سفر الأقباط إلى القدس، أزمة تثار سنويّاً قبل عيد القيامة المجيد بأيّام معدودة، وتتوالى الاتّهامات ضدّ الأقباط الذين يقرّرون السفر إلى القدس لزيارة الأماكن المقدّسة، بالتطبيع مع إسرائيل ومخالفة أوامر الكنيسة الأرثوذكسيّة التي ترفض سفر الأقباط إلى القدس، على الرغم من أنّ الكنائس الأخرى مثل الكنيسة الكاثوليكيّة لا ترفض ذلك، وترى أنّ السفر إلى القدس بغرض دينيّ لا يعتبر تطبيعاً مع إسرائيل.
ويعود تاريخ قرار منع الأقباط من السفر إلى القدس إلى الستينيّات، في عهد البابا كيرلّس السادس بسبب النزاع مع إسرائيل على دير السلطان في القدس الشرقيّة، حيث سلّمته إسرائيل إلى الرهبان الأحباش بعد طرد الرهبان المصريّين منه بعد حرب حزيران/يونيو 1967. واستمرّ القرار في عهد البابا شنودة الثالث خلال جلسة المجمع المقدّس في 26 آذار/مارس 1980، وجاء في القرار التالي:
"قرّر المجمع المقدّس عدم التصريح لرعايا الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة بالسفر إلى القدس هذا العام، في موسم الزيارة أثناء البصخة المقدّسة وعيد القيامة، وذلك لحين استعادة الكنيسة رسميّاً دير السلطان في القدس. ويسري هذا القرار ويتجدّد تلقائيّاً، طالما أنّ الدير لم تتمّ استعادته، أو لم يصدر قرار من المجمع بخلاف ذلك". ولكنّ القرار أخد صبغة سياسيّة عندما رفض البابا شنودة الثالث زيارة الأقباط إلى القدس بسبب رفضه التطبيع مع إسرائيل.
وعلى الرغم من سفر البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة إلى القدس لترأّس جنازة مطران القدس الأنبا أبراهام في 26 تشرين الثاني/نوفمبر، وتأكيده أنّ الزيارة غرضها تأدية واجب العزاء، ردّاً على الاتّهامات الموجّهة إليه وقتها بالتطبيع، إلّا أنّ البابا تواضروس الثاني يصرّ على موقف الكنيسة من خلال تصريحات عدّة له تؤكّد أنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة لم تغيّر موقفها وتصرّ على عدم السماح للأقباط بالسفر إلى القدس. وقال البابا تواضروس الثاني في تصريحات صحافيّة له: "لن ندخل لزيارة القدس إلّا مع إخواننا المسلمين، ومنذ حرب الـ67 ومن بعدها نصر الـ73 ومعاهدة السلام وموقف الكنيسة واضح فى هذا الأمر، فالمجمع المقدّس أصدر قراراً بعدم زيارة القدس، وهو الأمر الذي ترسّخ لدينا وهو عدم دخول القدس، إلّا مع إخواننا المسلمين".
وأكمل تواضروس الثاني: "هناك شقّان في هذا الأمر، الأوّل أنّ هناك بين ألفي 3 آلاف قبطيّ يعيشون في القدس، ويعملون في الصناعات الحرفيّة اليدويّة، فكيف يتمّ تسويقها؟ لا بدّ من وجود حجّاج أقباط ليشتروا تلك المنتجات، كما أنّ أيّ زيارة هي مساهمة في الوجود الفلسطينيّ هناك ودعم له، فزيارة القدس تدعمه وتدعم شعب فلسطين اقتصاديّاً".
وأضاف أنّ "الشقّ الثاني هو وجود بعض الحالات الإنسانيّة، فمثلاً هناك أسرة أولادها يعيشون في بلاد المهجر ويحملون جنسيّات غير مصريّة وليس لي حكم عليهم، لأنّهم يحملون جنسيّات أخرى، فهم يذهبون إلى القدس، ويريدون اصطحاب آبائهم وأمّهاتهم معهم، وفى هذه الحالة، لا أستطيع أن أرفض، كما أنّ هناك حالات إنسانيّة لكبار السنّ يسمح فيها بزيارة القدس".
وظلّ التساؤل مطروحاً: هل شجّعت زيارة البابا تواضروس الثاني إلى القدس، الأقباط على السفر إلى هناك، ومواجهة الاتّهامات بالتطبيع مع إسرائيل؟
وانطلقت رحلات الأقباط إلى القدس خلال الأيّام الماضية. وتفرض الجهّات الأمنية شروطاً معيّنة على الأقباط الذين يرغبون في السفر إلى القدس بألّا تقلّ أعمارهم عن الـ47 عاماً، وبضرورة الحصول على موافقة أمنيّة للسماح لهم بالسفر إلى القدس، وبأن تتراوح مدّة الزيارة بين أسبوع و10 أيّام.
وكشف وجيه رزق، وهو صاحب شركة سياحيّة لسفر الأقباط إلى القدس في تصريحات له لــ"المونتيور" أنّ "عدد الأقباط الذين يسافرون إلى القدس 6 آلاف قبطيّ، وأنّ الإجراءات الأمنيّة كانت أفضل هذا العام".
وأكمل رزق أنّ "سفر البابا تواضروس الثاني إلي القدس في العام الماضي لم يؤثّر في شكل كبير على سفر الأقباط إلي القدس، لأنّ هناك رغبة جارفة لدى الأقباط في زيارة الأماكن المقدّسة قبل سفر البابا، والأعداد دائماً في ازدياد متواصل، لأنّ برنامج الرحلة إلى القدس رائع وجذّاب للأقباط".
وأوضح رزق أنّ "الأمن لا يسمح للشباب القبطيّ بالسفر إلى القدس تماماً، والمسافرون كافّة من كبار السنّ، وأكثر المستفيدين من سفر الأقباط إلى القدس هو الشعب الفلسطينيّ، والزيارة هي بهدف دينيّ ولا علاقة لها بالسياسة، ومن حقّ الأقباط زيارة أماكنهم الدينيّة".
ودعا الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس في تصريحات عدّة له الدول العربيّة إلى زيارة القدس، مؤكّداً أنّ الزيارة تأتي لصالح القضيّة الفلسطينيّة.
ويرى المفكّر القبطيّ جمال أسعد، في تصريحات له أنّ أعداد الأقباط الذين سافروا إلى إسرائيل، تضاعفت خلال عام 2015، مشيراً إلى أنّ زيارة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة، للصلاة على روح الأنبا أبراهام مطران الكرسي الأورشليميّ والشرق الأدنى، ساعدت على ذلك.
وأكمل أسعد أنّ "زيارة الأقباط إلى القدس هو تهاون واضح حيال القضيّة الفلسطينيّة، وتطبيع علنيّ مع الكيان الصهيونيّ، وأنّ موقف البابا الراحل شنودة الثالث، بمنع السفر إلى إسرائيل، يدعم القضيّة الفلسطينيّة".
وصرّح المتحدّث باسم الكنيسة الأرثوذكسيّة القسّ بولس حليم أنّ "موقف الكنيسة ثابت لا يتغيّر تماماً تجاه سفر الأقباط إلى القدس، وهناك عقوبة روحيّة على من يخالف الكنيسة".
وأكمل أنّ "الكنيسة تسمح بالسفر فقط للحالات الكبيرة في السنّ لدوافع إنسانيّة، ولا تمنح أيّ تصاريح لغير ذلك".