مدينة غزّة، قطاع غزّة - تشكّل منصّات العمل الحرّ على شبكة الإنترنت مصدراً رئيسيّاً للدخل، لكثير من الشباب في قطاع غزّة، الذين بدأوا يحترفون العمل الحرّ في تخصّصات مختلفة على هذه المواقع المتخصّصة، بجمع المتعاقد الحرّ مع عملاء حول العالم، كبديل لانعدام الفرص، في سوق العمل المحلّية، ليشكّل ذلك حلاًّ للبطالة قد يتجاوز وضعه، المرحلة الموقّتة بسبب استمرار الحصار الإسرائيليّ على القطاع لعامه التاسع على التوالي.
وخلال سنوات الحصار المفروض على غزّة، منذ عام 2007، تزايدت أعداد الخرّيجين الجامعيّين، التي تصل إلى 30 ألف خريج سنوياً وفقاً لجهاز الإحصار الفلسطيني، ومعدّلات البطالة، لدرجة أنّ هؤلاء الشبّان بدأوا يتأقلمون مع أعلى معدّل بطالة موجود في العالم، والذي تجاوز 60% في نهاية عام 2014، بحسب تقرير البنك الدوليّ الصادر في أيّار/مايو الماضي، محاولين خلق فرص نوعيّة موقّتة للنجاة من براثن الفقر، بكلّ السبل المتوافرة، فكلّ يوم توجد طريقة جديدة، وفرصة عمل نوعيّة يخلقها هؤلاء الشبّان. في حين كانت نسبة البطالة تصل إلى 34.8% في الربع الرابع من العام 2006م، أي قبل سيطرة حركة حماس على القطاع.
من جهّته، بدأ حمدان أبو طعيمة (30 عاماً)، منذ عام 2008، العمل في مجال تطوير مواقع الإنترنت والنظم الداخليّة الإلكترونيّة للشركات وتصميمها، إضافة إلى العديد من منصّات العمل الحرّ الدوليّة كموقع "أودسك"-"أب وورك" حديثاً-، "فريلانسر"، "إيلانس"، والمواقع الإقليميّة كموقع "مستقلّ" ، و"نبّش"، حتّى أصبحت مصدر دخله الأساسيّ والوحيد، بعد فشله في العثور على فرص عمل في السوق المحلّية.
لم يكن أبو طعيمة مقتنعاً بجدوى التعليم الجامعيّ كوسيلة لجلب فرص أفضل في العمل، فعمل على تطوير مهاراته وقدراته في مجال تطوير المواقع، حتّى وصل إلى مرحلة الاحترافيّة. وأوضح: "لم أكن مهتمّاً بالشهادة الجامعيّة. تخصّصت في الصيدلة، ثمّ حوّلت إلى الهندسة، وبعدها قرّرت عدم إكمال تعليميّ الجامعيّ، لأنّه بلا جدوى في ظلّ الحصار، والتركيز على العمل في ما أحبّ كمطوّر مواقع إنترنت".
وأضاف: "بعد تطوير مهاراتي في تطوير المواقع، قرّرت تحويل المعرفة إلى شيء أستفيد منه، فكانت بدايتي في تطوير مواقع لمؤسّسات محلّيّة منذ عام 2003، ثمّ بدأت بالتعرّف على مواقع العمل الحرّ، حيث العمل أكثر احترافيّة وحيويّة".
ويبيّن أبو طعيمة: "لم يقتنع أحد بجدوى العمل الحرّ، فقد كنت أقضي ساعات طوال للحصول على عرض عمل، حتّى عائلتي لم تقتنع بالعمل الأوّل الذي قمت به، وهو تصميم أيقونات لزبون على موقع أودسك، لأنّه كان مقابل 5 دولارات فقط، لكنّه كان بداية مسيرتي في النجاح في هذا العمل. فبعد خمسة أشهر، كوّنت سيرة جيّدة على تلك المنصّات، وبعدها شبكة علاقات مع زبائن مميّزين، فتزايد عدد العروض التي أقدّمها وسعرها، حتّى باتت مصدر دخل جيّد لي".
وبحسب أبو طعيمة، فإنّ العمل قد يتجاوز في كثير من الأحيان تلك المنصّات، ويقول: "لقد تجاوزت مرحلة العمل عبر المنصّات، فهناك العديد من الزبائن الذي يبحثون عن ملفّي الشخصيّ على وسائل التواصل الاجتماعيّ، للقيام بأعمال خارج تلك المنصّات، للتخلّص من عبء العمولة، وطرق الدفع التي تفرضها تلك المواقع، كما أنّني أقوم بتدريب العديد من المهتمّين على أساسيّات العمل الحرّ عبر تلك المنصّات".
وتعمل مؤسّسة "ميرسي كور" في غزّة، , وهي مؤسسة دولية معنية بالتنمية والعمل الانساني،على تدريب عدد من الخرّيجين من مختلف التخصّصات على أساسيّات العمل الحرّ، ، كي يكون سبيلاً لهم لإيجاد عمل، في محاولة للتخفيف من حدّة أزمة البطالة. وفي هذا الإطار، قال مدير برامج تكنولوجيا المعلومات في مؤسّسة "ميرسي كور" في غزّة تيسير شقليه في لقاء مع "المونيتور": " منذ عام 2011 وحتّى الآن، بدأنا بتدريب أعداد من الخرّيجين على العمل الحرّ، بواسطة محترفين في العمل الحرّ، وتأسيس أكاديميّة العمل الحرّ، وكذلك قمنا بتوفير دعم ماليّ لمدّة موقّتة للمتدرّبين لحين التمكّن من العمل والبدء في تنفيذ عروض".
ويضيف شقليه: "لقد قمنا بتدريب 86 فرداً، ضمن مجموعات وعلى مراحل، لكنّ الآن أعداد الـ"فريلانسر" الذين يعملون لمنصّات دوليّة من غزّة حسب تقديرنا يتجاوز الـ300 شخص، إذ يحاول كل متدرب لدى الميرسي كور ضم آخرين للعمل معه على إتمام عروض العمل على تلك المواقع، للتقليل من الوقت والجهد اللازم لتسليم الأعمال. فعلى الرغم من عدم وجود دراسة دقيقة بعد، إلّا أنّ هناك صفحة "بدك آي تي مان" على الـ"فايسبوك" والتي تجمع هؤلاء المحترفين لتبادل فرص العمل، الخبرات، الإعلانات، وتعدّ منصّة العمل الحرّ الخاصّة بغزّة، وتحتوي على 2700 محترف يعملون في شكل حرّ لشركات محليّة، وتشير هذه الصفحة إلى أن عدد الفريلانسرز متزايد".
تقول أفنان الحايك (29 عاماً)، وهي إحدى خرّيجات برامج "ميرسي كور" لتدريب الخرّيجين على العمل الحرّ، في حديث إلى "الموينتور": "العمل عبر مواقع العمل الحرّ يحتاج إلى كثير من الصبر والمشقّة، إلّا أنّ الجيّد فيه أنّه يتيح الفرصة للخرّيجين للعمل في تخصّصاتهم مهما كانت مختلفة، وهو أمر غير متوافر في سوق العمل المحليّ. فالخرّيج بين خيارين هنا إمّا البطالة، أم إن توافر العمل، فسيكون في غير تخصّصه الجامعيّ، وبمقابل بسيط".
تعمل الحايك وهي أيضاً حاصلة على بكالوريوس لغة فرنسيّة وإنجليزيّة، من جامعة الأزهر في غزّة، ككاتبة ومترجمة عبر تلك المنصّات، وقد تدرّجت خلال سنوات عبر هذا العمل، فقد عملت كمديرة برنامج، ومنسّقة مشاريع، وصحافيّة قامت بنقل أحداث الحرب الماضية في غزّة إلى وكالات قامت بطلب صحافيّين وكتّاب عبر العروض الموجودة على موقع "أودسك".
وتوضح الحايك: "لقد حصلت على عرض للعمل مع مؤسّسة تريد إنشاء مكتب لها في غزّة، عبر موقع "أودسك"، وكنت مسؤولة عن مشاريعها هنا، وقمت معها بتنفيذ مشروع توزيع حقائب مدرسيّة ومساعدات للأطفال خلال العام الماضي".
أمّا المهندسة سهير أبو نعمة (27 عاماً)، فنجحت أيضاً بعد 4 أشهر من التعلّم، في البدء بالعمل لدى منصّة "أودسك"، التي يقبل عليها الشباب لسهولة شروطها مقارنة بالمواقع الأخرى، لتساعدها في إيجاد مصدر دخل مستمرّ لها.
وعلى الرغم من حاجة هذا العمل إلى صبر في بدايته، إلّا أنّ أزمة الكهرباء تلقي بظلالها أيضاً على عمل الفريلانسرز بغزة، وتعبّر أبو نعمة عن ذلك في حديثها للمونيتور: "نحن مجبرون على إيجاد وسائل بديلة لتوفير الكهرباء، لنبقى متصلين بالانترنت، ولشحن بطاريات الحاسوب المحمول، كاستخدام شاحن البطّاريّات، فالعمل على هذه المواقع يكون في أيّ ساعة، والكهرباء تتناوب على الانقطاع كلّ 6 إلى8 ساعات يوميّاً، ممّا يضيف عبء التكاليف علينا".
أمّا أبو طعيمة فيبيّن أنّ هناك قيوداً على بطاقة السحب "بيونير"، وهي بطاقة تجارية مخصصة للعمل الحر عبر الانترنت، حيث يقوم الفريلانسر بالعمل على المواقع، ومن ثم تحويل أجره من الموقع إلى البطاقة، فبعد تحويل المبلغ من الموقع إلى البطاقة، لا تسمح آلة الصراف الآلي المحلية بسحب مبلغ أكثر من 200 دولار في كلّ عمليّة، مقابل عمولة 7 دولارات عليها.
وقد شكّلت قصّة نجاح أبو طعيمة، والحايك، وأبو نعمة وغيرهم دافعاً للكثير من الشباب للبدء بالعمل الحرّ عبر الإنترنت من غزّة لمنصّات دوليّة، وتوسيع شبكة علاقاتهم خارج تلك المواقع، فهي الفرصة الوحيدة المتوافرة في ظلّ ظروف استثنائيّة سياسيّة واقتصاديّة لا تمنح حتّى فرصاً أخرى للمفاضلة.