عامودا - في خضم الصراع القائم في سوريا عموماً، وفي المناطق الكرديّة خصوصاً، لا نزال نجد الصراع الكرديّ - الكرديّ، والكرديّ - العربيّ أيضاً. ومع اقتراب العام الخامس للثورة السوريّة، فالكثير من المناطق السوريّة باتت مدمّرة مثل حمص وحماة، وهجّر سكّانها سواء أكان عنوة أم خوفاً، لكنّ المناطق الكرديّة (روج آفا كردستان)، ومقارنة تأثّرت بالحال السوريّة عموماً، لكنّها بقيت نوعاً ما محافظة على بنيتها التحتيّة ومؤسّساتها الّتي كانت قد قامت في زمن النظام السوريّ.
لقد تحدّث رئيس الهيئة التنفيذيّة في الإدارة الذاتيّة الديموقراطيّة لمقاطعة الجزيرة أكرم حسو، وهو من مواليد عام 1970 وخريج كليّة الحقوق من جامعة حلب، لـ"المونيتور" عن المصاعب والمتاعب الّتي تواجههم ودماء أبنائهم الّتي كانت الثمن الباهظ الّذي دفعوه من أجل سلامة المناطق الكرديّة، وفي ما يلي تفاصيل الحوار:
المونيتور: ما هو الوضع الراهن على الأرض، ومن هم اللاّعبون الرئيسيّون؟ وهل تعتقدون بأنّكم منفردون في الساحة أم هناك شركاء لكم؟
حسو: يتمثّل جميع شعوب روج آفا بالمؤسّسة الوطنيّة الممثّلة بالإدارة الذاتيّة الديموقراطيّة المشتركة فيها كلّ شعوب روج آفا كردستان من عرب وسريان بقيادة كرديّة. إذاً، هذا هو الوضع الميدانيّ في مناطق روج آفا كردستان. وهذه الإدارة الذاتيّة تضمّ كلّ المؤسّسات الخدميّة والعسكريّة، إضافة إلى تشكيلها قوّة واجب الدفاع الذاتيّ. ولقد أثبتت هذه المؤسّسة الوطنيّة جدارتها في الداخل والخارج، إذ استطاعت خلال سنتين من عمرها تجاوز الكثير من الصعاب وقيادة المرحلة وإيجاد صيغة لبناء سوريا جديدة، سوريا إتحاديّة فيدراليّة مبنيّة على الأسس والحقائق التاريخيّة والجغرافيّة لهذه الشعوب.
المونيتور: كيف ستحافظون على مناطقكم الّتي تسيطرون عليها في ظلّ هذه الظروف؟
حسو: بالنّسبة إلى الإدارة الذاتيّة هناك قوّة عسكريّة تحت سقفها تستطيع حماية المناطق الّتي تحرّرها. أمّا مشكلتنا فتكمن في الدعم الماديّ والخدمات لأنّ أعباءنا تزداد، فالمناطق المحرّرة من قبل قوّاتنا العسكريّة تقوم الإدارة الذاتيّة بتوفير مستلزمات الحياة اليومية والمعالجة الطبيّة لها بغض النظر عن ساكني المنطقة.
المونيتور: تمّ إعلان مجلس سوريا الديمقراطيّة في 8 و9 كانون الأوّل من عام 2015 خلال مؤتمر الرياض الّذي انعقد في 12/12/2015، فما الغاية من هذا المجلس؟
حسو: مجلس سوريا الديمقراطيّة هو نتاج مناقشات وحوارات للقوّة الفاعلة والأساسيّة المتواجدة على الأرض، حيث تملك في يدها زمام القرارين السياسيّ والعسكريّ. وهذه القوّة حضرت المؤتمر، وهو يختلف عن مؤتمر الرياض الّذي انعقد تحت أجندات إقليميّة ولمصالح إقليميّة بعيدة عن مصلحة الشعب السوريّ. وتأكيداً على ذلك، كانت الهيئة المنتخبة من ضمن مؤتمر الرياض، وكانت هناك تدخّلات في تشكيل وفد التفاوض الّذي أثبت عدم جدارة مقرّرات المؤتمر.
المونيتور: ما هدفكم الآن، خصوصاً أنّ طلبكم لحضور مؤتمر جنيف 3 رفض؟ ولمَ تعتقد أنّه رفض؟
حسو: نحن داعمون لأيّ مؤتمر يدعو إلى إيجاد حلّ سياسيّ لسوريا، ولكن وفق أسس ومبادئ خاصّة. وإبعادنا عن مؤتمر جنيف 3 جاء نتيجة ضغوط إقليميّة من تركيا، السعوديّة وقطر، وبعض الأحزاب المشاركة في الإئتلاف السوريّ المعارض. ونستطيع القول إنّ الإدارة الذاتيّة هي من أفضل المستفيدين من مؤتمر جنيف 3، خصوصاً أنّ قسماً من القوّة الدوليّة أصرّ على حضورها، وهذا يعتبر إنجازاً كبيراً لنا. وأقصد بتلك القوّة الدوليّة روسيا وأميركا، فلو لم يكن الأميركيّون داعمين للإدارة الذاتيّة لما كان هناك لقاء في اليوم التّالي من إنعقاد مؤتمر جنيف في روج آفا كردستان على مستوى عالٍ جدّاً. وضمّ الوفد الزائر لروج آفا قيادات عسكريّة برئاسة مبعوث الرئيس الأميركيّ بريت مكجورك، قائد قوّات التّحالف الدوليّ في سوريا العراق، قائد قوّات المهام الخاصّة البريطانيّة، وقائد قوّات المهام الخاصّة الفرنسيّة. لقد كان الوفد على مستوى عالٍ جدّاً، وعقد لقاءات على مدار يومين وإجتماعاً مع منسقيّة الإدارة الذاتيّة لمدّة يوم كامل، وتمّ تدويل طرح الإتحاديّة الفيدراليّة لسوريا، الّذي تبنّته الإدارة الذاتيّة كأساس حلّ وكميثاق عقد إجتماعيّ، مؤكّدة على الفيدراليّة لسوريا لأنّها تدعو إلى بناء سوريا جديدة إتحاديّة فيدراليّة، وهذه الفيدراليّة يجب أن تكون مبنيّة على الأسس والحقائق التاريخيّة والجغرافيّة لهذه الشعوب، وخصوصاً للشعوب الكرديّة.
المونيتور: مع إحكام الحصار على كردستان سوريا أو روج آفا كردستان، كيف ستتمكّنون من تأمين لقمة العيش للناس وحمايتهم من الأسعار المرتفعة وتفادي ما حصل في مضايا؟
حسو: نحن نعاني من حصار جائر من طرف الدولة التركيّة بسبب سياساتها وفشل ربيبتها "داعش" في المنطقة الكرديّة. كما نعاني من حصار وعراقيل من الجانب العراقيّ، وخصوصاً من الأشقّاء في باشور كردستان أيّ إقليم كردستان العراق، نتيجة تضارب سياسات معيّنة بمواضيع معيّنة، ولكن روج آفا كردستان تمتلك بنية تحتيّة قويّة جدّاً، ونحن كإدارة ذاتيّة وكلّ القوّة العاملة في روج آفا نريد صياغة الإمكانات والبينة التحتيّة من جديد بعد الدمار الّذي لحق بها. وبالنّسبة إلى موضوع الغلاء وارتفاع الأسعار، فمنطقة الشرق الأوسط ككلّ تعاني من هذا الغلاء، والسبب الرئيسيّ ارتفاع قيمة الدولار.
المونيتور: هل هناك علاقات سياسيّة بينكم وبين إقليم كردستان العراق أو الدولة التركيّة؟
حسو: منذ بداية إعلان الإدارة الذاتيّة، نمدّ يدّ الأخوّة إلى أهالي باشور كردستان كونهم شعباً واحداً والجغرافيّة واحدة، ولكن نتيجة رؤية محدّدة في مسائل معيّنة يبرز اختلاف في وجهات النظر حول مواضيع معيّنة، وإذا قلنا اختلافاً فهذا لا يعني خلافاً. لا يوجد أيّ خلاف بين روج آفا كردستان وباشور كردستان فهناك اختلاف حول رؤية وتحليل موضوع معيّن، والإختلاف لا يعني الخلاف، فنحن نعمل بكلّ طاقاتنا على إزالة هذه العراقيل وتأسيس بنية جديدة لعلاقات أفضل. أمّا بالنّسبة إلى الدولة التركيّة، فمنذ تأسيس الإدارة الذاتيّة بعثنا رسائل إلى الأشقّاء الأتراك والحكومة التركيّة لمدّ يدّ الجار. ورغم تدخّل الأتراك في شأني روج آفا وسوريا، إلاّ أنّ الإدارة الذاتيّة مصرّة على مدّ يدّ الأخوّة إلى الشعب التركيّ، الّذي نناشده الضغط على حكومة رجب طيّب أردوغان المسيئة إلى علاقات حسن الجوار.
المونيتور: ما طبيعة علاقاتكم الإستراتيجيّة مع أوروبا والولايات المتّحدة الأميركيّة، تحديداً بعد زيارة الوفود الغربيّة كوزير الخارجيّة الفرنسيّة الأسبق برنار كوشنير والوفود الأميركيّة الأخيرة لمناطقكم في روج آفا كردستان بعد جنيف 3؟
حسو: في بداية ثورة روج آفا كان هناك تهميش ممنهج من دول إقليميّة لا ترغب في وجود إقليم كرديّ مجاور لها مثل تركيا، وحتّى من المعارضة السوريّة الّتي تنادي بالديموقراطيّة ولا تملك شيئاً منها، لكنّ نضال شعوب روج آفا وبقيادة الشعوب الكرديّة أثبت مصداقيّته لدى شعوب العالم بأنّه المدافع الحقيقيّ عن الديموقراطيّة في الشرق الأوسط وهدفه بناء سوريا جديدة إتحاديّة فيدراليّة لجميع شعوبها. ولهذا، فإنّ علاقاتنا مع أوروبا والتّحالف الدوليّ هي علاقات مصالح مشتركة لبناء الديموقراطيّة في سوريا ودحر "داعش"، وفي النهاية لبناء نظام جديد في الشرق الأوسط الجديد لكلّ الشعوب الموجودة في سوريا لنيل حقّها، وخصوصاً الشعوب الكرديّة.
المونيتور: هل أنتم قادرون على قيادة الإقليم الكرديّ وحدكم في شكل منفصل عن المجلس الكورديّ؟ وهل من علاقة أو محادثات مستمرّة؟
حسو: إنّ "المجلس الوطنيّ الكورديّ" هو مظلّة سياسيّة جامعة لقسم من جماهير الكرد في روج آفا، لكنّه استغلّ من قبل أطراف سياسيّة هيمنت عليه وجرّدته من اسمه وخصوصيّته واغتصبت قراره السياسيّ. أمّا الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة فبنت كلّ ما نجده الآن، بعيداً عن المجلس الوطنيّ الكورديّ، وبقدراتها الخاصّة وبدعم من جماهيرها وبفضل المقاومة التاريخيّة لأبطال وحدات حماية الشعب، إضافة إلى وحدات حماية المرأة وأسايش روج آفا على جبهات القتال، وبفضل دماء الشهداء الّذين ضحّوا في سبيل بناء روج آفا. إذاً، إنّ الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة بكلّ شعوبها قادرة، ليست فقط، على إدارة روج آفا، بل تستطيع إدارة سوريا بالكامل.