آلدار خليل من مواليد عام 1970، لمع نجمه مع اندلاع الثورة السوريّة في عام 2011 في شكل واضح، فكان محاوراً مع الأحزاب الكرديّة تارة، وكان يؤسّس لمشروعها العمليّ لإرساء نظام الإدارة الذاتية من أجل حماية المناطق الكرديّة في روجآفاي كردستان تارات أخرى، التي تضم مناطق كوباني وعفرين والقامشلي.
التحق منذ ريعان شبابه في أوائل التسعينات بقوّات الدفاع الشعبيّ ضمن حزب العمّال الكردستانيّ، وارتقى إلى عضو الهيئة التنفيذيّة في حركة المجتمع الديمقراطيّ TEV DEM، حتّى تأسيس حزب الاتّحاد الديمقراطيّ في عام 2003، ويعتبر مهندس السياسة في المناطق الكرديّة التي تتمتّع بالاستقرار تحت الحكم الكرديّ. عاد خليل إلى سوريا بعد اندلاع الثورة السوريّة في عام 2011، ولا يزال في سوريا في المناطق الشماليّة الشرقيّة ذات الأغلبيّة الكرديّة والتي تسيطر عليها الحكومة الكردية المؤقته ووحدات حماية الشعب ولا يتوانى عن العمل ليلاً ونهاراً من أجل قضيته وشعبه حسب شهادة بعض من المقرّبين إليه.
وقد كان لـ"المونيتور" هذا اللقاء معه.
المونيتور: لم تتحالف حركة المجتمع الديمقراطي مع النظام السوريّ والمعارضة السوريّة التي نشأت في تركيا، لكنّكم تمكّنتم مع ذلك من السيطرة على المناطق ذات الأغلبيّة الكرديّة في الشمال والشمال الشرقيّ من سوريا وسط التطوّرات الجارية في سوريا منذ عام 2011. كيف تدرس الوضع في الشمال السوريّ؟
خليل: كانت لنا قراءة عمّا ستؤول إليه الأوضاع في الشرق الأوسط، واطّلاع تامّ على التعقيدات المجتمعيّة والخلافات البينيّة وحتميّة حدوث هبّات بين الطبقات الشعبيّة التي تعاني التهميش والبطالة، وتعيش دون مستوى الفقر نتيجة حالة الاستبداد والفساد والقمع. واستندت رؤيتنا على عشرات السنوات من النضال السياسيّ في مواجهة النظام السوريّ الذي حكم البلاد منذ عام ١٩٦٣ بقبضة حديديّة، وهيمنة الأجهزة الأمنيّة على مفاصل الدولة، وقمع المعارضين بقسوة.
لنا تجربة مريرة مع النظام أثناء انتفاضة ١٢ آذار/مارس ٢٠٠٤، التي قمعت بالقوّة، واعتقل خلالها المئات من أعضاء حركتنا. والشعارات التي بدأت ترفعها القوى السياسيّة السوريّة من أجل السلام والحرية في سوريا، وخصوصاً التي بدأت في اتّجاه عسكرة الحراك الشعبيّ المطالب بالحريّة والكرامة وإنهاء الاستبداد، بدت ذات صبغة إسلاميّة مذهبيّة. وهي تسعى إلى السلطة واستبدال نظام مستبدّ بنظام آخر مشابه له، لذلك لم ننجرّ إلى دائرة النار التي وضعها بعض القوى الإقليميّة، مثل تركيا والسعودية وقطر، التي سعت إلى جرّ الأكراد إليها، خدمة لمصالحها وتشريد أهلها، وخصوصاً تركيا التي عملت جاهدة من خلال بعض أدواتها وتوابعها في المنطقة الكرديّة.
النهج الذي اخترناه بعدم التحالف لا مع النظام ولا مع المعارضة لا يعني موقفاً سلبيّاً متفرّجاً من الحراك، وكانت لنا رؤيتنا بأنّ هذا الصراع الذي بدأ يأخذ منحاً عنيفاً وبشعارات طائفيّة، سيجلب الويلات إلى الشعب السوريّ ويمزّق النسيج المجتمعيّ، ويطيل أمد الأزمة. لذلك، وضعنا ثوابت لتنظيم الحماية والدفاع المشروع عن مناطقنا، والوقوف في وجه المجموعات العسكريّة التي استهدفت شعبنا مثل جبهة النصرة وداعش، وعملنا بصبر وتأنٍّ، ولم ننجرّ إلى الأفخاخ التي نصبت لنا، ووجدنا مصلحتنا تتّفق مع مصلحة القوى الديمقراطيّة التي تعمل من أجل بناء دولة ديمقراطيّة برلمانيّة ولامركزيّة. ممّا لا شكّ فيه بأنّ قراءتنا الصائبة للمشهد السوريّ هي التي جعلتنا رقماً مهمّاً في المعادلة.
المونيتور: كيف نجحتم في السيطرة على منطقة كردستان سوريا أو ما تدّعونه غرب كردستان في الشمال والشمال الشرقيّ من سوريا، وفي تكوين مثل هذه الحكومة المؤقتة القويّة وتشكيل وحدات حماية الشعب حيث يبلغ تعداد هذه القّوة 30 ألف مقاتل ومقاتلة، بهذه السرعة في حين تعجز المعارضة السوريّة نفسها عن تكوين سلطة مماثلة؟
خليل: لقد نجحنا من خلال تشخيصنا السليم للواقع السياسيّ والمجتمع السوريّ والاعتماد على التنظيم وبناء المؤسّسات الجديدة في سوريا اعتماداً على شعبنا الذي حرّكته سنوات النضال والمستعدّ إلى التضحية والعمل من دون مقابل أو ربح ماديّ، أيّ العمل التطوّعي، إضافة إلى شعبنا المرتبط بحركته والملتزم بقضيته والمنضبط. كما أنّ الجماعات المنظّمة هي الأكثر قدرة على تحقيق النجاح.
المونيتور: لقد قلتم إنّكم تقاتلون من أجل مناطقكم روجآفاي كردستان (المناطق الشماليّة والشماليّة-الشرقيّة من سوريا)، لكن وحدات حماية الشعب متوجّهون الآن وفقاً لمعلومات تنشر على الإنترنت صدرت بعد معركة تل أبيص في حزيران 2015 إلى الرقّة ودير الزور حيث لا يتواجد شعبكم (وقالت بعض الأحزاب الكرديّة مثل المجلس الوطنيّ الكرديّ إنّها غير مهتمّة أبداً بالذهاب إلى الرقّة بما أنّها ليست مدينة ذات غالبيّة كرديّة). لكن إذا كانوا مستعدّين للذّهاب إلى الرقّة، ما الذي سيتبع ذلك؟
خليل: مدينة الرقّة مدينة سوريّة، ونجد أنفسنا معنيّين مع بقيّة المكوّنات السوريّة بتحرير كامل التراب السوريّ من الإرهاب والاستبداد. لا يمكن أن تنعم مناطقنا بالحريّة والاستقرار والأمان إذا كانت بقيّة المناطق السوريّة تعاني من القمع والإرهاب، وظلّت مناطقنا تحت تهديد المجموعات التكفيريّة. نحن جزء من الكلّ السوريّ، لا أعلم عن أيّ مجموعة كرديّة تتكلّم، لكنّ بعضها مختصّ بإصدار البيانات والمعارضة على الإعلام وصفحات الجرائد، ولم يفعل شيئاً لنجدة شعبنا الكرديّ الذي تعرّض إلى القتل والتهجير من الرقّة.
المونيتور: يتّهمكم المجلس الوطنيّ الكرديّ بأنّكم يدّ النظام في المنطقة وبأنّكم تعملون تحت إشراف النظام وتقمعون التيّارات المعارضة لكم، ما هو تقييمك الخاصّ؟
خليل: عقدنا مع المجلس الوطنيّ الكرديّ اتّفاقات عدّة وهي هولير 1 و2 ودهوك 1 و2. ومن بنود هذه الاتّفاقات تشكيل لجان وإدارات مشتركة. فإذا كنّا يدّ النظام، فلماذا يتهافتون إلى الشراكة معنا؟ وكيف يمارسون النشاط السياسيّ ويعقدون المؤتمرات ومكاتبهم الحزبيّة مشرّعة الأبواب في مناطق الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة، في كوباني وعفرين والقامشلي والبعض منها في المربّع الأمنيّ، الذي تقل مساحته عن كيلومتر مربع في القاميشلي مع العلم أنّهم جزء من الائتلاف المعارض ويفترض أنّهم مستهدفون من النظام. يسرح أعضاء المجلس الوطنيّ الكرديّ مع قيادة المجلس في مناطق النظام، ويمارسون حياتهم الاعتياديّة من دون أن يعترضهم أحد. هم معارضون، فليأتوا إلينا بأسماء معتقليهم في سجون النظام.
المونيتور: قمتم في حزيران 2013 باعتقال العشرات من أعضاء حركة الشباب الكرديّ وقمعتم المجموعات الشبابيّة والاحتجاجات التي قامت ضدّكم. ما هو السّبب؟
خليل: لم يتمّ اعتقال أحد نتيجة ممارسته النشاط السياسيّ. الجميع يمارس العمل بحريّة، ولكن من لا يتقيّد بقوانين الإدارة الذاتيّة الكردية ويخالفها، يتعرّض إلى المسائلة وفق القانون، والمثال على ذلك عدم التقيّد بالحصول على الرخصة لتنظيم مظاهرة أو اعتصام. إنّنا نحارب مجموعات إرهابيّة تستهدف منطقتنا، ومن يتمّ اعتقاله يكون بسبب ارتباطات مع هذه الجماعات التي تستهدفنا بالشرّ. البعض ممّن يتمّ اعتقاله يقدّم معلومات استخباراتيّة أو يؤدّي أعمال لوجستيّة، أو يعمل دور الطابور الخامس لقاء منفعة مادّيّة.
المونيتور: كيف ترى مستقبل المنطقة التي تسيطرون عليها؟ هل تعتقد أنّ المجلس الوطنيّ الكرديّ سيحكم معكم، أم لديكم مشروع سياسيّ مستقلّ في المنطقة؟
خليل: المستقبل مرهون بالمتغيّرات التي تشهدها المنطقة في شكل عامّ. قوى دوليّة وإقليميّة تتصارع والمنطقة مفتوحة على كلّ الاحتمالات. ولكن ما تمّ تأسيسه وبناؤه من قبلنا يعدّ حالة متقدّمة، وهو نتاج منهج ومبدأ يستند إلى العيش المشترك بين كلّ المكوّنات في سوريا من أكراد، عرب، سريان، آشور وكلدان، وما وصلنا إليه من إنجازات لا يمكن التراجع عنه. وننطلق من مناطقنا في اتّجاه العمق السوريّ، ونرى أنّ نموذج الإدارة المطبّق في روجآفاي كردستان سيكون المثال الذي سيحتذى به في بقيّة المناطق السوريّة. أمّا بالنسبة إلى المجلس الوطنيّ الكرديّ، فنحن لم نغلق الباب أمام أحد للمشاركة في الإدارة، لكن لكلّ منّا برنامجه المختلف عن برنامج الآخر، وكما في كلّ الأنظمة الديمقراطيّة، يتمّ اعتماد آليّات تداول للحكم من خلال الاحتكام إلى صناديق الاقتراع.
المونيتور: هل تعتقد أنّ إقليم كردستان سوريا يجب أن يندرج ضمن إطار نظام اتّحاديّ؟
خليل: يعتبر النظام الذي يعتمد اللامركزيّة السياسيّة من أنجح الأنظمة في الإدارة والحكم، لأنّ نظام اللامركزيّة يعطي الحقّ إلى كلّ منطقة أن تكون لها سياستها الخاصّة. ويقوم سكّان تلك المنطقة بإدارة شؤونهم بأنفسهم ويقوم نظام اللامركزيّة على أساس فكرة توزيع الصلاحيّات بين المركز والأقاليم في الدول التي تتميّز بالتنوّع القوميّ والثقافيّ والدينيّ. ويعد النظام الفيدراليّ من أنجح الأنظمة، أمّا النظام المركزيّ فيكرّس الاستبداد والاستفراد بالسلطة وهيمنة المركز على الأقاليم. نموذج الإدارة الذاتيّة المطبّق في روجآفاي كردستان شكل متطوّر من أشكال الحكم اللامركزيّ، وهو النموذج المثاليّ للحلّ في سوريا.