بغداد - تحدثت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها نشرته في الحادي والثلاثين من كانون الثاني/يناير 2016، عن: "إختطاف وقتل العشرات من السُنة المُقيمين في بلدة تقع وسط العراق، من قبل عناصر من ميليشيات شيعية، ضمتها الحكومة إلى قوات الجيش، بالإضافة إلى هدم منازل ومتاجر ومساجد سُنية في أعقاب تفجيري 11 يناير/كانون الثاني 2016 التي أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية"، المعروف كذلك باسم داعش، مسؤوليته عنهما. لم يُقدم أي من هؤلاء المسؤولين إلى العدالة".
ونقلت المنظمة، عن جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قوله في التقرير: "يدفع المدنيون مرة أخرى ثمن إخفاق العراق في إحكام السيطرة على الميلشيات المُنفلتة. على الدول التي تدعم قوات الأمن العراقية وقوات الحشد الشعبي أن تُصرّ على أن تضع بغداد حدا لهذه الانتهاكات القاتلة".
لكن سعد الحديثي المتحدث بإسم المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، قال في مقابلة مع "المونيتور"، رداً على تقرير هيومن رايتس ووتش الذي أصدرته في الحادي والثلاثين من كانون الثاني/يناير2016،: إن "التقرير يتحدث عن مايشبه صراع وحرب أهلية، لكن الحقيقة عكس ذلك، فهناك عصابات إرهابية، إستهدفت العراقيين بكافة إنتمائاتهم في محافظة ديالى من أجل خلق فتنة تؤدي لحرب أهلية، وعلينا أن لا نساعدهم بذلك ونكشف إجرامهم، ونظهر وحدة العراقيين".
وضمن تقريرها السنوي لواقع حقوق الإنسان في العالم، لعام 2015، الذي أصدرته في السابع والعشرين من كانون الثاني/يناير 2016، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش": إن "قوات الأمن العراقية والميليشيات الموالية للحكومة، إرتكبت جرائم حرب محتملة خلال عام 2015 في حربها ضد "تنظيم الدولة الإسلامية" المتطرف (المعروف أيضا بإسم داعش)، من خلال هدم المباني بطريقة غير شرعية في المناطق التي أعادت السيطرة عليها، وتنفيذ عمليات إخفاء قسري في حق السكان".
وأضافت المنظمة الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان في التقرير ذاته،: إن "ميليشيات، أغلبها شيعية، تقاتل "داعش" بدعم من الحكومة العراقية، مثل "فيلق بدر"، و"عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله"، نفذت إنتهاكات واسعة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، لا سيما من خلال هدم المنازل والمحلات التجارية في المناطق السنية المستعادة.
لكن أحمد الأسدي النائب في البرلمان العراقي عن التحالف الوطني (الشيعي)، وهو المتحدث بإسم هيئة الحشد الشعبي، التي تعتبر جزء من الدولة العراقية، هاجم، في الثامن والعشرين من كانون الثاني/يناير 2016، تقرير هيومن رايتس ووتش، الذي تحدث عن: "إرتكاب القوات الأمنية العراقية والحشد الشعبي، جرائم حرب". وقال الأسدي: إن "المعلومات التي جاء بها تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، مغلوطة، وأنها تحاول تشويه إنتصارات تلك الفصائل (الحشد الشعبي)، والتعامل بإزدواجية من خلال كيل الإتهامات للحشد الشعبي وتجنب الحديث عن إنتهاكات تنظيم "داعش".
ولم ترض الحكومات العراقية المتعاقبة بعد عام 2003، عن التقارير التي تصدر من منظمات حقوقية دولية، خاصة تلك التي تتحدث عن إنتهاكات تقوم بها الحكومات العراقية أو ميليشيات مقربة منها، مما خلق حالة من عدم الرضا المستمر تجاه تلك المنظمات الحقوقية.
وقال تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة في الثالث والعشرين من شباط/فبراير2015: إن " انتهاكات خطيرة وإساءة للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان ارتكبها تنظيم داعش، ذات طابع منهجي واضح وعلى نطاق واسع. وتشمل هذه عمليات قتل المدنيين والإختطاف والإغتصاب، والعبودية والإتجار بالنساء والأطفال، والتجنيد القسري للأطفال، وتدمير الأماكن ذات الأهمية الدينية أو الثقافية والنهب والحرمان من الحريات الأساسية، وغيرها".
ففي مقابل الإنتهاكات الّتي يرتكبها تنظيم "الدولة الإسلاميّة" ووصلت إلى مرحلة حرق المدنيّين، تحدّثت منظّمة "هيومن رايتس ووتش" في 20 أيلول/سبتمبر من عام 2015 في تقرير بعنوان "دمار ما بعد المعركة" عن انتهاكات ارتكبتها ميليشيات موالية للحكومة في مدينة تكريت بمحافظة صلاح الدين العراقيّة.
ومن جهته، قال سعد الحديثي، وهو المتحدّث باسم حيدر العبادي خلال مقابلة مع "المونيتور": "الحكومات بمعظمها في المنطقة ليست لديها علاقات إيجابيّة مع المنظّمات الحقوقيّة الدوليّة، لأنّنا في العراق وجدنا أنّ بعض المنظّمات الدوليّة اعتمد في تقاريره عن العراق معلومات من مصادر غير موثوقة".
أضاف: "العراق يدعو تلك المنظّمات إلى أن تكون تقاريرها معتمدة على معلومات من مصادر مطّلعة وعلى علاقة بالأحداث، وأن يكون هناك أكثر من مصدر للتأكّد من المعلومة، ويُفضّل أن تكون هناك زيارات لمراقبي تلك المنظّمات والإطّلاع في شكل ميدانيّ على مكان الحدث".
من جهتها، قالت المديرة التنفيذيّة لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظّمة "هيومن رايتس ووتش" سارة ليا ويتسن لـ"المونيتور": "من الشائع للحكومات أن تستنكر أو تنفي تقارير هيومن رايتس ووتش حول واقع حقوق الإنسان في أيّ بلد. لذا، نحن لا نستغرب نفي الحكومة العراقيّة الحقائق والأدلّة في تقاريرنا".
أضافت: "من الصعب على الحكومات أن تتقبّل الإنتقاد، لا سيّما عندما تكون الإنتهاكات الّتي نوثّقها تدلّ على انتهاكات حكومة ضدّ مواطنيها، وبالتّحديد خلال أوقات الصراع أو الحرب، ممّا يجعل الحكومة أكثر عرضة للخطر، لكنّنا في العراق الآن على علاقة جيّدة مع العديد من الأشخاص في الحكومة العراقيّة، ونجدهم أكثر انفتاحاً وتقبّلاً للنقاش من العديد من الحكومات الأخرى في المنطقة، ولا أتصوّر أنّهم يهملون تقاريرنا عمداً، بل نحن ممتنّون للكثير من التعليقات الإيجابيّة من رئيس الوزراء حيدر العبادي والتزامه كبح انتهاكات المليشيات والتّحقيق ومعاقبة المسؤولين عن تلك الإنتهاكات، ونتمنّى أن يفي بهذا الإلتزام".
وكذلك، هذا ما حدث مع إقليم كردستان العراق الّذي يتمتّع بحكم شبه مستقلّ، فعندما صدر تقرير المنظمة الدوليّة في 20 كانون الثاني/يناير من عام 2016، الّذي تحدّث عن "قيام قوّات البيشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق والميليشيات الكرديّة في شمال العراق باستخدام الجرّافات ونسف وإحراق آلاف المنازل في محاولة، على ما يبدو، لتهجير سكّان المجتمعات العربيّة"، ردّ بعد ساعات من صدور التقرير، رئيس لجنة التقييم والردّ على التقارير الدوليّة في حكومة إقليم كردستان العراق ديندار زيباري قائلاً: "الإدعاءات الّتي وجّهتها هذه المنظّمة إلى قوّات البيشمركة في المناطق المحرّرة من أيدي تنظيم داعش الإرهابيّ إتهامات غير صحيحة وعارية من الصحّة وتنقصها الحياديّة، وأيضاً تتجاهل تضحيات قوّات البيشمركة الّتي قدّمت الآلاف من الشهداء والجرحى من أجل تحرير أبناء ومواطني المناطق الّتي احتلّها تنظيم داعش".
وإزاء ذلك، قالت عضو لجنة حقوق الإنسان في مجلس النوّاب العراقيّ شيرين محمّد رضا لـ"المونيتور": "إنّ المسؤولين العراقيّين يجب أن يشكروا المنظّمات الحقوقيّة الدوليّة والمحليّة، لأنّها تنبّه الحكومات العراقيّة على الإنتهاكات الّتي تحدث من قبلها أو من قبل جهات خارج سلطتها، وأن تبني علاقات إيجابيّة معها".
واقترحت شيرين محمّد رضا على الحكومة العراقيّة تشكيل "فرق ولجان خاصّة لمتابعة المعلومات الّتي توردها تقارير المنظّمات الحقوقيّة الدوليّة والمحليّة، لتقوم بزيارات ميدانيّة لأماكن الإنتهاكات. وبالتّالي، تكون هي المستفيدة من تلك التقارير، وليست متضرّرة، لأنّها ستكشف انتهاكاً بلا جهد".
وبدوره، قال المدير التنفيذيّ لـ"مرصد الحريّات الصحافيّة" في العراق زياد العجيلي خلال مقابلة مع "المونيتور": "هناك بلدان في الشرق الأوسط، خصوصاً تلك الّتي تخضع إلى حكومات شموليّة، دائماً ما ترفض التقارير الحقوقيّة، وبالكلام الإنشائيّ وليس بالأدلّة، رغم أنّ هذه المنظّمات لا تقول شيئاً من دون وجود أدلّة على ما تقوله. لذا، فإنّ فكرة تكذيب هذه التقارير من قبل حكومات الشرق الأوسط والعربيّة هي دليل دامغ على تورّط هذه الحكومات بانتهاكات إنسانيّة".
أضاف: "الّذين يديرون الدولة العراقيّة يفكّرون بطريقة شموليّة. لذا، تجدهم رافضين للتقارير الّتي تكشف انتهاكات حقوق الإنسان، رغم أنّ النخبة السياسيّة الحاكمة كانت مستفيدة من المنظّمات الدوليّة، عندما كانت تعارض نظام صدّام حسين، حيث كانت المنظّمات الحقوقيّة تدين ديكتاتوريّة نظام صدّام حسين، لكن أصبحت تلك النخبة تشبه صدّام في كلّ شيء للأسف".
والحال، إنّ الحكومات العراقيّة لم تتوقّف عن نفي تقارير المنظمات الحقوقيّة والدوليّة وانتقادها، في ظلّ الإنتهاكات الإنسانيّة الكبيرة التي يشهدها العراق الآن، إن كانت من الحكومات نفسها أو من جماعات تتبع شخصيّات نافذة في الدولة العراقيّة، مثل الميليشيات المقربة من زعماء الأحزاب السياسيين، ولا يريد البعض تصنيف جرائمها على أنّها انتهاكات.
والملاحظ أنّ حال حقوق الإنسان في العراق تواصل التدهور، خصوصاً بعد أن سيطر تنظيم "داعش" على مدينة الموصل في 10 حزيران/يونيو من عام 2014، وعمل على قتل وتهجير الأقليّات وكلّ من يخالف أوامره، ممّا فاقم انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد ونشر حالاً من الأعمال الإنتقاميّة والفوضى.