يحتشد نحو 60 ألف شخص على الحدود التركيّة محاولين الهرب من الهجمات السوريّة والروسيّة في محافظة حلب، وتزداد المخاوف بشأن وجود مقاتلين في صفوفهم.
فبحسب معلومات صادرة عن الجيش التركيّ ومحافظة كلس، هناك مقاتلون أجانب كثر في صفوف الأشخاص الذين يحاولون العبور إلى تركيا. ووصف مصدر أمنيّ رفيع المستوى عند الحدود اللاجئين، قائلاً إنّهم مدنيّون هاربون من منطقة حلب-أعزاز، وعائلات مقاتلين معارضين كانت تقيم في المناطق المحرّرة، ومقاتلون مدعومون من تركيا في منطقتي باير بوجاق وحلب-أعزاز، ومقاتلون أجانب تابعون لتنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش).
وباتت تركيا، التي علّقت سياسة الباب المفتوح، أكثر مرونة عند منطقة هاتاي-يايلاداغي الحدوديّة مع الأشخاص الهاربين من منطقة باير بوجاق.
عند معبر سيلفيغوزو الحدوديّ، وهو المعبر الرسميّ الوحيد بين إدلب وجسر الشغور، يُسمح للمرضى والجرحى ليس إلا بدخول تركيا.
وعند بوّابة أونكوبينار الحدوديّة بالقرب من كلس، التي تؤمّن عادةً نفاذاً إلى حلب الريفيّة، يتمّ تنظيم العبور بصرامة. وشرقاً، تمّ إقفال المعبر الرسميّ في مدينة جرابلس الخاضعة لسيطرة داعش.
وقال عامل إغاثة لـ "المونيتور": "أُقفلت البوّابات، لكنّ المقاتلين يستعملون معابر بديلة. من المستحيل إقفال كلّ المعابر الحدوديّة المستعملة من أجل العبور غير الشرعيّ. وإنّ كلّ التدابير الصارمة المتّخذة تعيق عبور الأشخاص العاديّين، لا المقاتلين الذين يعرفون طرقات أخرى".
ونظراً إلى المراقبة الصارمة عند الحدود في الريحانية وكلس، ارتفع عدد اللاجئين في هاتاي. ويحتشد مئات الأشخاص بثياب ملطّخة بالوحل عند محطّة الحافلات محاولين الذهاب إلى مكان ما، بعد أن مشوا في الحقول للهرب.
وشرح مصدران مختلفان من منظّمتي إغاثة لـ "المونيتور" الوضع في ما يتعلّق بتركّز اللاجئين عند محطّة الحافلات في هاتاي.
فقالا إنّ الأشخاص الذين يعبرون من يايدالاغي إلى هاتاي ليسوا تركمانيّين، بل عرب. فغالبيّة التركمانيّين استقرّوا في وقت سابق في مخيّمين للاجئين في يايلاداغي أو غادروا مع أقربائهم. ووصل ما بين 10 و15 ألف لاجئ مقيم في مخيّم يمادي في الجانب السوريّ بعد بداية الهجمات الجويّة الروسيّة في تشرين الثاني/نوفمبر.
لكنّ العرب، الذي يعرفون أنّ الحدود مفتوحة للتركمانيّين، يريدون أيضاً استعمال معبر يايلاداغي.
وقال مصدر في الإغاثة: "يمشي هؤلاء الأشخاص الذين يتهافتون من ريف حلب في الجبال ويعبرون حقولاً وأنهراً للوصول إلى تركيا. ويصل كلّ يوم ما بين 300 و400 شخص عبر هذه الطريق. ويتمّ توقيف الأشخاص الذين لا يحملون بطاقات تعريف خاصّة باللاجئين. وتُمنع الحافلات الصغيرة التي تنقل لاجئين لا يحملون بطاقات من العمل، لكنّ الناس يجدون وسيلة للمجيء ليلاً – أحيانأً من خلال دفع مبلغ أكبر بمرّتين أو ثلاث مرّات من المبلغ المعتاد".
وعندما يصل هؤلاء إلى محطّة الحافلات في الصباح الباكر، يستقلّون حافلات للذهاب إلى أجزاء أخرى من تركيا، خصوصاً اسطنبول، وتتولّى الدولة نقل بعضهم إلى مخيّمات في أجزاء مختلفة من البلاد.
وقال المصدر: "يصل رجال راشدون كثر إلى المحطّة مع نساء وأطفال. لا أحد يعرف إذا كانوا مقاتلين لأنّ الجميع يدّعي أنّه مدنيّ عاديّ".
وقد تمّ إجلاء الكثير من الجرحى إلى مستشفيات في هاتاي وكلس وغازي عنتاب. ولا يقرّ أيّ منهم بأنّه مقاتل، على الرغم من إصابته.
ويتمّ إيواء الأشخاص الذين يريدون الذهاب إلى كلس في مخيّمات للاجئين أنشئت بين معبري أعزاز وباب السلامة في سوريا لأنّ الحدود مقفلة.
وتقول مصادر محليّة إنّ قوّات المعارضة التي تسيطر على الجانب السوريّ من معبر باب الهوى في الريحانية تتعاون مع السلطات التركيّة لإبعاد الناس عن الحدود. وتحصل مخيّمات اللاجئين في سوريا المواجهة للريحانية على الإمدادت من الهلال الأحمر التركيّ ومنظّمات إغاثة أخرى.
وشاركت مراسلة "بي بي سي"، سيلين غيريت، التي أجرت بحثاً على طول الحدود في كلس، "المونيتور" انطباعاتها بشأن الوضع.
فقالت إنّ "معبر أنكوبينار في كلس هادئ للغاية – الحركة الوحيدة هي من الفرق الإعلاميّة... وبين الحين والآخر، تعبر شاحنة مساعدات تابعة للمفوضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين أو الهلال الأحمر التركيّ أو إحدى وكالات الغوث الأخرى إلى سوريا، حاملة الأغذية والمياه والبطانيات ومعدّات النظافة إلى الآلاف الذين ينتظرون في الجهة الأخرى من الحدود".
وأضافت: "في الوقت الحاليّ، يُسمح للحالات الطبيّة الطارئة ليس إلا بالعبور إلى تركيا. وتتمّ معالجة الجرحى في مستشفى كلس الحكوميّ. أخبرني رجل فقد عينه في الهجمات الأخرى التي استهدفت شمال حلب، ولديه 15 ندبة من شظايا على ظهره، أنّه ترك زوجته وأولاده الثلاثة، ويريد العودة لإحضارهم. وقال لي: "لا أفهم لماذا تبقي تركيا الحدود مقفلة. هناك عشرات الهجمات الجويّة كلّ يوم"".
وقال حاكم محافظة كلس، سليمان تابسيز، لـ "المونيتور" إنّه في السنوات الثلات الماضية، استعملت تركيا مساعدات الإغاثة لبناء ثمانية مخيّمات في قرى قريبة من الحدود في الجهة السوريّة. وأضاف: "كانت هذه المخيّمات تقدّم الرعاية إلى ما بين 50 و60 ألف لاجئ. أمّا اليوم، فقد عزّزنا قدرات هذه المخيّمات كي تتمكّن من استيعاب القادمين الجدد. ونحن نستكمل بناء مخيّم تاسع استقبل حتّى الآن 10 آلاف شخص".
وقال إنّ المخيّمات استقبلت ما بين 30 و35 ألف شخص في غضون 48 ساعة فقط، مضيفاً: "ليست لدينا مشاكل كبيرة. يمكننا استيعاب الأشخاص في الجهة السوريّة من الحدود. ونحن نلبّي حاجاتهم من المساعدات الانسانيّة. وكلّ المحافظات المجاورة مستعدّة لأيّ شيء قد يحدث".
وشرح تابسيز أنّ سياسة إبقاء اللاجئين في الجهة السوريّة من الحدود هي في الواقع جزء من استراتيجيّة الحكومة الهادفة إلى إنشاء منطقة آمنة على خطّ أعزاز-مارع.
وتكثر الأحاديث عن وجود مقاتلين في صفوف اللاجئين، لكنّ الشائعات تصدر عن أشخاص لا يعرفون الكثير عن الوضع. وقال مصدر محليّ لـ "المونيتور"، طالباً عدم الكشف عن اسمه: "بالطبع هناك مقاتلون في صفوف الأشخاص المتواجدين على الحدود، لكن من الصعب تحديد عددهم. سمعتُ أنّ هناك بعض المقاتلين الذين هربوا من الجبهة الأماميّة وتوجّهوا إلى معبر أونكوبينار. وتبذل مجموعات المعارضة السوريّة جهوداً لتشجيعهم على العودة إلى الجبهات الأماميّة. وقد هرب بعض المقاتلين من منطقة باير بوجاق إلى تركيا أيضاً. ونسمع باستمرار إدانات قويّة للمقاتلين الذين فرّوا من المعركة".
ويمكن إيجاد معلومات إضافيّة في تصريحات صدرت عن القوّات المسلّحة التركيّة ومكتب حاكم كلس. فقد أشار مسؤولون إلى اعتقال عدد كبير من الأشخاص التابعين لداعش، من أتراك وموطنين أجانب، بينما كانوا يحاولون العبور إلى تركيا بطريقة غير شرعيّة في مجموعات بأعداد مختلفة، وبرفقتهم أطفال أحياناً. وبحسب المعلومات، ليس لهذه المحاولات نمط محدّد. وعلى الأرجح أنّ المسافرين الأكثر يأساً يعقدون صفقات مع مهرّبين متخصّصين في الاتجار بالبشر.
وقد توصّل الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان إلى اتّفاق مع المسؤولين الأوروبيّين جان كلود جانكر ودونالد تاسك لإبقاء الحدود تحت السيطرة مقابل 3 مليارات يورو (3,4 مليارات دولار). وانتشرت معلومات عن أنّه، وفقاً لنسخ مزعومة عن محضر اجتماع في تشرين الثاني/نوفمبر، حاول أردوغان بلا جدوى مضاعفة ذلك المبلغ من خلال التهديد قائلاً: "سوف نفتح الحدود اليونانيّة والبلغاريّة ونملأ الحافلات باللاجئين".
لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي ستفعله تركيا بجميع المقاتلين الذين سيهربون عبر الحدود عندما يستعيد الجيش السوريّ المنطقة. إنّها بلا شكّ مسألة مثيرة للقلق – وليس بالنسبة إلى تركيا وحدها.