رام الله، الضفّة الغربيّة – تعيش الضفّة الغربيّة منذ الأوّل من تشرين الأوّل/أكتوبر أجواء انتفاضة الأقصى، إثر دفع الجيش الإسرائيليّ مئات الجنود إلى المدن والقرى الفلسطينيّة، وإغلاق الحواجز العسكريّة، وانفلات عقال المستوطنين ومهاجمتهم القرى والمدن الفلسطينيّة، عقب مقتل مستوطنين اثنين في إطلاق نار في 1 تشرين الأوّل/أكتوبر قرب مستوطنة إيتمار قرب نابلس شمال الضفّة، ومقتل مستوطنين اثنين في عمليّة طعن وإطلاق نار في القدس في 3 تشرين الأوّل/أكتوبر واستشهاد محمّد حلبي من مدينة البيرة الذي نفذ العملية ردا على اقتحام الاقصى اليومي من قبل المستوطنين، لتندلع بعد ذلك اشتباكات في مختلف أرجاء الضفّة الغربيّة بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال والمستوطنين، ممّا أدّى إلى استشهاد الشاب فادي علون في بلدة العيساوية برصاص الاحتلال بعد ان زعم المستوطنون انه حاول طعن بعضهم في حين نفى شهود عيان هذه الرواية في 4 تشرين الأوّل/أكتوبر.
وحملت عمليّة قتل المستوطن قرب مستوطنة إيتمار الذي يحمل رتبة ضابط في الاستخبارات الإسرائيليّة وزوجته بصمات انتفاضة الأقصى التي اندلعت في 28 أيلول/سبتمبر 2000 والتي أحيى الفلسطينيّون ذكراها الخامسة عشرة في اول اكتوبر في اراضي 48 حيث تم وضع اكاليل الزهور على قبور الشهداء، وفي 2 اكتوبر في الضفة الغربية ضمن المسيرات الاسبوعيو التي تحولت الى مواجهات مع قوّات الاحتلال .
باتت الضفّة الغربيّة اليوم أقرب ممّا تكون إلى الانتفاضة الثالثة، استناداً إلى الارهاصات الميدانيّة، لكنّها ستكون حسب المؤشّرات بأدوات مختلفة عن سابقتها التي امتازت بالطابع العسكريّ، وقامت خلالها إسرائيل بإعادة احتلال الضفّة الغربيّة وتنفيذ عمليّات اغتيال طالت قيادات سياسيّة وعسكريّة فلسطينيّة.
وطيلة 15 عاماً، أخضع الفلسطينيّون الانتفاضة الثانية إلى النقاش والتحليل للوقوف على إنجازاتها وإخفاقاتها، خصوصاً مع انتقالها من المقاومة الشعبيّة في بدايتها، إلى المقاومة المسلّحة، ممّا طرح تساؤلاً حول إمكان تكرار الانتفاضة بالأدوات ذاتها التي كان ابرزها العمليات الاستشهادية، والتفجيرية داخل اراضي 48، واطلاق النار على المستوطنين على الطرق الالتفافية في الضفة الغربية، أم أنّ المتغيّرات التي طرأت على الساحة الفلسطينيّة والإقليميّة تحول دون ذلك؟
اسستبعد الباحث في العلوم الاجتماعيّة وفلسفتها خالد عودة الله في حديث إلى "المونيتور" إمكان استخدام الأدوات التي استخدمت في الانتفاضة الثانية في أيّ انتفاضة مقبلة، قائلاً: "السلطة الفلسطينيّة فكّكت المجتمع ودمّرت بنية المقاومة داخله في شكل ممنهج، لذلك من الصعب الحديث عن إمكان إعادة الفعل (الانتفاضة) بالأدوات ذاتها".
وأضاف عودة الله: "المجتمع الفلسطينيّ لديه قدرة على خلق أدوات نضاليّة جديدة تختلف عن الادوات المستخدمة في الانتفاضة الثانية، لان الادوات السابقة التي تم استخدامها استهلكت طاقة الشعب. واليوم ليس مطلوبا الدخول بمواجهة مفتوحة مع اسرائيل لا يمكن التنبّؤ بنتيجتها".
واضاف " المجتمع الفلسطيني لا يجب ان يبقى اسير تجارب الانتفاضات السابقة وان يعيد تكرار استخدام ادواتها، لذلك فأن المطلوب من القوى الفلسطينيّة أن تبتكر أدوات جديدة".
تحول أسباب كثيرة دون اندلاع انتفاضة شبيهة بانتفاضة الأقصى بأدواتها، منها تمسّك السلطة بالاتّفاقيّات الموقّعة مع إسرائيل، وتفكيكها الخلايا المسلّحة للفصائل الفلسطينيّة، ورفض الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس اندلاع انتفاضة مسلّحة في عهده، واستمرار التنسيق الأمنيّ مع إسرائيل، والانقسام الداخليّ.
وعلى الرغم من أنّ عمليّة قتل المستوطنين في نابلس جاءت بعد ساعات من خطاب الرئيس عبّاس في الأمم المتّحدة في 30 أيلول/سبتمبر، الذي أكّد فيه أنّه "لا يمكن استمرار الالتزام بالاتّفاقيّات مع إسرائيل في ظلّ تنصّلها منها، وعلى إسرائيل تحمّل مسؤوليّاتها كسلطة احتلال"، إلّا أنّ ذلك لم يترجم على أرض الواقع، إذ أكّد مصدر أمنيّ فلسطينيّ رفض الكشف عن هويّته لـ"المونيتور" أنّه "لم يصدر أيّ قرار بوقف التنسيق الأمنيّ مع إسرائيل"، في حين قالت القناة الإسرائيليّة العاشرة مساء 2/اكتوبر إنّ "السلطة عزّزت من التنسيق الأمنيّ بعد عمليّة إيتمار".
لكنّ على الرغم من ذلك، فإنّ المراقبين يؤكّدون وجود حراك نضاليّ جماهيريّ لا يستهان به في الضفّة الغربيّة بأدوات وأشكال مختلفة، حيث تسجّل أسبوعيّاً أكثر من 160 مواجهة واشتباك بين الفلسطينيّين والاحتلال، إضافة إلى استمرار تنفيذ العمليّات الفرديّة التي كان آخرها في القدس في 4 تشرين الأوّل/أكتوبر.
وقال الكاتب والمحلّل السياسيّ أحمد رفيق عوض لـ"المونيتور" إنّه لا يمكن "استخدام أدوات الانتفاضة الثانية في أيّ انتفاضة مقبلة"، لكنّ الشعب يبدع في خلق أدوات جديدة.
وأضاف: "المطلوب اليوم انتفاضة بوتيرة منخفضة، لا تشلّ الحياة الاجتماعيّة، وتبقي الاحتلال والمستوطنين في حالة توتّر وعدم أمان، مع توزيع مناطق الاشتباك على كلّ المناطق".
وأوضح عوض: "عسكرة الانتفاضة خطأ جدّاً، لأنّنا بذلك نعطي اسرائيل ما تريد اذ ترغب بجر الاوضاع الى العنف وتصعيده لممارسة القتل بحقنا واستخدام ذلك كذريعة امام العالم ، خصوصاً أنّ الإقليم والعالم لا يكترثان بنا ولا يلجمان إسرائيل على جرائمها".
من جانبه، قال عضو المكتب السياسيّ للجبهة الشعبيّة جميل مزهر لـ"المونيتور" إنّ "شكل الانتفاضة وأدواتها تحدّدها قيادة وطنيّة موحّدة قادرة على قيادة انتفاضة شعبيّة".
وأضاف: "ما يجري في الضفّة والقدس يعطي إرهاصات واضحة لإمكان اندلاع انتفاضة شعبيّة تشمل كلّ أدوات النضال وأشكاله، بدءاً بالمظاهرات والاشتباكات مع الاحتلال على الحواجز، ومقاطعة إسرائيل، والذهاب إلى المحاكم الدوليّة، وصولاً إلى الكفاح المسلّح، والقيادة الموحّدة هي من تقرّر أيّ الأدوات ستستخدم في حال تمّ تشكيلها".
بدوره، قال عضو اللجنة المركزيّة لحركة فتح عبّاس زكي لـ"المونيتور" إنّ الشعب الفلسطينيّ يرفض العبوديّة واستمرار الاحتلال، لذلك من الصعب تحديد أدوات المرحلة المقبلة أو ملامحها، لأنّ هذا الأمر يحتاج إلى وعي ودراسة واتّفاق بين الفلسطينيّين.
وأشار زكي إلى أنّ "وضع فلسطين تغيّر اليوم مقارنة بما كانت عليه وقت اندلاع انتفاضة الأقصى، حيث باتت اليوم دولة معترف بها كدولة غير عضو بصفة مراقب في الأمم المتّحدة ، ووقّعت عشرات المعاهدات والاتّفاقيّات الدوليّة، لذلك نحن في صدد تنفيذ ما طرحه الرئيس عبّاس في الأمم المتّحدة بتحميل إسرائيل مسؤوليّتها كقوّة احتلال."
أمّا القياديّ في حركة حماس حسن يوسف فقد أكّد لـ"المونيتور" أنّ القانون الدوليّ والشرائع السماويّة منحت الشعب المحتلّ حقّ المقاومة بكلّ الأدوات والسبل بما في ذلك المقاومة المسلّحة للدفاع عن نفسه، وهذا أمر حقّ لهم ويعتقد أنّ الشعب لديه القدرة على استخدام هذه الأدوات.
لكنّ يوسف لفت إلى وجود عقبات أمام استخدام المقاومة المسلّحة في الضفّة الغربيّة تتمثّل في السلطة الفلسطينيّة، مشيراً إلى أنّ استخدام هذه الأدوات يجب أن يأخذ في الاعتبار الظروف القائمة على الأرض.
وإذا كان اندلاع انتفاضة جديدة يحتاج إلى إنهاء الانقسام الداخليّ، وتشكيل قيادة وطنيّة موحّدة من القوى السياسيّة كافّة،، إلّا أنّ ذلك لا يمنع اتّساع رقعة المواجهات مع قوّات الاحتلال الاسرائيلي في أشكال مختلفة في الضفّة الغربيّة، بحيث تأخذ شكل الانتفاضة الشعبيّة.