أثارت دعوة نائب رئيس الهيئة البرلمانيّة لحزب المصريّين الأحرار الدكتورة نادية هنري إلى استبدال مادّة "الدين" بـ" القيم" وتدريسها في المدارس، جدلاً كبيراً في مجلس النوّاب وهجوماً من حزب النور السلفيّ والأزهر. وتقوم المدارس المصريّة بتدريس مادّة الدين طوال فترة دراسة الطالب من المرحلة الإبتدائيّة حتّى الثانويّة، ويتمّ فصل الطلاّب المسيحيّين عن زملائهم المسلمين لتدريسهم مادّة الدين، لكن رغم أهميّة تلك المادّة في التّعليم المصريّ، فإنّ نتيجة الطالب لا تتضمّن درجات مادّة الدين بسبب اختلاف إمتحانات الدين المسيحيّ عن الإسلاميّ وتحقيق مبدأ المساواة بين الطلاّب المسلمين والمسيحيّين، وتساهم المؤسّسات الدينيّة مثل الكنيسة الأرثوذكسيّة والأزهر في وضع مناهج الدين للطلاّب المسلمين والمسيحيّين.
وأكدت النائب نادية هنري صاحبة مقترح استبدال مادّة الدين بمادّة القيم في تصريحات خاصّة لـ"المونيتور" أنّها لم تدع إلى إلغاء مادّة الدين، لكن استبدالها بمادّة القيم، الّتي تجمع الآيات القرآنيّة وأخرى من الكتاب المقدّس لتأكيد عدد من القيم والمثل العليا، وقالت: "إنّ مادّة القيم يجب أن تتولّى مهمّة تدريسها مجموعة من التربوييّن ممّن لديها دراية بعلم المشورة وعلم النفس لزرع المواطنة وحب الآخر لدى الطلاّب".
ورفضت أن يتمّ تدريس مادّة القيم بجانب مادّة الدين، مؤكّدة أنّه لا بد من تقويم مادّة الدين ونتائجها طيلة الأعوام الماضية.
وأشارت نادية هنري إلى أنّ مادّة الدين لم تأت بنتائج واضحة في تغيير مفاهيم الأخلاق والقيم لدى المجتمع، منتقدة طريقة تدريسها في المدارس، والّتي تعتمد على فصل الطلاّب المسلمين عن المسيحيّين، وهم فيه أعمار صغيرة، ممّا يزرع الطائفيّة، وقالت: "إنّ مادّة القيم تزرع في الطلاّب مبادئ المواطنة من دون تمييز ومن دون إحساس بالأقليّة والأغلبيّة، ولا بدّ أن تعمل كلّ المؤسّسات معاً في ذلك، فالمؤسّسة الدينيّة ترسّخ العقيدة، والتعليميّة تطبّق ذلك في شكل قواعد سلوكيّة تعليميّة".
ودعت كلّ المعارضين إلى مقترح استبدال مادّة القيم بالدين بالجلوس إلى طاولة الحوار معها وتطوير المقترح، مشدّدة على أنّها لا تدعو إلى إلغاء الدين في المدارس، لكنّها تسعى إلى وضع طريقة أكثر تطوّراً في تعليمه.
وبرّرت هنري الهجوم على مقترحها بأنّ التغيير في المورثات تصاحبه صدامات مجتمعيّة، لكن لا بدّ من إعادة النّظر في طريقة تدريس الدين في المدارس، والّتي تأتي بنتائج سلبيّة بسبب فصل الطلاّب على أساس الدين وعدم توفير مدّرسين متخصّصين في تدريس مادّة الدين، ممّا أدّى إلى عدم التوصّل إلى النتائج الّتي يرغب المجتمع في الوصول إليها بتدريس تلك المادّة، وقالت: "إنّ مادّة القيم تواجه أيّ بذور للإلحاد قد تصيب الطالب لأنّه يفهم الآخر ويستوعب الجميع".
وأشارت إلى أنّّها "ستواصل الدفاع عن مقترحها، وذلك بعد انتهاء لجنة التعليم في حزب المصريّين الأحرار من إعداده لتقديمه إلى مجلس النوّاب.
وكشفت عن إعدادها لعقد ورش عمل تجمع تربويّين ورجال دين ومتخصّصين في العلوم الإنسانيّة ورموزاً من الإعلام والثقافة لوضع ضوابط ومعايير لمادّة دراسيّة جديدة تحت مسمّى "القيم"، مؤكّدة أنّها لن تتأثّر بحملات الهجوم عليها في المواصلة لتنفيذ مقترحها مع ترحيبها بسماع الآراء كافّة، وقالت: "إنّها قيادة دينيّة داخل الكنيسة الإنجيليّة، ممّا يؤكّد حرصها على تعليم الأجيال الجديدة للدين".
وأوضحت هنري أنّ مادّة القيم تساهم في ترسيخ مفاهيم الإسلام الوسطيّ للطلاّب سويّاً مسلمين ومسيحيّين، فالطالب المسيحيّ يتعلّم آيات قرآنيّة عن التسامح وحب الآخر. أمّا الطالب المسلم فيدرس آيات من الكتاب المقدّس عن المحبّة والعطاء. وبالتّالي، تحقّق المواطنة في شكل حقيقيّ من دون شعارات".
وأصدرت هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف بياناً وصفت به دعوة هنري إلى إلغاء مادّة الدين بأنّها تضرّ بمكانة الأزهر وبالهويّة.
ولقد لقي بيان الهيئة ترحيباً لدى نوّاب حزب النور السلفيّ، بحيث أشاد به النائب البرلمانيّ عن حزب النور أحمد الشريف في تصريحات صحافيّة، مؤكّداً أنّ مقترح إلغاء مادّة الدين غير موفّق.
وحذّر المهندس عبد المنعم الشحات، وهو المتحدّث باسم الدعوة السلفيّة، والّتي يعتبر حزب النور ذراعها السياسيّة، من الانصياع لمطالبات البعض بحذف مادّة التربية الدينيّة من المدارس، وأوضح في تصريحات أنّ المجتمع بكلّ طبقاته في حاجة ماسّة إلى زيادة الجرعة الدينيّة في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام.
ومن جهته، علّق عضو مجمّع البحوث الإسلاميّة الدكتور محمّد الشحات الجنديّ على الدعوة إلى استبدال مادّة القيم بمادّة الدين في تصريحات صحافيّة، أنّها ستكون بوّابة تمهّد للتحلّل من أحكام أساسيّة في الدينين الإسلاميّ والمسيحيّ، وأنّها محاولة للتشبّه بالغرب، وهو أمر غير صحيح.
وقوبل مقترح هنري بردّ فعل متباين بين نوّاب البرلمان، بحيث دعمت عضو مجلس النوّاب آمنة نصير مبادرة إلغاء مادّة التربية الدينيّة من المناهج التعليميّة واستبدالها بمادّة سلوكيّات وأخلاقيّات، معتبرة "أنّ الإسلام والمسيحيّة أكّدا ضرورة وجود أخلاقيّات وسلوك قويم فى التّعامل مع الآخرين، ويجب أن تشمل مادّة القيم ما ورد في المسيحيّة والإسلام من نصوص يتّفق عليها الجميع" .
وبدوره، أعلن عضو مجلس النوّاب المستقلّ النائب محمّد إسماعيل أنّه سيتقدّم ببيان عاجل إلى وزير التربية والتعليم للمطالبة باحتساب درجات مادّة التربية الدينيّة ضمن درجات المجموع، ردّاً على مقترح إلغاء مادّة الدين واستبدالها بمادّة القيم ومعاملتها مادّة نجاح ورسوب، للقضاء على الأميّة الدينيّة ولمنع تسلّل الأفكار المتطرّفة إلى المجتمع.