في أوائل شهر نيسان/أبريل، مع تجدّد القتال بين أذربيجان وأرمينيا فوق مرتفعات قرة باغ أو ناغورنو قرة باغ المتنازع عليها وتصدّر هذا الخبر الوسائل الإعلامية في تركيا، كان الحديث قليلاً عن الدور البارز للأسلحة الإسرائيلية في التصادمات. فقط صحيفة حرييت التركية نقلت استخدام أذربيجان لطائرات هاروب الإسرائيلية من دون طيار، ما أثار موجة من التظاهرات الأرمنية.
واختصر المتحدّث بإسم حزب العدالة والتنمية عمر تشيليك سبب اهتمام الإعلام بهذه المسألة، قائلاً: "إنّ معركة أذربيجان هي معركتنا وشهداؤهم هم شهداؤنا". وبالفعل، تُعتبر أذربيجان الصديق الأقرب إلى تركيا وفق استطلاعات الرأي التركية في حين تنظر الاستطلاعات نفسها إلى إسرائيل كخطر كبير.
ولكنّ الغريب في الموضوع هو أنّ إسرائيل هي مموّن الأسلحة الرئيسي لأذربيجان وهذا موقف يطرح أسئلة كثيرة: لمَ التزم الأتراك الصمت في الوقت الذي تتقرّب فيه أذربيجان، أقرب أصدقائهم، من إسرائيل، ألدّ منافسيهم— إذا لم نقُل أعدائهم؟ أمّا الملحوظ، فهو صمت شريحتين من المجتمع التركي: الشريحة الأولى تتمثل بالأتراك القوميين المتشدّدين الذين يُعتبر وفاؤهم لأذربيجان شبه مطلق، والشريحة الثانية تتجسّد بالإسلاميين الذين لا يفوّتون فرصة للتصادم مع إسرائيل. إذاً، لمَ يتجاهل هذان الطرفان اللذان نادراً ما تصدّهما الشرطة التركية هذا التطوّر؟
توسّع التعاون بين إسرائيل وأذربيجان في الوقت الذي تدهورت فيه العلاقات بين إسرائيل وتركيا منذ حادثة سفينة مافي مرمرة في عام 2010.
قال ريتشارد غيراغوسيان الذي هو مدير مركز الدراسات الإقليمية المستقلّ في يريفان في أرمينيا للمونتيور:
"حلّت إسرائيل محلّ تركيا كراعٍ عسكري أساسي لأذربيجان كما أثبتت صفقة 2012 التي اشتملت على شراء أذربيجان طائرات من دون طيار وأنظمة الدفاع الصاروخي المضادّ للطائرات من شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية التي تملكها الدولة لقاء 1،6 مليار دولار".
وفسّر غيراغوسيان أنّ العلاقات الثنائية لا تقتصر على تجارة الأسلحة إذ أنّ اهتمامات الدولتين تلتقي في ثلاث نواحٍ أساسية هي "القطاع الأمني والعسكري بما في ذلك التعاون الاستخباراتي، وقطاع الطاقة والتجارة، والإستراتيجية الجغرافية والسياسية".
إذاً، لمَ يلتزم الإسلاميون والقوميون المتشددون الأتراك الصمت مع توسّع إسرائيل في أذربيجان؟ ثمة على الأقلّ تفسيران متداخلان لهذا التجاهل الواعي: صمت الإعلام والبراغماتية السياسية.
في تركيا، ثمة أمر غير مُعلن بإسكات الإعلام ومنعه من النشر بشكل عام، وليس فقط طمس الأخبار المضادّة لحزب العدالة والتنمية والتي تُعتبر غير مرضية للحكومة. وها هي وسائل الإعلام الرئيسية تتعب جهدها للتغاضي عن العلاقة بين إسرائيل وأذربيجان. ما يؤكّد هذا الأمر هو أنّ عدّة شخصيات بارزة من حركات إسلامية وقومية رئيسية زعمت أمام المونيتور أنها ليست على علم بمدى الصداقة الإستراتيجية التي تجمع بين الدولة الأقرب إلى تركيا في صداقتها وغريمتها الأبرز في المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أنّ إسلامياً واحداً فقط ولا أحد من القوميين المتشدّدين كان مستعدّاً للتعبير عن رأيه الصريح حول الموضوع والموافقة على نشره.
وقال رجل كهل يعتبر نفسه "بوزكورت" أو ذئباً (لقب لعضو في تنظيم الذئاب الرمادية التركي القومي المتطرّف) وعمل في تنظيم صفوف الشباب للمونيتور: "يسعد شبابنا لرؤية أذربيجان تنتصر. كنا نأمل أن تكون جميع الأسلحة المستعملة تركية ولكن لم نصل إلى هذه المرحلة بعد. وفي الوقت الحالي، لا يمكننا أن نبالغ في التعليق على هوية الدولة المصنّعة". وتجدر الإشارة إلى تركيا تبيع أسلحة لأذربيجان أيضاً.
لدى الإشارة إلى الوجود المتزايد للاستخبارات الإسرائيلية في أذربيجان وفي تجارة النفط والغاز، كانت سياسة الواقع سيّدة الأمر. ومتطرّقاً إلى السؤال بطريقة عابثة، قال عضو تنظيم الذئاب الرمادية: "إنّ العلاقات التركية بإسرائيل باتت أفضل بكثير وكذلك علاقات أذربيجان. فات الأوان على توجيه الاتهامات التي تلوم الطرفين. وقد تغيّرت الأيام".
بالفعل، تغيّرت الأيام إذ أنّ إحدى المقالات النقدية الأخيرة حول الموضوع للحكومة التركية تعود إلى عام 2011 وهو مقال نُشر في صحيفة حرييت. وقتها، طلبت تركيا من أذربيجان الحدّ من علاقاتها مع إسرائيل. وبات القول المأثور "إذا لم تستطع التغلّب عليهم، انضمّ إليهم" شعار الحكومة التركية الضمني للصداقة الاستراتيجية بين إسرائيل وأذربيجان. وخلف الكواليس، يبدو أنّ الكتلة التركية-الإسرائيلية-الأذربيجية فعّالة على جميع الجبهات تقريباً. بالنسبة إلى القوميين المتشددين، النصر المحتمل لأذربيجان على أرمينيا يفوق كرههم لإسرائيل.
لكنّ المجموعات الإسلامية التركية تختلف على هذه المسألة بشكل أكبر. فأغلبية هذه المجموعات تتلذّذ بأي خبر سلبي عن إسرائيل. وعلى الرغم من أنّ التهجّم على إسرائيل خفّ بشكل ملحوظ في العام الماضي، يمكن للمرء أن يجد بسهولة بعض مقالات الرأي المضادة لإسرائيل يومياً مع جرعة لا بأس بها من المقالات المناهضة لإسرائيل في وسائل الإعلام المحافظة. لذا من الصعب التخيّل أنّ هذه المجموعات اعتادت على فكرة الصداقة مع إسرائيل.
تكشف مقارنة بين نتائج دراسة مدركات السياسة الخارجية لجامعة قادر هاس لعاميّ 2015 و2016 والتي نُشرت في 18 أيار/مايو بوضوح كيفية تبرير الشعب التركي لصمته وتقبّله لتدفق الأسلحة الإسرائيلية إلى الأسواق في أذربيجان. ووفق الدراسة، ارتفعت نسبة الأتراك الذين يعتبرون أذربيجان صديقة من 37،2% في عام 2015 إلى 59،3% في عام 2016. كما أنّ نسبة الأشخاص الذين يعتبرون أنّ إسرائيل تشكّل تهديداً تراجعت من 42،6% في عام 2015 إلى 26% في عام 2016.
وقد أدّى تزايد التقارير والمقالات التركية المناهضة للولايات المتحدة وروسيا هذا العام إلى تغيّر ملحوظ في النظرة التركية إلى هاتين الدولتين اللتين يعتبرهما الأشخاص المشاركون في الدراسة أبرز خطرين بنسبة 44،1% و34،9% بالتتالي. ومن المعروف أنّ مدركات السياسة الخارجية تتأثر بشكل كبير بالتقلبات في نقل الأخبار، وهذا واضح في نتائج الدراسة التركية.
بالتالي، يبدو أنّ عدداً كبيراً من الأتراك قبلوا اعتذار إسرائيل على سفينة مرمرة واعتبروا الولايات المتحدة وروسيا دولاً تشكّل خطراً عليهم بدلاً من إسرائيل. اتصل موقع المونيتور بعثمان أتالاي من هيئة الإغاثة الإنسانية في تركيا المعروفة بتجمّعاتها ضدّ إسرائيل ولكنه رفض التعليق.
مع ذلك، إنّ بعض الإسلاميين مستعدّون للتعبير عن رأيهم مثل الحزب الإسلامي السلفي المحافظ المتشدّد والمستقلّ الذي لا يرتبط بالأنظمة الدينية المعروفة.
وقال 12 شخصاً يعتبرون أنفسهم سلفيين للمونيتور إنّ التظاهر ضدّ إسرائيل أو أذربيجان لا يستحقّ العناء لأنّ كليهما كافران.
وسأل صاحب محلّ من أديامان: "ماذا تتوقّعون من الشيعة؟ فهم كفّار، وبالطبع سيتعاونون مع اليهود". وكان هذا الحديث مفاجئاً لأنّ معظم منتقدي حكومة أذربيجان يعتبرون البلاد داعمة للدولة السنية الإسلامية. ومع ذلك ينطبق هذا السيناريو المربك على معظم الدول المسلمة.
كان رئيس مجلس إدارة جمعية إهلي بيت للطلاب قادر أكاراس الذي يمثّل الأتراك الشيعة جارحاً في نقده لإسرائيل خلال برنامج تلفيزيوني في نيسان/أبريل.
وسأل علناً: "نظرتنا إلى منطقة قرة باغ المتنازع عليها هي نفسها كنظرتنا إلى فلسطين وأرمينيا وإسرائيل سيان بالنسبة إلينا. لمَ لم يهرع التحالف الإسلامي الذي تقوده السعودية لنجدة أذربيجان؟"
ويُعتبر حزب الدعوة الحرّة الكردي الإسلامي أحد مناهضي التقارب بين تركيا وإسرائيل علناً. وكان المتحدّث بإسم الحزب سعيت شاهين واضحاً في موقفه وقال: "تدهورت سياسة تركيا المسالمة مع جيرانها كلياً إذ أنها أفسدت علاقاتها بروسيا ومنذ ذلك الحين، تبعث رسائل إيجابية لإسرائيل. بالتالي لا يمكننا أن نتوقّع أن تعترض تركيا على صداقة أذربيجان بإسرائيل".
بشكل عام، مع تعمّق التعاون الإستراتيجي بين إسرائيل وأذربيجان، نتذكّر من جديد أنّ المجموعات المتطرّفة في المجتمع التركي لا تزال تأخذ أوامرها من الحكومة وتتماشى سياستها مع الدولة. بالتالي من المبكر تحليل نتائج دراسة جامعة قادر هاس واعتبارها تغيّراً ملحوظاً في المشاعر المناهضة لإسرائيل في تركيا. أمّا التحليل المتّزن، فهو أنّ جميع الأمور يمكن التحكّم بها حتى الكراهية لإسرائيل إذا كانت تخدم مصالح هذه المجموعات.