في خضمّ معركة تكريت في آذار/مارس الماضي، وبعد قيام التّحالف بقيادة الولايات المتحدة بتوجيه ضربات ضدّ "داعش"، قام عدد من الميليشيات المشاركة في القتال ضدّ "داعش"، ضمن قوّات "الحشد الشعبيّ" في 26 آذار/مارس بتعليق مشاركته في القتال، احتجاجاً على "التدخّل الأميركيّ" حسب وصفه. وقد بعثت تلك الميليشيات رسالة تهديد ضمن اجتماع ترأسه رئيس منظّمة بدر هادي العامري قالت فيها: "إذا أصرّ التّحالف والحكومة على هذه المشاركة، فإنّ الفصائل ستنسحب من اقتحام تكريت، وتوكل المهمّة الى الشرطة والجيش من دون تعاونها معهما".
وبعد الإعلان عن نتائج التّحقيق النيابيّ في خصوص سقوط الموصل وإحالته على القضاء لمحاسبة المتورّطين، ومنهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في 16 آب/أغسطس، ظهرت تقارير في خصوص تهديد بعض فصائل الميليشيات بالانسحاب من جبهات القتال إذا ما جرى تقديم المالكي إلى المحاكمة.
وبدا واضحاً أنّ قسماً من القوّات المنضوية تحت مظلّة "الحشد الشعبيّ" يرتبط عقائديّاً وتنظيميّاً في شكل مباشر بالإيرانيّين، ومعظمه من الميليشيات السابقة الّتي تأسّست بدعم إيرانيّ مباشر إمّا أيّام الحرب العراقيّة – الإيرانيّة، إمّا بعد عام 2003 ضمن المحاولات الإيرانيّة دعم المقاومة العراقيّة ضدّ الأميركيّين، وأبرزها: "منظّمة بدر"، "عصائب أهل الحقّ، "كتائب حزب اللهّ"، و"سرايا الخراساني"، وهذا يشكّل خطراً على مستقبل تلك القوّات ودورها في الصراع السياسيّ القائم في البلد.
ولقد علم "المونيتور" من مصادر عسكريّة في قوّات "الحشد الشعبيّ" أنّ هناك وضعاً مختلفاً يتمتّع به كلّ من الوحدات العسكريّة المنضوية تحت عنوان "الحشد الشعبيّ"، ففي حين تستلم القوّات المرتبطة بالإيرانييّن رواتبها ومعدّاتها باستمرار وبدعم كبير، فإنّ الوحدات الأخرى تعاني من عدم دفع الرواتب وقلّة المؤونات والمعدّات العسكريّة.
وفي هذا السّياق، تحدّث قائد عسكريّ في سرايا العتبة العبّاسية المرتبطة بالمقامات الشيعيّة في كربلاء مع "المونيتور" هاتفيّاً فقال: "هناك تمييز واضح بين القوّات المرتبطة بإيران وغيرها، من حيث تلقّي الدعم والمعونات الّتي تقدّمها إيران في الحرب ضدّ داعش، فنحن لدينا إمكانات بسيطة من خلال ما تقدّمه إلينا الحكومة العراقيّة والعتبات المقدّسة، ولكن بدر والعصائب وكتائب حزب الله تتمتّع بوضع أفضل منّا، وهي غير معتمدة على الحكومة والجيش العراقيّ أساساً".
وقام عدد من المنتسبين إلى قوّات "الحشد الشعبيّ" بمظاهرات في بغداد بـ21 آب/أغسطس للمطالبة بدفع رواتبه المتراكمة لأشهر عدّة. كما أنّ ضعف الدعم والتأخير في دفع الرواتب أدّيا إلى تقليل نسبة المتطوّعين في الوحدات القتاليّة غير المرتبطة بالميليشيات المنتمية إلى إيران.
وقد حدثت سابقاً حالات من الصراع بين القوّات المنضوية تحت عنوان "الحشد الشعبيّ"، إثر خلافات سياسيّة بين الأطراف الداعمة لها. وعلى الأثر، قال زعيم التيّار الصدري السيّد مقتدى الصدر، الّذي تشارك أفراده ضمن "سرايا السلام" في مجموعة "الحشد الشعبيّ" في 11 أيّار/مايو: "يجب إنهاء الخلافات الداخليّة الّتي تعصف بقوّات الحشد الشعبيّ، والعمل على تقريبه إلى الحكومة العراقيّة، بعد ما حدثت خلافات مع بعض فصائله".
ويعود سبب هذا الوضع المتأزّم لقوّات "الحشد الشعبيّ" إلى عدم خضوعها التنظيميّ الكامل للحكومة العراقيّة، إذ أنّ بعضها ينتمي إلى أطراف خارجيّة، وبعضها إلى تيّارات سياسيّة، وأخرى هم متطوّعون من مؤسّسات دينيّة واجتماعيّة مختلفة.
هذا في حين أنّ المرجع الدينيّ الأعلى السيّد علي السيستاني في فتواه للانضمام إلى القوّات المسلّحة لقتال "داعش"، قال بوضوح: "يجب تنظيم أمر التطوّع قانونيّاً، وفي شكل بالغ الدقّة، تجنّباً للفوضى والأعمال غير القانونية مثل إعطاء دور للميليشيات".
وشدّد في مناسبات عدّة على أن "تكون كلّ القوى الأمنيّة، ومن ضمنها الحشد تحت سيطرة الدولة بالكامل"، ولكن ما حدث لم يكن فقط انضمام متطوّعين إلى القوّات الحكوميّة، بل بجانب ذلك التحق عدد كبير من الميليشيات غير القانونيّة ضمن عنوان الحشد للحصول على وجه رسميّ وقانونيّ لنشاطه العسكريّ.
وفي ظلّ الظروف الرّاهنة، هناك حاجة ملحّة إلى إعادة تنظيم قوّات "الحشد الشعبيّ" بشكل يضمن ولاءها الكامل للدولة العراقيّة، ضمن تنظيم إداريّ محكم ومنسجم ذات ارتباط واضح بالجيش والدوائر الحكوميّة المرتبطة بالقوّات المسلّحة، وذلك لتجنّب استغلال تلك القوّات لصالح أجندات سياسيّة سواء أكان للأحزاب الداخليّة أم للقوى الإقليميّة.
وتعدّ خطّة تأسيس الحرس الوطنيّ، المظلّة القانونيّة لحلّ أزمة قوّات الحشد، ويتمّ ذلك بتوزيع قوّات الحشد في وحدات عسكريّة مرتبطة بالجيش العراقيّ ضمن تقسيم مناطقيّ في العراق. وبذلك، تتمكّن الحكومة العراقيّة من إعادة تنظيم تلك القوّات ضمن المنظومة الرسميّة للجيش العراقيّ.
ولقد تسرّبت أخبار خلال معارك تكريت في آذار/مارس من هذا العام أنّ الحكومة الأميركيّة بدأت بفتح أبواب تواصل مع قسم من قوّات "الحشد الشعبيّ" غير المنتمية إلى إيران. ويعدّ توسيع هذه التّواصلات وتقديم دعم أكبر إلى القوّات غير المنتمية ضروريّين جدّاً لإيجاد توازن داخليّ ضمن قوّات الحشد، ومنع تحكّم ايران بتلك القوّات واستخدامها كورقة ضغط لصالح أجندتها الإقليميّة.
وأخيراً، يشكّل وضع الحشد أحد التحدّيات المهمّة، الّتي يواجهها رئيس الوزراء العراقيّ حيدر العبادي، وذلك ليس فقط في الآونة الحاضرة، بل مستقبلاً ستخلق فائضاً من القوّة بعد إنهاء موضوع "داعش". وسينتقل هذا الفائض في شكل طبيعيّ إلى الساحة السياسيّة للعب دور بارز فيها. كما أنّ هناك دائماً احتمالات لاستغلال هذه القوّة غير المنتمية تماماً إلى الحكومة العراقيّة لصالح أجندات سياسيّة حزبيّة أو مرتبطة بقوى إقليميّة.