رام الله، الضفّة الغربيّة – في شهر حزيران/ يونيو، استطاعت جمعية حماية المستهلك الفلسطينية، واللجنة الوطنية لمقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، المعروفة دوليا باسم (BDS)، من دفع احدى الشركات الفلسطينية الكبرى الى التراجع عن الشراكة مع رجل الاعمال الاسرائيلي رامي ليفي في متجر تجاري ضخم يقوم ببناءه حاليا في بلدة الرام شمال القدس المحتلة، على مساحة تقدّر بـ20 دونماً، وبتكلفة تصل إلى 200 مليون شيقل (52 مليون دولار.)
وحسب ما نشره موقع "واللا" الإسرائيليّ في 15 كانون الثاني/يناير، فإنّ رامي ليفي يؤسّس حاليا لمجمّع للتّعايش التجاريّ في منطقة القدس، عبر استقطاب بعض رجال الأعمال الفلسطينيّين لشراء محلاّت أو استئجارها، واستقطاب متسوّقين فلسطينيّين، إلى جانب المستوطنين المقيمين في المستوطنات القريبة منه، ممّا أثار غضب الأوساط الفلسطينيّة الفصائليّة والشعبيّة والمؤسساتيّة، في ظل الحديث عن وجود 5 فلسطينيين سيستثمرون في ذلك المجمع.
وهددت جمعية حماية المستهلك في 2 تموز/يوليو بالشراكة مع العديد من المؤسسات الفلسطينية بالكشف عن أسماء اي شراكات فلسطينية مع رجل الأعمال الاسرائيلي رامي ليفي للرأي العام الفلسطيني والجهات الرسمية، ووضعها على القائمة السوداء الفلسطينية، ومقاطعة مصالحهم التجارية، وحث الغرف التجارية الفلسطينية على تجميد عضويتهم، فيما كشف منسق حملة المقاطعة BDS محمود نواجعة لـ"المونيتور"، ان الحملة مستعدة لشن حملة مفتوحة ومتصاعدة ضد الاطراف الفلسطينية التي ستدخل بشراكات مع رجل الاعمال الاسرائيلي رامي ليفي.
ويملك ليفي سلسلة مجمّعات تجاريّة يبلغ عددها نحو 26 مجمّعاً في مداخل المستوطنات المقامة على أراضي الضفّة الغربيّة، او ما بين المدن الفلسطينية في المناطق الخاضعة لاسرائيل، تغري بعض الفلسطينيّين للشراء منها بسبب أسعار منتجاتها الرخيصة، ممّا سيؤثّر سلباً على القطاع التجاريّ الفلسطينيّ في القدس. وفي هذا الإطار، قال رئيس جمعيّة حماية المستهلك صلاح هنيّة لـ"المونيتور": "الهدف الأساسيّ لمشروع رامي ليفي هو تدمير القطاع التجاريّ الفلسطينيّ في القدس وإلحاق الضرر بالمحلاّت التجاريّة فيها من خلال إغراء أهلها للشراء من متجره بسبب أسعاره الرخيصة".
وكشف هنيّة ان احدى الشركات الفلسطينية الكبرى التي كانت موافقة على الشراكة مع رامي ليفي في متجره، تراجعت عن ذلك، بعد مفاوضات اجريناها معها باعتبارنا مؤسسات وطنية ، كما ان هناك 5 مستثمرين فلسطينيّين صغار لا نريد أن نذكر أسماءهم، ينوون افتتاح محلاّت تجاريّة (ماركت، مخابز) في المجمّع.
وقال هنية الذي يرأس جمعية حماية المستهلك وهي (جمعية أهلية تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة تتبع قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية في فلسطين) "لدينا أسماء تجّار فلسطينيون ينوون فتح محلاّت تجاريّة في المجمّع، ونسعى إلى ثنيهم عن ذلك، من خلال إقناعهم بأنّ هدف المجمّع هو ضرب الإقتصاد الوطنيّ في القدس وترويج السلام الإقتصاديّ والتعايش المشترك، واعتبار تلك الخطوة جريمة بموجب القانون، كونه يقع داخل مستوطنة (منطقة عطروت الصناعيّة)" وهو قيد البناء
وأصدر الرئيس محمود عبّاس في 24 نيسان/ابريل 2010 قراراً بقانون رقم (4) لسنة 2010م في شأن حظر منتجات المستوطنات ومكافحتها، ويتضمّن الحظر: "السلع والخدمات الّتي تنتج كليّاً أو جزئيّاً في المستوطنات، وكلّ منتج صناعيّ أو زراعيّ أو غذائيّ أو تحويليّ مصنّع جزئيّاً أو كليّاً أو مخزّن أو معبّأ داخل أيّ مستوطنة، وكلّ عمل يتمثّل بنشاط تقنيّ أو حرفيّ أو ماديّ في المستوطنات ومن شأنه تقديم منفعة إليها لقاء مقابل ماليّ، وأيّ إتجار أو ترويج أو تسويق أو تخزين أو نقل أو تعبئة أو تغليف أو أيّ عمليّة من شأنها إدخال منتجات المستوطنات إلى السوق الفلسطينيّ، أو تقديم منفعة أو خدمة إلى المستوطنات أو منتجاتها"، وهو الأمر الّذي يعرّض المستثمرين إلى المساءلة القانونيّة.
وقال النّاطق الرسميّ باسم وزارة الإقتصاد عزمي عبد الرّحمن لـ"المونيتور": "ليس لدينا علم بهويّة المستثمرين أو تواصل معهم، لكنّ قانون مكافحة منتجات المستوطنات وعقوباته واضحة، وسيتمّ التّعامل معهم بموجبه".
من جهته، قال هنيّة: "هناك عدم تطبيق للقانون في شكل دائم على من يتم ضبطه متورطا ومتلبسا في التجارة او الاستيراد من المستوطنات، لأنّ أحياناً يتمّ ضبط بضائع المستوطنات ومحاكمة أصحابها من دون الاستناد إلى القانون. ولذلك، يجب تفعيل العمل بالقانون كي يقوّي موقفنا في محاربة منتجات المستوطنات، وتفاوضنا مع المستثمرين لثنيهم عن الشراكة مع ليفي من اجل الحفاظ عليهم كمستثمرين فلسطينيين.
ويخشى الفلسطينيّون من المحاولات الإسرائيليّة لترويج السلام الإقتصاديّ من خلال المشاريع المشتركة، إذ قال عضو المكتب السياسيّ لحزب الشعب خالد منصور لـ"المونيتور": "هناك توجّه إسرائيليّ للتبشير بالسلام الإقتصاديّ وإقامة المشاريع المشتركة، وهو أمر نرفضه بالمطلق، لأنّه بديل لحقّ تقرير المصير وإقامة دولتنا المستقلّة".
أضاف خالد منصور: "للأسف، أصبحت هناك مجاهرة من قبل بعض التجّار الفلسطينيّين بالعلاقة مع رامي ليفي والمستوطنين. ولذلك، على القيادة الفلسطينيّة تطبيق قانون مكافحة المستوطنات، الّذي يجرّم هذه الشراكة ويعاقب من يقوم بها، لأنّ هدفها بثّ الروح في المستوطنات وتشجيع المستوطنين على التمادي في جرائمهم وترويض الشعب الفلسطينيّ ودفعه إلى التعايش مع المستوطنين، رغم حملات المقاطعة المحليّة والدوليّة لها".
بدوره، قال المنسّق العام لحركة المقاطعة الـ(BDS) محمود نواجعة لـ"المونيتور": "هذا المشروع أحد أوجه التطبيع الإقتصاديّ العلنيّ، الّذي يستخدم الفلسطينيّين كورقة للتغطية على جرائم المستوطنين وإظهار وجود تعايش مشترك أمام العالم لضرب حركة المقاطعة".
أضاف: "إذا ما رفضت الشركات الفلسطينيّة التّراجع عن هذه الشراكة، فإنّنا مستعدّون لشنّ حملات ضخمة ضدّها، لأنّ تلك الشراكة قائمة على قاعدة تجميل الإحتلال وليس على قاعدة إنهائه".
وتابع: "هذه المشاريع تشكّل ضرراً لجهود المقاطعة الدوليّة لإسرائيل في العالم، وعزلها في الخارج، لأنّ الإختراق يأتي من داخل فلسطين".
وشهدت متاجر ليفي في المستوطنات المقامة في الضفّة الغربيّة فعاليّات عدّة مناهضة لوجودها، كان أبرزها في 24 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2010، حين اقتحمت مجموعة كبيرة من نشطاء المقاومة الشعبيّة والمتضامنين الدوليّين متجر ليفي، بالقرب من مستوطنة بنيامين المقامة على أراضي قرية جبع قرب رام الله، ورفعت الأعلام الفلسطينيّة واللاّفتات المطالبة بمقاطعة المستوطنات وبضائعها.
وإذا كان القانون الفلسطينيّ يحظّر الاستثمار في المستوطنات ويمنعه، فإنّ بروتوكول باريس الإقتصاديّ الموقّع بين منظّمة التّحرير الفلسطينيّة وإسرائيل في 29 نيسان/ابريل 1994 يتيح لرجال الأعمال الفلسطينيّين الاستثمار في إسرائيل، والعكس صحيح، إذ قال عزمي عبد الرّحمن: "لا يوجد ما يمنع أو يحدّ من ذهاب التجّار والمستثمرين للاستثمار في إسرائيل، ولكن ليس المستوطنات، أو أن يستثمر إسرائيليّون في الأراضي الفلسطينيّة ضمن اللّوائح والشروط الفلسطينيّة".
وكانت دراسة أكاديميّة لنيل درجة الماجستير للباحث الفلسطينيّ عيسى سميرات كشفت في 19 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2011، أنّ حجم استثمار رجال أعمال فلسطينيّين بشكل عام في إسرائيل والمستوطنات، بلغ خلال عام 2010 2.5 مليار دولار، لكنه لا توجد احصائيات جديدة ودقيقة حول حجم الاستثمار الفلسطيني في اسرائيل او المستوطنات.
إنّ الحديث عن مشروع تجاريّ فلسطينيّ - إسرائيليّ على الأراضي المحتّلة عام 1967، أضاء جرس الإنذار لدى الفلسطينيّين لكونه تجاوز التطبيع، إلى الشراكة الإقتصاديّة، ممّا يشجّع دعاة السلام الإقتصاديّ ويضرّ بالجهد الفلسطينيّ الرسميّ بنزع شرعيّة المستوطنات في المحافل الدوليّة وجهود حركة مقاطعة منتجات المستوطنات في العالم، وهو ما دفع اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها في 21 كانون ثاني/ يناير الى الاعلان ان التطبيع الاقتصادي مع رامي ليفي او غيره من الاسرائيليين لن يمر.