّة، ولا يجوز للأطراف الخارجيّة التدخّل في الشؤون الداخليّة للبلاد، ولا يمكن للولايات المتّحدة الأميركيّة منع الحشد الشعبيّ من المشاركة في تحرير الموصل، وعلى الحكومة العراقيّة اتّخاذ الإجراءات المناسبة لردع تجاوزات أميركا".
وكانت منظّمة "هيومن رايتس ووتش" قد دعت في ٣١ تمّوز/يوليو، قادة الجيش العراقيّ إلى منع الميليشيات (في إشارة إلى قوّات الحشد الشعبيّ)، الّتي لديها سجّلات إنتهاكات خطيرة من المشاركة في العمليّات العسكريّة المخطّط لها في مدينة الموصل، وقالت: "إنّ التزام الحكومة باتّخاذ كلّ التدابير الممكنة لحماية المدنيّين وضمان احترام قوانين الحرب، يجعل منع هذه المجموعات من المشاركة في معركة الموصل أمراً ضروريّاً".
وفي هذا الإطار، قال نائب مدير قسم الشرق الأوسط في منظّمة "هيومن رايتس ووتش" جو ستورك في التّقرير الّذي أصدرته المنظّمة ودعت فيه إلى عدم مشاركة الميليشيات الّتي ارتكبت انتهاكات ضدّ حقوق الإنسان: "إنّ الميليشيات الّتي تشكّل جزءاً من الحشد الشعبيّ ارتكبت مراراً إنتهاكات مروّعة كانت واسعة النطاق في بعض الحالات، آخرها في الفلّوجة. لم تكن هناك عواقب، رغم وعود الحكومة بالتّحقيق. وعلى قادة العراق تجنيب المدنيّين في الموصل الأذى الخطير من قبل الميليشيات الّتي سجّلت إنتهاكاتها حديثاً".
وقد لا تقتصر مشاركة الحشد الشعبيّ في معركة تحرير الموصل على تواجده فقط، فهناك أنباء تشير إلى تواجد قائد فيلق القدس الإيرانيّ قاسم سليماني في المعركة، وهو ما يثير غضب السنّة أكثر، وينتج قلقاً متزايداً بالنّسبة إلى سكّان مدينة الموصل من إحتمال حدوث إنتهاكات في حقّهم.
وأمل المتحدّث بإسم هيئة الحشد الشعبيّ أحمد الأسدي، أن يكون قاسم سليماني متواجداً في معركة تحرير الموصل، لأنّ لديه فضلاً كبيراً في العمليّات الّتي تجري ضدّ تنظيم "داعش"، وهذا التّصريح الّذي أطلقه أحمد الأسدي في 30 تمّوز/يوليو، يؤكّد أنّ هناك رغبة كبيرة لدى قوّات الحشد الشعبيّ قد تقفز على رغبة الحكومة العراقيّة وسكّان الموصل في تواجد مسؤول عسكريّ إيرانيّ في المعارك.
ويبدو أنّ مشاركة الحشد الشعبيّ في معركة الموصل لاقت رفضاً من قبل زعيم التيّار الصدريّ مقتدى الصدر، الّذي قال في آب/أغسطس، في ردّ على سؤال لأحد أتباعه: "إنّ عمليّة تحرير الموصل يجب أن تكون، وفي شكل مطلق، بيدّ القوّات الأمنيّة العراقيّة، ولا نقبل بتدخّل المحتلّ (في إشارة إلى القوّات الأميركيّة) أو غيره (في إشارة إلى قوّات الحشد الشعبيّ)".
تبقى مخاوف الساسة السنّة والمدنيّين في المناطق الّتي يسيطر عليها تنظيم "داعش" قائمة ما دامت هناك قوّات يعتقدون أنّها جاءت لقتلهم وليس لتحريرهم، وما دامت هناك تحرّكات تجري لبعض الفصائل المسلّحة من دون علم الحكومة العراقيّة، الّتي لن تستطيع ضبط كلّ التحرّكات أو منع أيّ إنتهاكات لحقوق الإنسان.
وإذا ما كانت هناك مشاركة مفروضة للحشد الشعبيّ في معركة تحرير الموصل، فإنّ المعركة لن تكون خالية من إنتهاكات حقوق الإنسان، وقد تحدث مواجهات بين الحشد الشعبيّ (الشيعيّ) والحشد الوطنيّ (السنيّ) الّذي يترأسه محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، وهذه في حدّ ذاتها خطوات تعرقل مسار المعركة.