طهران، إيران – مرّت ثلاثة أسابيع فقط على تنظيم إيران انتخابات برلمانيّة مفصليّة، لكنّ جدالات كثيرة أثيرت حول تصريحات أدلت بها مشرّعة جديدة وعضو مخضرم في البرلمان. وفي الوقت نفسه، تمّ التشكيك في مؤهّلات مرشّحين إصلاحيّين اثنين، من بينهما امرأة.
اندلع الجدل الأوّل عندما نفت بروانه صلاح شوري، وهي عالمة اجتماع ترشّحت على اللائحة الإصلاحيّة في طهران وفازت، إدلاءها بتصريحات حول الحجاب الإسلاميّ الإلزاميّ في إيران نسبتها إليها المراسلة فيفيانا مازا من صحيفة "كورييري ديلا سيرا" اليوميّة الإيطاليّة. وفي مقابلة سابقة مع مازا، قالت صلاح شوري: "من حقّنا الأساسيّ أن نختار [ما إذا كنّا نريد ارتداء الحجاب الإسلاميّ]... سيأتي الوقت [الذي لن تضطرّ فيه المرأة إلى ارتدائه إذا لم تشأ ذلك]... من الصعب القيام بالخيار الصحيح". وعند سؤالها عمّا إذا كان ارتداء الحجاب سيصبح في يوم من الأيّام خياراً بالنسبة إلى المرأة الإيرانيّة، أجابت: "طبعاً، إنّها عمليّة التطوّر".
وعلى الفور، تعرّضت صلاح شوري لهجوم عنيف فادّعت أنّ تصريحاتها أُخرجت من سياقها. لكنّ شريط المقابلة المصوّر، الذي تُرجم وانتشر على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعيّ في إيران – بما في ذلك تطبيق الرسائل الشعبيّ "تيليغرام" – يُظهر أنّ صلاح شوري أدلت بالفعل بالتصريحات المنسوبة إليها.
وفي حادثة أخرى، أثار النائب نادر غازي بور من أورومية في محافظة أذربيجان الغربيّة الجدل بعد إهانته النساء في البرلمان وإطلاقه نكاتاً بذيئة في شريط مصوّر انتشر على نطاق واسع. وردّاً على ذلك، رفعت المشرّعات دعوى قضائيّة ضدّ غازي بور. وقد حاول مشرّعون آخرون التوسّط بين الطرفين، لكنّ البرلمانيّات مصرّات على الاستمرار في الدعوى حتّى النهاية.
وفي حادثة ثالثة، شكّكت بعض وسائل الإعلام في شرعيّة ترشّح سهيلة جيلودارزاده. كانت جيلودارزاده المرشّحة الثالثة على "لائحة الأمل" الإصلاحيّة المؤلفة من 30 مرشحّاً في طهران وفازت. وتنصّ القوانين الانتخابيّة الإيرانيّة على استقالة المرشّحين من وظائفهم في الدولة قبل ستّة أشهر على الأقلّ من ترشّحهم. ويقول النقّاد إنّ جيلودارزاده كانت تعمل مستشارة في وزارة الصناعة والتعدين والتجارة على الرغم من ترشّحها للانتخابات. لكنّ الوزارة أصدرت بياناً نفت فيه هذا الاتّهام، مضيفة أنّ جيلودارزاده استقالت في حزيران/يونيو من السنة الماضية. ولا يزال الجدال قائماً.
صراع طويل
حاولت النساء دخول المعترك السياسيّ الإيرانيّ طوال السنوات السابعة والثلاثين التي تلت الثورة الإسلاميّة في البلاد سنة 1979. وتولّت النساء مناصب رفيعة في الشقّ التنفيذيّ. على سبيل المثال، في الإدارة الحاليّة، تتولّى امرأتان منصبي نائب الرئيس لشؤون المرأة والعائلة وللشؤون القانونيّة، بالإضافة إلى رئيسة منظّمة حماية البيئة. وكان الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد رئيس الحكومة الأوّل – والأخير – الذي رشّح ثلاث نساء لمحفظات وزاريّة، علماً أنّ امرأة واحدة منهنّ، وهي الطبيبة النسائيّة مرضية وحيد دستجردي، حظيت بالدعم الكافي في البرلمان كي تكون وزيرة الصحّة الأولى في إيران.
أمّا في الشقّ التشريعيّ، فالمشهد أكثر سواداً. ففي العقود الثلاث الماضية، وصلت إلى الحكم 78 امرأة من أصل 2954 مشرّعاً، أي ما يساوي امرأة واحدة من أصل 20 رجلاً. وشهد البرلمان الخامس (2000-1996) أكبر عدد من النساء ألا وهو 14. لكن من المرجّح أن يتمّ تحطيم هذا الرقم القياسيّ بما أنّ 14 امرأة انتُخبن في اقتراع 26 شباط/فبراير، وستتنافس 8 نساء أخريات في جولة ثانية ستجرى الشهر المقبل.
وبما أنّ بعض المشرّعات المنتخبات حديثاً لا يتجاوزن الثلاثين من العمر، تتوقّع بعض الناشطات أن تضغط البرلمانيّات الجديدات من أجل إدخال تغييرات على القوانين الحاليّة وإصدار قوانين جديدة وتعزيز دور البرلمان الرقابيّ. أمّا المواطنات الإيرانيّات فيشعرن بالتشاؤم والتفاؤل معاً.
تعتبر بونيه، وهي مصمّمة غرافيكيّة في طهران تبلغ من العمر 24 عاماً ولم يتسنَّ لها الوقت للتصويت، أنّ وجود المرأة في البرلمان أمر إيجابيّ، وتأمل أن تتمكّن النساء في البرلمان من تقديم شيء إلى النساء الأخريات.
وقالت عاطفة، وهي معلّمة سباحة في العاصمة الإيرانيّة تبلغ من العمر 27 عاماً، لـ "المونيتور": "في أسوأ الحالات، وإن لم يكنّ فاعلات، طالما أنّ المجتمع يعتاد رؤيتهنّ في البرلمان فستكون المهمّة قد أنجزت". اطّلعت عاطفة بدقّة على مواصفات جميع النساء اللواتي صوّتت لهنّ وهي تعتبر أنّ "ثلاثة منهنّ على الأقلّ براغماتيات يمكنهنّ إحداث تغيير".
وقالت شيرين، وهي مديرة في الأربعينات، لـ "المونيتور"، إنّها دوّنت أسماء نساء في الاقتراع لكنّها ليست متفائلة جداً لأنّ الرجال سيعيقون كلّ جهود النساء في البرلمان. واعتبرت شيرين أنّه طالما أنّ نصف المقاعد البرلمانيّة لا تشغله نساء، فلا يمكن اعتبار البرلمان ممثّلاً للمجتمع الإيرانيّ بأسره.
وقالت بتول موسوي، وهي طالبة دكتوراة في الدراسات النسائيّة ترشحّت كمستقلّة في طهران ونالت 4514 صوتاً، لـ "المونيتور" إنّها تعتقد أنّ وجود النساء في البرلمان يقدّم إليهنّ فرصاً كافية لرفع الصوت والتعبير عن مشاغلهنّ المتعلّقة بشؤون المرأة. وانتقدت بتول البرلمانيّات الحاليّات، معتبرة أنّ وجودهنّ في البرلمان لم يحدث أيّ فرق.
وبالفعل، نادراً ما كانت المشرّعات السابقات من بين أعضاء البرلمان الأكثر نشاطاً. ففي السنوات الأربع الماضية، أدلت تسع مشرّعات بما معدّله أربعة خطابات في البرلمان. ومن الإنجازات المحدودة التي حقّقتها النساء تمرير مشروع قانون لتقليل ساعات عمل الأمّهات اللواتي لديهنّ ظروف معيّنة. وتجدر الإشارة إلى أنّ جميع البرلمانيّات الحاليّات هنّ من التيّار المحافظ – وأنّه لم يعاد انتخاب أيّ منهنّ في 26 شباط/فبراير. ولا تتمتّع البرلمانيّات بأيّ دور في اللجان البرلمانيّة الرئيسيّة، ويشاركن عادة بأنشطة تتعلّق بلجان الصحة والرعاية الطبيّة، والشؤون الاجتماعيّة والشؤون الثقافيّة، ولجان المادة 90.
أمّا النساء الأكثر نشاطاً فكنّ في البرلمان السادس ذات الأكثريّة الإصلاحيّة [2004-2000]. فقد أدخلن تعديلات على قوانين وأنظمة متعدّدة متعلّقة بالمرأة. وشملت بعض هذه التدابير إرغام الحكومة على تخصيص منح دراسيّة لطالبات الدكتوراه من أجل متابعة دراستهنّ في الخارج، وإعفاء المرأة من دفع الضرائب الخاصّة، ورفع سنّ الزواج القانونيّة للفتيات من 9 إلى 13، وتمرير مشروع قانون حول الإجهاض لأسباب طبيّة، واعتماد خطط لتمكين النساء المعيلات، إلخ.
تقول معظم المرشّحات اللواتي ينجحن في دخول البرلمان إنّهن يسعين إلى إصلاح القوانين المتعلّقة بالمرأة. وتظهر تجربة السنوات الستّة عشر الماضية أنّ بعضهنّ تمكّن من الوفاء بوعده، كما أشرنا أعلاه.
لكن على الرغم من هذه الجهود، يبدو أنّ التطبيق الصحيح لغالبيّة هذه القوانين ليس مضموناً. وعلى الرغم من كلّ الآمال والشكوك، لا يزال الكثيرون يعتبرون أنّ ضخّ دماء جديدة في صفوف النساء في البرلمان هو نذير خير بالنسبة إلى جميع من انتخب نساء.