لم تمض أيّام على قرار دول الخليج العربيّة تصنيف "حزب الله" منظّمة إرهابيّة في 2 آذار/مارس من عام 2016 حتّى توالت الخطوات العمليّة والإجراءات التنفيذيّة الصادرة عن الحكومات بما يشبه سلّة من العقوبات، تطال في شكل مباشر الأجهزة التابعة لـ"حزب الله" أو تلك المتعاملة أو الداعمة له. وإنّ أولى تلك الإجراءات صدرت عن المملكة العربيّة السعوديّة، حيث أعلنت وزارة داخليّتها تصنيف أربع شركات وثلاثة أشخاص إرهابيّين لإرتباطهم بـ"حزب الله"، وفرضت عليهم عقوبات قاضية بتجميد الأصول التابعة لهم. كما حظّرت مواطنيها والمقيمين على أراضيها من التعامل معهم، وذلك إستناداً إلى مرسوم ملكيّ (رقم أ/44) يستهدف الإرهاب وداعميه. كما أعلنت وزارة الداخليّة السعوديّة في 13 آذار/مارس من عام 2016 عزمها ملاحقة أيّ متعاطف أو متعاون أو مموّل لميليشيا "حزب الله" سواء أكان مواطناً أم مقيماً.
ويوم الخميس الواقع في 17 مارس/آذار من عام 2016، استيقظ لبنان على ما عنونته جريدة "السياسة الكويتيّة": "لبنانيّون وسوريّون وخليجيّون على قائمة منع الدخول والإبعاد وعدم تجديد الإقامة"، ومفاد الأمر أنّ السلطات الأمنيّة الكويتيّة منعت دخول عدد من اللبنانيّين والسوريّين ممّن لهم علاقات بتنظيمات إرهابيّة سواء أكان "حزب الله" أم تنظيم “داعش"، وذلك رغم وجود إقامات صالحة لديهم. وفي اليوم نفسه، أشارت صحيفة "عكاظ" السعوديّة القريبة من دوائر صنع القرار في المملكة، وتحت عنوان "طرد وزراء حزب الله من المؤتمرات العربيّة" إلى احتمال منع الوزراء التابعين لـ"حزب الله" أو المتحالفين معه وعددهم ثمانية، وهم يتولّون حقائب الخارجيّة والثقافة والنقل والصناعة والطاقة والتّعليم ووزارتي دولة لشؤون مجلس النوّاب والأشغال، من المشاركة في إجتماعات مجلس الجامعة العربيّة. كما رجّحت تلك المصادر اتّساع دائرة الالتزام بهذا القرار، خصوصاً أنّ الحزب أصرّ على الاستمرار في نهجه الاستفزازيّ، بدلاً من الاهتمام بمراجعة مواقفه والتراجع عن سياساته. وفي هذا الموقف إشارة إلى مواقف الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله الأخيرة، لا سيّما خطابه في 6 آذار/مارس من عام 2016، وذلك عقب قرار الجامعة العربيّة بتصنيف "حزب الله" منظّمة إرهابيّة. ففي 11 آذار/مارس من عام 2016، صعّد حسن نصرالله في وجه الدول العربيّة، لا سيّما السعوديّة، إذ أشار إلى أنّ هذه الأخيرة فشلت في سوريا واليمن، وهي تحاول تحميل "حزب الله" مسؤوليّة فشلها، وقال: "غضبوا علينا فطال غضبهم كلّ لبنان". ولعلّ الإجراءات التنفيذيّة الّتي قامت بها الدول الخليجيّة لتضييق الخناق على "حزب الله" ومناصريه أتت بشكل "ردّ على الردّ" أيّ ردّ على مواقف نصر الله، الّذي آثر التّصعيد على التهدئة أو محاولة إحتواء الأزمة.
تقف الحكومة اللبنانيّة عاجزة أمام تدهور الأمور، فالإنقسام السياسيّ بين مكوّناتها، أيّ بين من هو موالي أو تابع لـ"حزب الله" المعروف بفريق 8 آذار، ومن هو مناوىء له، شلّ قراراتها كافّة. وما يزيد الطين بلّة أنّ آلية إتّخاذ القرارات الّتي أقرّت بفعل غياب رئيس الجمهوريّة، الّذي يترأس الجلسات وفق أحكام الدستور، أعطت حقّ الفيتو للوزير الواحد، فكلّ قرار لكي يمرّ يجب أن يحظى بموافقة الجميع من دون استثتاء، وهذا قلّما يتوافر. أمّا رئيس الحكومة فهو في وضع لا يحسد عليه، فصحيح أنّه يعترض علناً على مواقف "حزب الله" ويبدي تضامنه مع دول الخليج، ولكنّه يعلم أنّ "وجود الحكومة ووجود حزب الله داخلها يوفّر لهذا الأخير الغطاء في سياساته الداعمة لإيران وفي حملته ضدّ دول الخليج ويبرّر ردّة فعل تلك الدول التي لا ترى داعياً إلى الإستمرار في دعم دولة يسيطر عليها مكوّن يكنّ لها العداء. حتّى قرار استقالة الحكومة، الّذي كان قد يكون الحلّ الأنسب لو أنّ البلاد لا تعيش فراغاً رئاسيّاً، ليس بالموضوع السهل فهو إن إستقال، يسحب عبر استقالته الغطاء عن "حزب الله"، ولكن من يقول إنّ تشكيل حكومة محايدة، لا بل مجرّد تشكيل حكومة أخرى أيّاً كانت خياراتها، ممكن في ظلّ غياب رئيس الجمهوريّة؟ ففي الواقع إنّ الإستقالة تزيد الفراغ الدستوريّ فراغاً وتفتح الباب أمام مراجعة إتّفاق الطائف، الّذي طالما كانت الدول العربيّة، لا سيّما السعوديّة، أولى الداعمين له.
ومن هذا المنطلق، فإنّ بقاء الحكومة "ضرورة دستوريّة"، قال لـ"المونيتور" الناطق الإعلاميّ باسم تيّار "المستقبل" راشد فايد.
أمّا فريق 14 آذار المناوىء لـ"حزب الله" فلا يبدو قادراً على مواجهته بشكل تطمئن إليه دول الخليج العربيّ، وهو الّذي طالما صنّف في خانة الحليف لها. وأوّل ما يفتقر إليه هذا الفريق هو استراتيجيّة واحدة لمواجهة "حزب الله" والتكلّم بصوت واحد لا بأصوات عدّة، فمنهم من آثر الإستقالة من الحكومة مثل الوزير أشرف ريفي، ومنهم من فضّل البقاء فيها مثل وزير الداخليّة والبلديّات نهاد المشنوق، وينتمي الإثنان إلى تيّار "المستقبل"، ومنهم أمثال حزب "القوّات اللبنانيّة" من رفض الإشتراك في حكومة واحدة مع "حزب الله" لإعتراضه على سياسات هذا الأخير. وفي الواقع، إنّ استحقاق الإنتخابات الرئاسيّة زاد من تشتّت صفوفه وفاقم من انقساماته الداخليّة. كما أنّ عدم إتّفاق مكوّناته على مرشّح واحد من صفوفها، لا بل تبنّيها مرشّحين إثنين من صفوف الفريق الخصم متحالفين مع "حزب الله" زاد الإنطباع السائد أنّ هذا الفريق هو بمثابة المغلوب على أمره، لا بل أقلّ شاهد زور.
والسؤال اليوم، كيف ستتعامل الحكومة اللبنانيّة مع تصنيف "حزب الله" دولة إرهابيّة، وهو جزء لا يتجزّأ منها؟ وكيف سيبرّر تيّار "المستقبل" استمرار الحوار مع هذا الحزب، والّذي لم ينقطع رغم الأزمة المستجدّة مع الدول العربيّة؟ فقال راشد فايد لـ"المونيتور": لدول الخليج والدول الغربيّة اعتباراتها المحقّة لإطلاق صفة التّنظيم الإرهابيّ على "حزب الله"، لكنّ الأمور مختلفة من موقعنا كلبنانيّين، ونحن نرفض معظم ممارساته ونقرّ بخطورتها، ونعتبره فريقاً مخلاًّ بالأمن اللبنانيّ، فهل نقطع يدنا لأنّ هناك وشماً عليها؟ هناك جزء من اللبنانيّين ما زال يدعم حزب الله، فلا يمكننا عزله.