رام الله، الضفة الغربية — أطلق رئيس الوزراء البريطاني السابق ومبعوث اللجنة الرباعية الدولية السابق توني بلير حملته الخاصة للسعي إلى السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكنّ أعضاء السلطة الفلسطينية وغيرهم عبّروا بوضوح عن شكّهم في نواياه.
إنّ القادة الفلسطينيين واضحون بشأن امتعاضهم من بلير. خلال اجتماع مع مجموعة صحفيين مصريين في القاهرة في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، تهجّم الرئيس الفلسطيني محمود عباس على بلير ونعته بـ"الجاسوس" لإسرائيل بسبب محاولاته لعقد صفقة تهدئة بين حماس وإسرائيل، متجاهلاً السلطة الفلسطينية.
وقالت مصادر سياسية في السلطة الفلسطينية للمونيتور من دون الإفصاح عن هويتها، "يرفض عباس لقاء بلير منذ عامين بسبب دور هذا الأخير السلبي المؤيد لإسرائيل."
كانت السلطة الفلسطينية تنظر بعين الشكّ والريبة إلى بلير حين كان يتولّى منصب مبعوث اللجنة الرباعية للسلام في عام 2011 واتهمته باستغلال موقعه في اللجنة لـ"تحقيق طلبات إسرائيل فقط وإرضائها وتمثيل مواقفها."
كما اتهمت السلطة الفلسطينية بلير بتبنّي المقترحات الإسرائيلية في عام 2011 وبتجاهل حقوق الفلسطينيين والضغط من أجل منع فلسطين من الانضمام إلى الأمم المتحدة والتغاضي عن الحاجة إلى إشراك السلطة الفلسطينية في المفاوضات والطلب من الفلسطينيين أن يعترفوا بيهودية إسرائيل. في هذا السياق، ملأت مسيرة شبابية شوارع رام الله في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2011، مطالبةً السلطة الفلسطينية بطرد بلير.
ولكنّ بلير يدرك مدى تغيّر الأوضاع في السنوات القليلة الماضية إذ أنّ الدول العربية والإسرائيليين يواجهون اليوم الأعداء نفسهم: الإرهاب والتطرّف.
كتب بلير على موقعه الرسمي، "ثمة مصلحة مشتركة بين العرب والإسرائيليين. والقضية الفلسطينية هي المفتاح الذي يفتح هذا الباب."
تستخدم خطّة بلير التي أفصح عنها في 13 تشرين الثاني/نوفمبر في القدس إطار مبادرة السلام العربية التي أُطلقت في عام 2002. وتنصّ المبادرة على إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلّة مقابل تطبيع شامل للعلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.
مع ذلك، لم يرحّب الفلسطينيون بخطّة بلير.
وقال أمين سرّ اللّجنة التنفيذيّة لمنظّمة التّحرير ورئيس دائرة شؤون المفاوضات صائب عريقات لـ"المونيتور": "لم يعُد يشغل أي منصب ذات صلة بالمفاوضات أو بعملية السلام. انتهت مهمّة بلير في مفاوضات وعملية السلام ولم نعُد نتعامل معه."
وقال الأمين العام لجبهة النضال الشعبيّ الفلسطينيّ وعضو اللّجنة التنفيذيّة لمنظّمة التّحرير الدكتور أحمد مجدلاني أنّ خطّة بلير "هي مجرّد لعبة جديدة ودعاية سياسيّة كاذبة لتضليل الرأي العام العالميّ."
ولكن، كتب بلير على موقعه الإلكتروني الخاص أنّ خطّته قادرة على خلق "الثقة والمصداقية بين الإسرائيليين والفلسطينيين في حال تمّت تلبية ثلاثة شروط:
"أوّلاً، انخراط القوى العربية في هذه العملية أساسي وطال انتظاره. فمبادرة السلام العربية في عام 2002 شكّلتت حدثاً تاريخياً. بالطبع، تحتاج إلى مراجعة ولكنّ إطارها يقدّم طريقة للتفاوض تؤمّن للإسرائيليين والفلسطينيين على حدّ سواء ثقة بالمفاوضات وبدعمها من المنطقة ككلّ."
كما قال بلير إنّ "حياة الفلسطينيين يجب أن تتحسّن جذرياً وفعلياً وفوراً... فغزة تفتقد للبنية التحتية الأساسية للكهرباء والتنظيف ومياه الشفّة النظيفة والسكن."
كما دعا بلير إلى خلق أكثر من 100 ألف وظيفة في السنة خلال العقد المقبل.
وأضاف، "ثمة توافق عملي حول ما يجب تحسينه في الحياة اليومية في غزة والضفة الغربية. وليس هناك من دلالات ضمنية أمنية لهذه الأمور. في الواقع، تحسين الأوضاع الحياتية للفلسطينيين يخدم أمن إسرائيل. نحتاج إلى الاتفاق على هذه الأمور وتطبيقها."
"في غياب تغيير حقيقي وملحوظ في أسلوب عيش الفلسطينيين، ما من أمل لعملية سياسية."
أخيراً، قال بلير، "ما من سلام يدوم من دون موافقة فلسطينية ووحدة على أساس يؤيد حلّ الدولتين، بحيث تكون إسرائيل آمنة والدولة الفلسطينية عملية وتنبض حياة."
علّق المتحدث بإسم حركة فتح أسامة القواسمي على حديث بلير، قائلاً إنّه فارغ.
قال للمونيتور، "بلير لم يعُد يمثّل أي طرف رسمي. يعبّر فقط عن أفكاره الخاصة وهو الآن مراسل لإسرائيل، تماماً كما كان يرعى مصالحها في الماضي."
وأضاف، "بلير إنسان مشبوه ولا يلقى ترحيب الفلسطينيين على الإطلاق."
وتأجّج غضب السلطة الفلسطينيّة من بلير خلال الأشهر الماضية بسبب لقائه المزعوم برئيس المكتب السياسيّ لحركة "حماس" خالد مشعل أكثر من مرّة في تمّوز/يوليو وآب/أغسطس الماضيين في العاصمة القطريّة الدوحة بهدف التوصّل إلى هدنة طويلة الأمد بين حماس وإسرائيل، من دون الرجوع إلى السلطة أو إطلاعها على التّفاصيل.
تعتبر السلطة الفلسطينية أنّ بلير يسعى إلى تهميشها من خلال التواصل مباشرة مع حماس، ما سيعزّز الانقسام الفلسطيني ويشجّع على إقامة دولة في قطاع غزة فقط.
ولكنّ بلير لم يأكّد الأنباء القائلة بأنّه التقى بحماس، واكتفى بالقول، " وجدت منذ تخليت عن دوري في الرباعية أنه اصبح من الأسهل إجراء محادثات صريحة تماماً مع الناس وأنّ استعداد الناس للتحدث بصراحة الآن بات أفضل من السابق نظراً لعلاقاتي العامة."ورفضت حركة حماس طرح بلير لإبرام تهدئة طويلة الأمد مع إسرائيل مقابل رفع الحصار عن غزّة وإقامة ميناء بحريّ يخضع لمراقبة إسرائيل في 4 ايلول/ سبتمبر الماضي.
من جهته، قال القياديّ في حماس يحيى موسى لـ"المونيتور": "جهود بلير الّتي بذلها لإبرام تهدئة مع إسرائيل مرفوضة من حركة حماس. وهو الآن يسعى لطرح مبادرات جديدة هدفها وقف الإنتفاضة وإعادة خلط الأوراق فلسطينيّاً."
وقال القياديّ والمستشار السابق في حركة حماس أحمد يوسف لـ"المونيتور": "لقد انتهى أمر توني بلير لدينا، لا أحد يراهن عليه في أيّ ملف أو تحرّك. حركة حماس لا تأخذ بلير مأخذ الجد، لأنّه ليس بالوسيط النزيه الّذي يتمتّع بمصداقيّة لدى الطرف الفلسطينيّ، فجهود بلير ذهبت أدراج الرياح وحركة حماس أغلقت الباب في وجهه."