دمشق - خمسة أشهر من الحصار المطبق، منذ تمّوز/يوليو الماضي مارسه النّظام السوريّ على مدينة مضايا في ريف دمشق الغربيّ، بهدف الضغط على مقاتلي المعارضة في الزبداني المجاورة، كانت كفيلة لتجعل وجوه الناس هناك شاحبة وأجسامهم هزيلة، حيث باتوا يعيشون ما يشبه السجن المركزيّ، وسط مجاعة حقيقيّة إثر النّقص الحاد في الموادّ الغذائيّة. لم تشفع لأهالي المدينة المحاصرة، الّتي يتواجد فيها 40 الف نسمة، الهدنة الّتي عقدت بين وفد إيرانيّ وممثّلين عن حركة "أحرار الشام" في تركيّا أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، حيث كانت تقضي بفكّ حصار النّظام لمدينتي مضايا والزبداني مقابل فكّ جبهة النّصرة الحصار عن بلدتي الفوعة وكفريّا بريف إدلب، ولم يطبّق منها إلا بندان :الأول وقف لإطلاق النار كان قد خرق في 27 سبتمر الماضي من قبل حركة أحرار الشام ثم استقر الوضع العسكري بعد ذلك، والثاني يقضي بخروج الجرحى وعائلاتهم من المدن سابقة الذكر برعاية أممية ، وهو ما حدث صباح الإثنين 28 ديسمبر الجالري، حيث خرج مايقارب 135 جريح وعائلاتهم مدينة الزبداني، مقابل 336 جريح وعائلاتهم من بلدتي كفريا والفوعا. متوجهين من الزبداني إلى بيروت ثم مطار رفيقي الحريري ومنها إلى تركيا، في المقابل من الفوعا وكفريا إلى تركيا ثم إلى لبنان.
وقالت منال العبدالله إحدى الناشطات المدنيات في المدينة لـ"المونيتور" عبر "سكايب "أن نموت سريعاً بقصف فجائيّ من الجيش السوريّ أرحم من الموت البطيء الّذي نواجهه كلّ يوم بشقّ الأنفس"، ". تابعت: "نحن نموت في هذا السجن الكبير الّذي يسمّى مضايا، وصلنا إلى حائط مسدود بعد أن خاب أملنا في الهدنة الّتي حصلت في أيلول، ولم يسمحوا لنا بالخروج أو إدخال الموادّ الغذائيّة، لا أفق لأيّ حلّ لأزمة المجاعة الحقيقيّة الّتي نعيشها، نطلب من الطرفين (النّظام والمعارضة) أن يقوما بحلّ حساباتهم السياسيّة بعيداً عن المدنيّين، فلم تعد لدينا القدرة على التحمّل".
وأضافت العبدلله أنّ معظم العائلات تعيش على وجبة طعام يوميّة ممّا يتيسّر الحصول عليه، عاقدة الأمل على إدخال الطحين والمساعدات إلى المدينة، يوم الأربعاء في 29 كانون الأوّل/ديسمبر، بحسب ما أشارت فرق الهلال الأحمر الّتي دخلت المدينة لإخراج الجرحى ، ولم يتم إدخالها حتى اللحظة.
ووصف المسؤول الإغاثيّ في مجلس مضايا المحليّ محمّد الدبس لـ"المونيتور" الوضع بالكارثيّ، وقال: "نحن في مضايا يمكن وصف وضعنا بالمجاعة الغذائيّة، وهذا عار على كلّ الضمائر العالميّة والمنظّمات والحكومات المدّعية الدفاع عن حقوق الإنسان".
وأضاف الدبس: "نحن في مضايا نسكن الآن في أكثر منطقة بالعالم ارتفاعاً في الأسعار بسبب الحصار وبسبب احتكار التجار لما تبقى لديهم من مواد غذائية وبيعها باسعار خيالية، حيث يصل سعر مادّة غذائيّة إلى مئة دولار، مبيّناً أنّ مئات العائلات باتت تتناول وجبة كلّ يوم أو يومين، وفي أحسن الأحوال وجبة، وتقضي بقيّة يومها في تناول البهارات المطهوة بالمياه المملّحة".
وبحسب قائمة أسعار نشرتها صفحة "مضايا" في 17 ديسمبر، على "فيسبوك" والتي يديرها ناشطون من المدينة، وصل كيلو السكّر في المدينة إلى 26000 ليرة سوريّة (67 دولاراً) ، الأرز 27000 ليرة سوريّة (69 دولاراً) الطحين 40000 ليرة سوريّة (103 دولارات)، بينما وصل كيلو الحليب إلى 45000 ليرة سوريّة (115 دولاراً).
واتّهمت الصفحة عبر إحد منشوراتها وتم حذفه لاحقاً لأسباب مجهولة بعض التجّار الذين يقومون بتهريب موادّ غذائيّة إلى داخل المدينة باحتكارها وبيعها بهذه الأسعار. كما اتّهموا بعض الجمعيات الإغاثيّة التي تعمل(مثل جمعية إيثار) في الداخل بسرقة الأموال الّتي تدخل إلى المدنيّين.
إنّ أزمة الجوع وصلت ببعض الناس إلى محاولات يائسة وخطرة لكسرها من الجهة الغربيّة للمدينة باتّجاه مدينة الزبداني، ولكنّها باءت بالفشل بعد أن انفجر عدد من الألغام الأرضيّة المزروعة هناك من قبل الجيش السوريّ و"حزب الله" اللبنانيّ لمنع دخول أيّ شخص وخروجه، وكانت النتيجة إمّا حالات موت فوريّ نتيجة انفجار هذه الألغام الأرضيّة، وإمّا بتراً للأطراف السفليّة، ليتحوّل وضع من حاول الخروج أملاً في جلب بعض الموادّ الغذائيّة أكثر كارثيّة من ذي قبل في ظلّ رعاية صحيّة شبه معدومة.
وفي هذا السّياق، قال أحد أعضاء الكادر الطبيّ المتطوع في المدينة في المدينة فائق برهان لـ"المونيتور": "هناك 15 حال وفاة حتّى الآن بسبب سوء التّغذية، من بينهم أطفال وكبار في السنّ. كما أنّ ثلاثين مدنيّاً قضوا نتيجة انفجار ألغام أرضيّة زرعها النّظام أو عمليّات قنص من الجيش السوريّ بعد محاولتهم مغادرة المدينة".
أضاف: "مصير الكثير من السكّان بات مجهولاً، خصوصاً الكبار في السنّ والأطفال والأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة بسبب نقص الحليب والأدوية اللاّزمة".
وكان ناشطون في مدينة مضايا قد أطلقوا على موقع التّواصل الإجتماعيّ "فيسبوك" حملة "استجيبوا" في 7 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، طالبوا فيها بفكّ الحصار عن مضايا المحاصرة من النّظام من جهة، وعن بلدة الفوعة المحاصرة من قبل جبهة النّصرة في جبل الأربعين بريف إدلب - شمال سوريا من جهة أخرى، ونشرت الحملة على صفحتها صوراً ومقاطع فيديو لأطفال ومدنيّين من داخل مدينة مضايا يطالبون المجتمع الدوليّ بفكّ الحصار عن المدينة. كما دعت الحملة سكّان المدينة إلى اعتصامات، قام بها المدنيين الأربعاء في 23 كانون الأوّل/ديسمبر.
ومن جهتها، قالت إحدى المشاركات في الإعتصام السيّدة مؤمنة أبو مستو لـ"المونيتور"عبر "سكايب": "كنّا حوالى 1200 شخص، خرجنا في الساعة العاشرة صباحاً، وكثير من المعتصمين مصابون بالإعياء نتيجة الجوع، فوصلنا إلى مسافة 100م من أقرب حاجز للجيش السوريّ، وقام أحد الجنود بمنعنا من الاستمرار مهدّداً بإطلاق النار".
أضافت: "ثلاثة أشخاص من المعتصمين كنت من بينهم، سمح لنا بالحديث مع الضابط المسؤول عن الحاجز يدعى حسّان "لا تعرف اسم العائلة"، الّذي وعد بدوره بإدخال مادّة الطحين في الأيّام القليلة المقبلة".
واليوم، بعد اكتمال البند الثاني من هدنة الزبداني- كفريّا الفوعا والذي تم خلاله إخراج الجرحى، يعقد أهالي مضايا المحاذية أملاً كبيراً على دخول المساعدات الإنسانية إلى مدينتهم الّتي أنهكها الجوع، وحتّى كتابة هذه المادّة ما زالت السيّدة منال العبد الله تطعم أطفالها ما تيسّر من حشائش الأرض والمياه المملّحة.