قطاع غزّة- مدينة غزّة: روح التحدّي وعشق كلّ ما هو قديم في عالم السيّارات، دفعا بالمواطن الغزيّ منير الشّندي، البالغ من العمر 36 عاماً، والّذي يقطن في حيّ التفّاح - شرق مدينة غزّة، إلى إنتاجه وبشكل كامل داخل ورشته الصغيرة الواقعة في الحيّ نسخة طبق الأصل من سيّارات مرسيدس من نوع "غزال"، والّتي يعود موديل إنتاج النسخة الأولى منها إلى عام 1927. ونجح في ذلك خلال فترة عام ونصف عام تقريباً.
الشّندي الّذي يعمل الآن ميكانيكيّ سيّارات في ورشته الخاصّة، وأنهى فقط دراسته الإعداديّة، وصل من الإمارات العربيّة المتّحدة إلى غزة قبل عام وسبعة أشهر بعد فترة عمل فيها دامت 13 عاماً قضاها في إحدى ورش الميكانيك في العاصمة أبو ظبي. وأصبح متخصّصاً في مجال إصلاح السيّارات الكلاسيكيّة.
وفي هذا الإطار، قال لـ"المونيتور": "عملت في الإمارات العربية المتحدة في ورشة تكساس الموجودة في العاصمة أبو ظبي ما بين عام 2002 حتّى بداية عام 2015. وكنت أعمل في مجال إصلاح السيّارات الكلاسيكيّة هناك، داخل ورشة متخصّصة فقط في هذا المجال. وقمت بإصلاح الكثير من نماذج سيّارة مرسيدس غزال أثناء عملي وإدارتي للورشة، حيث أنّه من النادر أن تجد ميكانيكيّاً متخصّصاً بإصلاحها نتيجة ندرة القطع والأكسسوارات الّتي تدخل في صناعتها".
ما أن ترك الشّندي العمل في الإمارات ووصل إلى غزّة ليلتحق بأبنائه البالغ عددهم خمسة والّذين يعيشون في المدينة بسبب تعبه اثر فراقه لهم، دفعه شغفه وحبّه للسيّارات الكلاسيكيّة وامتلاك إحداها إلى البدء في تصنيع نموذج منها، غير أنّ صعوبات عدّة اعترضت طريقه، من بينها معوّقات إدخال قطع الأكسسوارات من الولايات المتّحدة الأميركيّة إلى قطاع غزّة بسبب منع إسرائيل إدخال العديد من المواد إلى غزة من بينها قطع السيارات.
وفي هذا السياق، قال الشّندي: "قرّرت استيراد بعض قطع الأكسسوارات من الولايات المتّحدة الأميركيّة ليصبح شكل السيّارة شبيهاً بالنموذج الأصليّ. وبسبب منع إسرائيل إدخال قطع السيّارات إلى غزّة، كانت تلك القطع معرّضة للمصادرة من قبلها في حال قمت باستيرادها بنفسي عبر الإنترنت من داخل غزّة، فقمت بطلبها عن طريق شخص صديق لي في الإمارات، ثمّ اضطررنا إلى التّحايل لإدخالها في شكل فرديّ مع عدد من المسافرين من مواطني قطاع غزة الواصلين إلى القطاع، وانتظرت وصولها إلى غزّة لاستخدامها في إنتاج السيّارة مدّة تفوق الستّة أشهر".
مؤكّدا الشّندي على عدم خوفه من أي ملاحقات إسرائيلية لأن منعها جاء نتيجة الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، بالإضافة إلى أن تلك القطع اُستخدمت لهدف مدني سلمي.
وأشار الشّندي، الّذي انتهى من إنتاج السيّارة منذ نحو شهر، إلى أنّ التفكير في كيفيّة إنتاج السيّارة بشكلها الحاليّ وتجميع كافة أجزائها واكسسواراتها المطابقة للنسخة الأصلية منها من الصفر كان يتّخذ حيّزاً كبيراً من وقته، وقال: "في بعض الأحيان ما بين التفكير والتخطيط لبناء جزء ما من السيّارة وتنفيذ ما قمت بالتخطيط له والتفكير فيه، كان يستمرّ الأمر إلى نحو شهر".
ورغم تواضع مستواه الماديّ، وعمله في ورشته الميكانيكية الصغيرة، إلاّ أنّه أصرّ على إكمال العمل الّذي بدأه في إنتاج السيّارة الّتي كلّفته أكثر من 14 ألف دولار، مشيراً إلى أنّ ما كان يهمّه هو إنتاجها لتكون نموذجاً طبق الأصل للسيّارة الّتي صنعت في عام 1927، لكنّها تختلف عن النّسخة الأصليّة في مجاراتها للواقع والتكنولوجيا من حيث معدّاتها الداخليّة الميكانيكية، إذ تم تركيب لها محرّكا حديثا من نوع ميتسوبيشي 1600 ، لتتناسب مع مقوّمات العصر والحاجة إلى عنصر السرعة.
رغم إنتاجه السيارة التي هي بمثابة "حلم عمره"، كما قال الشّندي، وأصبح يقودها في شوارع حي التفاح الذي يعيش فيه منذ اكتمال العمل فيها قبل شهر، لكنّه لم يستطع حتّى اللّحظة الحصول على رخصة رسميّة لها من إدارة المرور والترخيص الرسميّة في غزّة نتيجة الإجراءات البيروقراطية فيها.
ويخطّط الشّندي في الفترة المقبلة لتصنيع نموذج آخر من سيّارة مرسيدس كلاسيك من نوع ثانٍ وبمواصفات جديدة وأكثر تطوّراً من الأولى، لعشقه للسيارات الكلاسيكية وحبه في خوض تجربة جديدة لتصنيع سيارة كلاسيكية أخرى وبيعها، غير أنّه ينتظر ليتوافر معه بعض المال، بعدما استنزف جلّ أمواله في إنتاج "الغزال" التي أنتجها لوحده ويحتفظ بها في أحد المخازن الآمنة التي تتبع لعائلته، أو لتتوافر جهات تدعمه كرجال أعمال خليجيين أو أوروبيين ممن يبحثون أو يهتمون بامتلاك السيارات الكلاسيكية لإعادة إحياء النماذج الأولى من هذا النوع من السيّارات.