في 26 حزيران/يونيو تصادف الذكرى الأولى لاعتداء سوسة الذي أطلق منفّذه النار على عدد من السيّاح، ما أودى بحياة 38 سائحاً، من بينهم 30 بريطانياً. وما إن انتهى الاعتداء حتّى أعلنت الحكومة البريطانيّة الإجلاء الفوريّ لجميع الرعايا البريطانيّين في تونس، وحذّرت مواطنيها من السفر إلى هذا البلد. وقد كان لهذا التحذير أثر مدمّر على قطاع السياحة في تونس، إذ إنّ السياحة البريطانيّة إلى تونس تراجعت بنسبة 90% في الفصل الأوّل من العام 2016 مقارنة بالفترة نفسها السنة الماضية.
ومنذ الاعتداء، عزّزت تونس الحماية الأمنيّة في مناطقها السياحيّة. ومع أنّ الهجوم المروّع الذي حصل الصيف الماضي لا يزال حيّاً في الذاكرة، يستمرّ قطاع السياحة التونسيّ، الذي تمّ دعمه من خلال تشديد الأمن، في المكافحة على أمل استقطاب أعداد كبيرة من السيّاح من جديد.
كان عماد شطّي يتولّى منصب نائب مدير المركز الرياضيّ في فندق "إمبريال مرحبا" عندما دوّى صوت طلقات ناريّة متتابعة. وقال لـ "المونيتور": "ركض بعض السيّاح إلى منطقة حوض السباحة فيما هرب قلّة منهم متوجّهين إلى مكتبي. وهربتُ أنا عبر مدخل جانبيّ مع عدد آخر من السيّاح".
وأشار بإصبعه إلى كرسيّ للبحر بالقرب من حوض السباحة وقال: "توفّي شخصان هنا". ثمّ نظر باتّجاه كرسيّ آخر للبحر وقال بغصّة: "توفّي هنا رجل بريطانيّ. كان صديقي". لقد كان شطّي محظوظاً تلك الليلة لأنّه تمكّن من العودة إلى منزله ليكون إلى جانب ولديه وزوجته الحامل، لكنّه لا يزال تحت تأثير الصدمة. فقد قال: "ما زلت خائفاً. رأيتُ صديقي يفارق الحياة أمام عينيّ. عندما أسمع أصواتاً مرتفعة اليوم، أعتقد أنّه هجوم آخر".
وقال محرز سعدي، مدير فندق "إمبريال مرحبا"، الذي لم يفتح بعد أبوابه من جديد، لـ "المونيتور" إنّ جميع موظّفي الفندق زاروا أطبّاء نفسيّين بعد الهجوم. وأضاف: "قال لهم الأطبّاء النفسيّون إنّه علينا الاستمرار في العمل من أجل مواجهة مخاوفنا بدلاً من الهرب منها".
ومع أنّ قطاع السياحة التونسيّ يكافح من أجل الاستمرار، أشار سعدي إلى إنّه تلقّى عروض عمل متعدّدة. فقال: "تلقّيتُ عروضاً كثيرة، بعضها عروض عمل خارج تونس، لكنّني أريد البقاء هنا وإعادة هذا الفندق إلى سابق عهده. نأمل أن نعيد فتح أبوابنا في أقرب وقت ممكن". واشتكى سعدي من مشكلة واحدة فقط، وهي تحذير السفر الذي أصدره مكتب الكومنولث والعلاقات الخارجيّة والذي يمنع السيّاح البريطانيّين من الحصول على تأمين سفر. وقال: "على الحكومة البريطانيّة رفع حظر السفر. فقد أصبح الأمن أفضل بكثير".
وسعدي محقّ في هذا الخصوص. فثلاثة عناصر أمن على الأقلّ يتمركزون عند كلّ شارع من الشوارع المؤدّية إلى شاطئ سوسة وهم يحملون رشّاشات عسكريّة. بالإضافة إلى ذلك، تتمركز شاحنات للجيش بالقرب من كلّ الفنادق، ويتمّ تفتيش السيّارات في غالب الأحيان. ويتمركز قارب تابع للحرس الوطنيّ التونسيّ خارج فندق "إمبريال مرحبا"، ويقوم عناصر الحرس بدوريّات لخفر الشواطئ. وبالتالي، فإنّ الوضع الحاليّ مختلف تماماً عمّا كان عليه لحظة حصول الاعتداء عندما استمرّت مجزرة سيف الدين الرزقي حوالى 30 دقيقة من دون تدخّل الشرطة.
ولا يزال بعض المواطنين البريطانيّين يزورون تونس، إدراكاً منهم أنّ نظرة العالم إلى مستوى الخطر في تونس مبالغ فيها. وبعد اعتداء سوسة، أطلق رئيس جمعيّة "التونسيّون في بريطانيا"، مهدي باهي، حملة لتشجيع المواطنين البريطانيّين على الاستمرار في زيارة تونس. وقد وضع "المونيتور" على اتّصال بمواطنين بريطانيّين يقومون حالياً بزيارة تونس، وقال جميع هؤلاء المواطنون: "نشعر بأمان تامّ في تونس، بل بأمان أكبر من الذي نشعر به في بريطانيا. نحبّ هذا البلد وسنستمرّ في زيارته".
وقد قرّر أحد الناجين من اعتداء سوسة، واسمه كولين بيدويل، العودة إلى تونس بمناسبة ذكرى الاعتداء الأولى. وقال لـ "المونيتور": "كان الوضع صعباً جداً، لكن منذ زيارتي، أشعر بحال أفضل بكثير. آمل أن يتمّ رفع حظر السفر قبل حلول فصل الصيف".
لا شكّ في أنّ هذا التفاؤل مشجّع، لكنّ تونس لا تزال تواجه تهديدات أمنيّة. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2015، استهدف انتحاريّ حافلة تابعة للحرس الرئاسيّ، وفي آذار/مارس، غزا مقاتلون تابعون لتنظيم الدولة الإسلاميّة بلدة بنقردان واشتبكوا مع القوى الأمنيّة. لكن، كما أشار المحلّل السياسيّ والأمنيّ يوسف شريف، "لم يتمّ الإبلاغ عن أيّ هجوم على السيّاح/المنشآت السياحيّة في تونس منذ اعتداء سوسة الذي حصل قبل سنة".
وعند وقوع الاعتداء، تصرّف المواطنون التونسيّون كأبطال على الرغم من الاستجابة البطيئة للقوى الأمنيّة. سمع سالم بن يوسف صوت الطلقات الناريّة فنظر إلى خارج متجره الخاصّ بالتذكارات والواقع على بعد أمتار قليلة من مقرّ فندق "إمبريال مرحبا". وقال لـ "المونيتور": "رأيتُ سيّاحاً يركضون نحوي. سألتهم إن كانت هذه طلقات ناريّة حقيقيّة فأجابوني بنعم".
أنقذ بن يوسف حياة سيّاح كثيرين في ذلك اليوم، إذ إنّه خبّأ 40 سائحاً في متجره وأوصد الباب لمنع المعتدي من الدخول. وقد أطلقت الشرطة لاحقاً النار على المعتدي وقتلته على بعد خطوات من متجر بن يوسف.
وأضاف بن يوسف: "كانت تلك كارثة. فالتونسيّون ليسوا كذلك. نحن أناس عاديّون. نريد أن نأكل ونعمل وننام. نحبّ عائلاتنا. ذلك الرجل كان مجنوناً". وقد عبّر أفراد كثر آخرون عن الشعور نفسه لـ "المونيتور". بالإضافة إلى ذلك، كان رأي جميع العمّال السياحيّين تقريباً الذين أجرى معهم "المونيتور" مقابلات من أجل هذا المقال مماثلاً لرأي بن يوسف. فقد قالوا: "الإسلام ليس هكذا. هؤلاء الأشخاص مجانين. ليسوا مسلمين. المسلمون مسالمون. لا نستخدم القوّة إلا للدفاع عن النفس. ذلك الرجل كان مجنوناً".
بعد مرور سنة على الاعتداء، أقرّ بن يوسف بأنّ قطاع السياحة يكافح بالفعل. وقال: "لم يعد البريطانيّون يأتون إلى هنا. هناك الكثير من السيّاح الروس، لكنّهم لا ينفقون الكثير من المال".
وأضاف سعدي: "علينا أن نبدأ من الصفر. نحن ممتنّون لأنّ الروس يأتون إلى هنا".
وقالت ليلى بن قاسم التي تملك نزلاً صغيراً في مدينة تونس القديمة لـ "المونيتور": "ينفق الروس على الأرجح كميّة الأموال نفسها كالبريطانيّين، لكنّ الناس بحاجة إلى المال أكثر اليوم".
وأقرّت بن قاسم بأنّ عملها تراجع منذ موجة الاعتداءات التي استهدفت السيّاح في تونس، قائلة: "بعد الهجوم على متحف باردو [في آذار/مارس 2015]، تمّ إلغاء 11 حجزاً لديّ. وعندما حصل اعتداء سوسة، كان عدد زبائني قليلاً جداً إلى درجة أنّ الاعتداء لم يؤثّر على الحجوزات". وتحافظ بن قاسم على تفاؤلها على الرغم من عمليّة التعافي البطيئة لقطاع السياحة.
فقد قالت: "لديّ أمل في المستقبل، لكن علينا إيجاد حلول للتحديات. أوّلاً، كيف يمكننا الحفاظ على مستوى عالٍ من الخدمات بينما ينخفض الدخل؟ ثانياً، كيف يمكننا تنويع ما نقدّمه كي لا يقتصر على السباحة والأكل فقط؟".
واعتبرت أنّ وزارة السياحة "قديمة الطراز" وليست منفتحة على فكرة تنويع القطاع السياحيّ.
لكنّ بن قاسم واثقة من أنّ قطاع السياحة التونسيّ قادر على الازدهار. وقالت: "لدينا تاريخ وإرث ثقافيّ غنيّان جداً. علينا التركيز على المنتديات والمهرجانات التثقيفيّة بدلاً من التركيز على روّاد الشواطئ فحسب".
ويحافظ سعدي بدوره على تفائله، قائلاً: "سوف نعود إلى المستوى الذي كنّا عليه سابقاً. فالناس يحبّون فندقنا ومدينتنا، والكثيرون منهم زبائن دائمون. لقد التقيت بامرأتين البارحة زارتا تونس 18 مرّة في السنوات الخمس الماضية".
عند السير في ردهة الاستقبال في فندق "إمبريال مرحبا"، يمكن بسهولة تصوّر ما كانت عليه. فهناك ثريّا جميلة من الكريستال تتدلّى من سقف يضمّ قناطر مفتوحة تطلّ على ردهة الاستقبال. لا عجب أنّ أشخاصاً كثيرين يعودون إلى هذا الفندق لأنّه ساحر بالفعل. ويأمل التونسيّون في كلّ أنحاء البلاد أن يكون هذا السحر وحده كافياً لتحفيز السيّاح على العودة.