قد يبدو الحصول على تصريح سفر طلبًا عاديًا خاليًا من أي التباسات. هذا على الأقلّ باعتقاد أحد المخرجين السينمائيين العالميين الذي قام بتصوير فيلم وثائقي عن النشطاء الفلسطينيين والإسرائيليين وأراد الناشطة الفلسطينية شفاء القدسي أن تحضر العرض الأول للوثائقي في القدس الغربية. غير أنّ السلطات الإسرائيلية رفضت السماح لها بالدخول.
بحديثها إلى المونيتور تعرب القدسي عن حيرتها بما جرى ولكنها تقول إنّها لم تتفاجأ تمامًا بالخبر. "لقد حصلت سابقًا على تصريحات لزيارة شقيقي المسجون في السجن الإسرائيلي فلماذا يمنعونني الآن من حضور الفيلم الوثائقي"؟ تقول القدسي في مكالمة هاتفية مع المونيتور من منزلها في مدينة طولكرم.
إنّ فيلم سيتفن أبكون وأندرو يونغ تحت عنوان "تعكير السلام" يتمحور حول مجموعة شجاعة من الإسرائيليين والفلسطينيين وتمّ عرضه في سينما القدس بتاريخ 14 تموز/يوليو الجاري.
ويضمّ الفيلم أربعة إسرائيليين وأربعة فلسطينيين بما في ذلك القدسي وهم ينتمون إلى جمعية "مقاتلون من أجل السلام" المسالمة التي كانت تتألف أصلًا وحصريًا من مقاتلين قدامى قد شاركوا في الصراع المسلّح من كلا الطرفين.
عودي غور إسرائيلي قد أدّى خدمته العسكرية الإلزامية ولكنه رفض القيام بواجباته كجندي احتياطي في الأراضي المحتلة وقال للمونيتور إنّه انضم إلى جمعية "مقاتلون من أجل السلام" لأنّه أراد التغيير. وقد قال: "لا بدّ للمجتمع الإسرائيلي أن يتغير. على اليسار أن يجد لنفسه قائدًا ويجب على وسائل الإعلام الإسرائيلية التوقف عن تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم".
يشكّ غور بأن تتغير إسرائيل في القريب العاجل. وهو يعتمد على الضغط من العالم الخارجي أكثر من أشقائه الإسرائيليين. وقد صرّح قائلًا: "الضغط الكبير يأتي من الخارج. وإذا استطعنا الاستمرار في المشاركة مع الفلسطينيين في الحركات اللاعنفية التي تقاوم الاحتلال يمكننا إقناع العالم بقضية الفلسطينيين المحقّة".
واتفق غور وغيره من "المقاتلين السلميين" أن يكون هدف الجمعية ورؤيتها الالتزام الكامل والواضح بإنهاء الاحتلال. "لا يوجد أي حلّ عسكري ولا يمكن إنهاء حلقة العنف هـذه بأي قدر من استخدام القوة المفرطة "، بحسب تصريحات غور.
من جهته رياض الهليس من بلدة جنوب الضفة الغربية يصف نفسه بأنه جندي فلسطيني بخدمة السلام. وقد قال للمونيتور: "عندما سمعت عن يوناتان شابيرا وغيره من الطيّارين الإسرائيليين الذين رفضوا قصف الفلسطينيين في غزة أردت مقابلتهم في محاولة لبناء جسور السلام."
في عام 2003 وفي خطوة احتجاجية قويّة، قام 27 طيّارًا إسرائيليًا بتوقيع بيانًا بعدم مشاركتهم في الغارات الجوية ضد الفلسطينيين المدنيين في غزة.
وبحسب الهليس الذي أصيب أثناء الانتفاضة الثانية في عام 2001 وبات الآن عاجزًا، ما يميّز جمعية "مقاتلون من أجل السلام" أنّها تجمع فلسطينيين وإسرائيليين معًا ملتزمين ويسعون لإنهاء الاحتلال.
وأضاف الهليس "قمنا بنقاشات عديدةٍ على مرّ السنين حول الوضع الحالي وتوصلنا إلى قناعة أن الاحتلال هو أساس العنف واتفقنا على أنّنا بصفتنا جنود سلام يتعين علينا التسلح بالعدالة والحرية على أساس القانون الدولي".
الالتزام التام باللاعنف هو يميز هذه الجمعية عن غيرها من الجماعات الإسرائيلية والفلسطينية. وقال الهليس: "في خلال العامين الماضين اللذين قضيتهما في المستشفى أتلقى العلاج، تعلّمت الكثير عن غاندي ومارتن لوثر كينغ ونيلسون مانديلا. فهؤلاء قاموا بأمور إيجابية جدًا".
وأضاف أن أعضاء الجمعية الإسرائيليين والفلسطينيين يخبرون قصصهم الشخصية للتعبير عن مقاومتهم للاحتلال والتشجيع على إنهائه.
"نحن مجموعة من الفلسطينيين الذين أصيبوا في خلال المقاومة أو قضينا وقت خلف القضبان الإسرائيلية ونحن أيضًا مجموعة من الجنود الإسرائيليين الذين رفضوا الخدمة العسكرية في الأراضي المحتلة. لقد قمنا بإنشاء مجموعات مشتركة بحسب المسافات الجغرافية القريبة: نابلس وتل أبيب ورام الله والقدس والخليل وبئر السبع. وقد قمنا بمظاهرات صغيرة للتعبير عن مقاومتنا للاحتلال،" بحسب أقوال الهليس.
وعبّر الهليس عن شعوره بالاعتزاز عندما حضر أكثر من 700 شخص نهار الخامس عشر من تموز/يوليو الجاري لمسيرة الحرية بالقرب من نفق بيت جالا-القدس.
أفنر ويشنتزير وهو أحد الأعضاء الإسرائيليين المؤسسين للجمعية، يشارك الهليس شعوره بالاعتزاز والفخر بنجاح نشاطات الجمعية رغم الكثير من المعارضات التي تواجهها من كلا الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
وقال ويشنتزير للمونيتور: "أكبر إنجاز قمنا بتحقيقه هو وجودنا على الأرض وواقع أننا قادرون عى الاستمرار بمقاومتنا ضد الاحتلال رغم الضغوطات من الجانبين".
وتحدث أيضًا في التجمع بالقرب من بيت جالا سامي عوض وهو المدير التنفيذي لجمعية "هولي لاند ترست" في بيت لحم وهي جمعية غير حكومية فلسطينية تدعو وتلتزم بمبدأ اللاعنف.
وفي مقابلة لاحقة مع المونيتور، أثنى عوض على جمعية "مقاتلون من أجل السلام" واصفًا أعضائها بأنهم مؤيدون حقيقيون للسلام. وقد صرّح قائلًا: "إن جمعية مقاتلون من أجل سلام هي عبارة عن مجموعة من الفلسطينيين والإسرائيليين الذين ليسوا منخرطين في الحوار وحسب بل ملتزمين بالأعمال النشاطية اللاعنفية الهادفة إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. بالنسبة لي هم يمثلون الالتزام الحقيقي الهادف لتحقيق السلام".
ومن بين الذين حضروا التجمع أيضًا مقاتلان سابقان من إيرلندا الشمالية جاءا لإظهار دعمهما للفلسطينيين والإسرائيليين.
أليستار ليتل وجيري فوستر، أحدهما كاثوليكي والآخر بروتستاني كانا قد قاتلا في إيرلندا الشمالية على طرفي نقيض، قاما بنشر رسالة على صفحة الجمعية على الفيسبوك تقول: "أنتم لستم لوحدكم في نضالكم. هدفنا هو أنسنة وفهم بعضنا البعض. أنتم مصدر إلهام للمجتمع الدولي".
في حين لم تتمكّن القدسي من حضور الفيلم الوثائقي التي تظهر فيه في سينما القدس، سوف تتسنّي لها الفرصة لمشاهدته بتاريخ 21 تموز/يوليو حين يتمّ عرضه على الجدار الإسرائيلي في بيت جالا.
في حديثها مع المونيتور، كرّرت القدسي ما تقوله منذ إطلاق سراحها من السجن بعد ست سنوات وراء القضبان في عام 2008: بأنها ملتزمة بالسلام وأنها مثل الكثير غيرها من الفلسطينيين والإسرائيليين قد ضاقت زرعًا بإراقة الدماء والعنف.
وقالت القدسي: "أنا ضد العنف ضد أيّ كان سواء الفلسطينيين أو الإسرائيليين. فهذا ليس ما يريده الله. علينا القيام كل ما بوسعنا لإنقاذ البشر الذين خلقهم الله".
من جهتهما الهليس وغور كانا يركزان في ما مضى على الأعضاء الملتزمين التزامًا دقيقًا لضمهم إلى الجمعية. أما اليوم فهما يشعران أن الوقت قد حان لتوسيع نشاطهم وزيادة الأعضاء المنتسبين بهدف التأثير بشكلٍ أوسعٍ وأفضلٍ وتحقيق الهدف بإنهاء الاحتلال.