رام الله، الضفّة الغربيّة - أكّدت الأردن على لسان وزير الأوقاف والشؤون الدينيّة هايل داود في بيان صحافيّ بـ24 آذار/مارس أنّها ماضية في تركيب كاميرات المراقبة في باحات المسجد الأقصى خلال الأيّام المقبلة من دون أن تحدّد موعداً لذلك. ويأتي هذا التّأكيد، بالتزامن مع لقاء جمع نائب رئيس الوزراء الأردنيّ وزير الخارجيّة ناصر جودة مع الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس في مقرّ المقاطعة بمدينة رام الله في 24 آذار/مارس أبدى خلاله الأخير الموافقة على ما توافق عليه الأردن في شأن وضع المسجد الأقصى، بما في ذلك مشروع الكاميرات.
وتتمتّع الأردن بحقّ الوصاية على المسجد الأقصى ومرافقه الواقعة على مساحة 144 دونماً، والّتي تضمّ: الجامع القبليّ، المسجد المروانيّ، مسجد قبّة الصخرة، وكلّ مبانيه وساحاته منذ "بيعة" الشريف الحسين بن عليّ في 11 آذار/مارس من عام 1924، واستمرّت بعد ذلك مع انضمام الضفّة الغربيّة للأردن بعد حرب 1948، وبموجب القانون الدوليّ، الّذي يعتبر الأردن آخر سلطة محليّة مشرفة على تلك المقدّسات قبل احتلالها من جانب إسرائيل في عام 1967، وبعد ذلك بما نصّت عليه إتفاقيّة السلام الأردنيّة - الإسرائيليّة الموقّعة في عام 1994، إلى أن وقّع عبّاس إتفاقيّة الوصاية مع الملك عبد الله الثاني في 31 آذار/مارس من عام 2014.
وتشمل الوصاية الاردنية متابعة الاردن لمصالح الأماكن المقدسة وقضاياها في المحافل الدولية ولدى المنظمات الدولية المختصة بالوسائل القانونية المتاحة، والإشراف على مؤسسة الوقف في القدس وممتلكاتها وإدارتها وفقا لقوانين المملكة الأردنية الهاشمية.
وقال ناصر جودة عقب لقاء عبّاس بشأن تركيب الكاميرات: "إنّها مبادرة أردنيّة، الهدف منها كشف كلّ الانتهاكات أو الإساءة للأماكن المقدّسة، خصوصاً أنّ الكاميرات تمّ اختيارها أردنيّاً، والرئيس عبّاس أكّد دعمه للمبادرة الأردنيّة، ومصرّون على هذه الإجراءات لحماية الأقصى والمصلّين".
وأعلنت وزارة الأوقاف الأردنيّة في 20 آذار/مارس عن شرائها الكاميرات وفحصها من قبل متخصّصين ومهندسين، حيث ستتمّ متابعة عمليّة تركيبها من قبل المختصين الاردنيين، بعد أن انتهت الإجراءات والدراسات الفنيّة للتركيب ومرحلة البنية التحتيّة كتمديد الأسلاك الكهربائيّة وغيرها والتي كانت تشرف عليها وزارة الاوقاف الاردنية.
ولقد حظي إعلان الأردن عن نيّتها تركيب كاميرات في المسجد الأقصى نتيجة اتفاق بين الاردن واسرائيل تحت رعاية وزير الخارجية الامريكي في 25 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2015 ، بسبب تكرار اقتحام المسجد من المستوطنين وما يسببه ذلك من مواجهات يومية مع المرابطين بجملة انتقادات، إذ قال نائب رئيس الحركة الإسلاميّة في أراضي 48 كمال الخطيب لـ"المونيتور": "نحن لا نشكّ في النوايا الأردنيّة، لكنّنا نعتقد أنّ هذه الكاميرات ستكون عيوناً للإحتلال لرصد المصلّين، الّذين يتصدّون لاقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى".
أضاف: "شبكة الإنترنت في القدس تابعة لأجهزة الإتّصالات الإسرائيليّة، وأجهزة الإحتلال الأمنيّة بما تملكه من تقنيّات قادرة على اختراق الكاميرات ورصد ما تبثّه، الأمر الّذي سيمكّنها من متابعة المرابطين والمصلّين في الأقصى".
ومن جهته، أشار رئيس مركز القدس الدوليّ (جمعية) ورئيس الهيئة الإسلاميّة - المسيحيّة سابقاً حسن خاطر لـ"المونيتور" إلى أنّ الفلسطينيين المقدسيّين يرفضون تركيب الكاميرات في المسجد الأقصى، بسبب تجربتهم السيّئة السابقة معها خلال السنوات الماضية، والّتي زرعتها الحكومة الاسرائيلية وتزيدها بين فترة واخرى في شوارع وأزقّة القدس القديمة واستخدمتها في ملاحقة المقدسيّين واعتقالهم وإبعادهم عن المدينة، وقال: "رغم بعض الفوائد لهذه الكاميرات، لكنّ مضارّها أكبر، خصوصاً على الصعيد الأمنيّ وملاحقة المصلّين".
وأوضح حسن خاطر أنّ تركيب الكاميرات ستترتّب عليه تداعيات خطيرة، إذ أنّها إمّا ستسهّل اقتحام المستوطنين وقوّات الإحتلال الأقصى من دون التصدّي لهم من قبل المرابطين خشية ملاحقتهم، وإمّا ستشنّ حملة ملاحقة في حقّهم لتصدّيهم للمستوطنين بعد رصدهم والتعرّف عليهم.
وتعود جذور مشروع كاميرات المراقبة إلى إتّفاق بين الأردن وإسرائيل برعاية وزير الخارجيّة الأميركيّ جون كيري في 25 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2015، ويقضي بتركيب كاميرات في الباحات الخارجيّة للمسجد الأقصى فقط، لكنّه لم يدخل حيّز التنفيذ في ذلك الوقت بسبب اشكاليات تقنية، وجرى تنفيذه الان لدحض مزاعم قوات الاحتلال، التي طالما ادعت بأن الفلسطينيين كان وراء تدخلاتهم المستفزة في شؤون المسجد الأقصى، ووراء اقتحاماتهم المسلحة له وفق ما اعلن المتحدث الرسمي باسم الحكومة الاردنية محمد المومني.
إنّ وزارة الأوقاف الأردنيّة تشرف على مشروع الكاميرات من دون تدخّل أو تنسيق مع نظيرتها الفلسطينيّة، إذ نفى وزير الأوقاف الفلسطينيّ يوسف إدعيس لـ"المونيتور" أن يكون لدى وزارته علم بهذا المشروع أو جرى التنسيق معها من قبل وزارة الأوقاف الأردنيّة"، وقال: "هذا شأن أردنيّ، وليس لدينا علم به، بحكم وصاية الأردن على المسجد الأقصى".
وعن إيجابيّات هذا المشروع وسلبيّاته، قال يوسف إدعيس: "لا يمكن الحكم على المشروع وهو لم يطبّق على الأرض، ومن دون وجود تصوّر لدينا عن كيفيّة إدارته".
ومن جهته، قال مستشار عبّاس للشؤون الدينيّة محمود الهبّاش لـ"المونيتور": "ليست لدينا شكوك بالنوايا الأردنيّة الطيّبة في تركيب الكاميرات لرصد الإنتهاكات الإسرائيليّة، لكن لدينا تخوّفات تجاه النوايا الإسرائيليّة من استخدام تلك الكاميرات لإلحاق الضرر بالمصلّين والمرابطين أو المسجد الأقصى نفسه".
أضاف: "نحن نخشى من أن تخترق إسرائيل هذه الكاميرات وتستخدمها لملاحقة المصلّين والمرابطين داخل الأقصى أو فرض أمر واقع فيه، كوننا نرفض أيّ تدخّل إسرائيليّ في المسجد، وهذا إن حدث فإنّه سيدفع الأردن إلى إزالتها".
ودافع مستشار ديوان الرئاسة الفلسطينيّة لشؤون القدس أحمد الرويضي في حديث مع "المونيتور" عن المشروع الأردنيّ قائلاً: "طالما أنّ الأردن مكلّفة بالوصاية على المسجد الأقصى المبارك فهي تقرّر الطرق الملائمة لحمايته، خصوصاً أنّ الكاميرات وسيلة لتوثيق إنتهاكات إسرائيل وبثّها إلى جميع المسلمين حول العالم".
وأوضح أنّ الكاميرات (55 كاميرا) ستوضع في الباحات الخارجيّة والمناطق الّتي تشهد إقتحامات من قبل المستوطنين ويؤدّون فيها صلوات تلموديّة وتوراتيّة لاستخدامها كوثيقة سياسيّة وقانونيّة ضدّ إسرائيل في المحافل الدوليّة.
وكان وفد من أوقاف القدس وشخصيّات دينيّة من القدس، التقى العاهل الأردنيّ الملك عبد الله الثاني في عمّان بـ4 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2015، وعرض عليه مخاوفه وتحفّظاته من مشروع الكاميرات المنوي تنفيذه، واستمع إلى شرح من عبد الله الثاني حول جهود الأردن في حماية المقدّسات.
وقال أحمد الرويضي: "الأردن تعهّدت بعدم السماح باستخدام الكاميرات لإلحاق أيّ ضرر بالمرابطين والمرابطات في الأقصى، بل هي ستراقب كلّ ما يحدث في المسجد من اعتداءات إسرائيليّة".
ومع قرب انتهاء السلطات الاردنية الانتهاء من العمل بالبنية التحتية للكاميرات بانتظار تركيبها في الباحات الخارجية للمسجد والذي لم يحدد موعد لتلك الخطوة، فأن هدف هذه الكاميرات سيقتصر على تسجيل وتوثيق اقتحامات المسجد الاقصى ومسار المستوطنين فقط وتوثيق ذلك، لامكانية استخدام تلك التسجيلات في المحاكم الدولية او في العمل الدبلوماسي للضغط على اسرائيل، دون ان يكون هناك اي تدخل على الارض من قبل احد لمنع اي انتهاك او اختراق لحرمة المسجد.
وختاماً، إنّ مشروع تركيب الكاميرات سيكون أمام اختبار وأسئلة صعبة، أبرزها جدوى هذه الكاميرات في ظلّ غياب أيّ ردّ عربيّ أو إسلاميّ على استمرار اقتحامات المستوطنين اليوميّة للأقصى الّتي سيتمّ توثيقها، أو إذا تمّ استخدامها في ملاحقة المرابطين في الأقصى إمّا بالإعتقال، إمّا بالإبعاد، وإمّا بحرمانهم من دخول المسجد.