رام الله، الضفة الغربية — ضربت فلسطين في 27 يونيو/حزيران هزّة أرضيّة قوّتها 5.2 على مقياس ريختر، مركزها منطقة البحر الأحمر، في الوقت الّذي رصد مركز علوم الأرض وهندسة الزلازل في جامعة النجاح خلال الأسابيع الماضية نشاطاً زلزاليّاً في جنوب العقبة.
وتعتبر هذه الهزّة واحدة من مئات الهزّات، الّتي رصدتها أجهزة رصد الزلازل منذ بداية العام الجاري في المنطقة، ممّا دفع بالاختصاصيّين إلى تكرير الدعوات برفع الجهوزيّة والاستعداد لمواجهة إمكان وقوع زلازل، الّتي تشير الدراسات إلى أنّها ستتسبّب بخسائر كبيرة نظراً لوقوع فلسطين في منطقة ناشطة زلزاليّاً.
الزلزال قادم
وفي هذا الإطار، قال مدير مركز علوم الأرض وهندسة الزلازل جلال الدبيك في لقاء مع "المونيتور": "تصنّف منطقتنا بالنّاشطة زلزاليّاً. وقد تتعرّض إلى زلازل قويّة تصل إلى 7 درجات على مقياس ريختر. وإنّ الدراسات العلميّة تقول إن الزلزال مسألة وقت، قد يحصل اليوم أو غداً أو بعد شهر أو بعد سنوات، لأنّ باطن الأرض في حركة لا تتوقّف".
وفي فلسطين، حسب الدبيك، هناك مجموعة صدوع أرضيّة (بؤر زلزاليّة)، حان موعد الزمن الدوريّ لحصول كسر فيها (زلزال)، وأبرزها صدع البحر الميّت الّذي يتكرّر الكسر فيه (زلزال) كلّ 80-100 عام. وشهد الزلزال الأخير في عام 1927. والصدع الاخر هو الفارعة الكرمل والزلزال الاخير حدث به عام 1759 وتسبّب بمقتل 40 ألف شخص في فلسطين وسوريا ولبنان والأردن، وتسبّب بموجات تسونامي، إضافة إلى مجموعة صدوع طبريّا الّتي يتراوح عمرها الدوريّ بين 500-800 سنة، وهي الأسوأ من حيث القوّة بسبب طول زمنها الدوريّ، والزلزال الأخير وقع في عام 1202.
التوقّعات والدراسات العلميّة تشير الى ارتفاع احتمالات حدوث الزلزال، لوقوع فلسطين ضمن حفرة الانهدام، الّتي تحدّها شرقاً الصفيحة العربيّة، وغرباً الصفيحة الإفريقيّة. ونتيجة لتحرّك الصفيحتين عن بعضهما، ففلسطين تنزلق، مبتعدة عن الأردن نحو الجنوب بمعدّل 5-7 ملم سنويّاً، ممّا يخلق ضاغطاً في الصخر ستعجز طبقات الأرض عن تحملّه ويتسبّب بالهزّات الأرضيّة، كما قال الدبيك.
خسائر كبيرة
قال مدير رصد الزلازل الأردنيّ محمود القريوتي في تصريحات صحافيّة: "إنّ أسوأ السيناريوهات في حال حدوث زلزال كبير، أن يؤدّي إلى مقتل 10 آلاف شخص في العاصمة عمّان فقط"، في حين ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيليّة في 28 حزيران/يونيو نقلاً عن خبراء الزلازل قولهم: "إنّ وقوع زلزال كبير سيؤدّي إلى انهيار أكثر من 70 في المئة من منازل إسرائيل"، في حين قدّرت اللجنة التحضيرية لمواجهة الزلازل في اسرائيل في تقرير لها مقتل 16 ألف شخص في هذا الزلزال.
وعن التوقّعات الفلسطينيّة، قال الدبيك: "إذا وقع زلزال بقوّة 6-7 درجات على مقياس ريختر، ستكون الخسائر عالية، فهذه الدرجة لا تصنّف عالميّاً بالكبيرة، ولكنّ المشكلة تكمن في مدى جهوزيّتنا واستعدادنا. ونحن نتوقّع مقتل بين 5-8 آلاف شخص، وخسائر كبيرة في المباني والمنشآت بسبب طبيعة البناء وموادّ التّصنيع".
الجهوزيّة ضعيفة
وقال الدبيك: "إنّ جهوزيّة فلسطين محدودة جدّاً في مواجهة الكوارث الكبيرة، ولكنّها قطعت شوطاً جيّداً في عمليّة التحوّل نحو تغيير قوانين أنظمة البناء المقاوم للزلازل".
وتعمل فلسطين اليوم في المرحلة الثانية على مشروع تخفيف مخاطر الزلازل في فلسطين (مشروع SASPARM – برنامج FP7 الأوروبيّ)، الّذي يتمّ تنفيذه بالشراكة مع عدد من المؤسّسات الدوليّة في مجال تخفيف مخاطر الكوارث.
وقال الدبيك، وهو رئيس الفريق الفلسطينيّ في المشروع: "تمّ الانتهاء من المرحلة الأولى من المشروع، الّذي شاركت فيه مؤسّسات ووزارات بتمويل أوروبيّ، وتمّ خلالها تأهيل مئات المهندسين في مجال التّخطيط وتصميم المباني المقاومة للزلازل، وعقد عشرات الدورات وورش العمل حول الموضوع. والآن، نحن نعمل على المرحلة الثانية الهادفة إلى تدعيم قدراتنا في المواجهة، وتطوير كوادر الدفاع المدنيّ، وقدرات المهندسين في معالجة المباني القائمة، من خلال استخدام برامج محوسبة والهاتف الذكيّ لتخزين معلومات عن بيت كلّ مواطن لتأسيس قاعدة بيانات، ممّا يسمح بتحديد إمكان إصابتها، والقيام بمسح ميدانيّ للمباني، وتكثيف حملات التّوعية في الإعلام".
ومنذ بداية حزيران/يونيو، بدأت نقابة المهندسين بإلزام كلّ المكاتب الهندسيّة تصميم المباني العامّة والخاصّة، بحيث تكون قادرة على مقاومة الزلازل، وذلك بحسب ما قاله لـ"المونيتور" نقيب المهندسين مجدي صالح، الّذي أضاف: "هناك إشراف مباشر على كلّ المباني الّتي يتمّ تصميمها وتنفيذها لتكون مقاومة للزلازل. ولقد تمّ تنفيذ تلك المشاريع، ولم يتجاوز فرق التّكلفة عن البناء العاديّ سوى 5 في المئة".
ومن جهته، قال رئيس الهيئة الوطنيّة للتّخفيف من أخطار الكوارث واصف عريقات لـ"المونيتور": إنّ قانون الدفاع المدنيّ الفلسطينيّ رقم 3 لعام 1998 ينصّ على أنّ مسؤوليّة مواجهة الكوارث تقع على عاتق الدفاع المدنيّ والجهات الرسميّة في السلطة الفلسطينيّة.
=وأشار إلى ضرورة تطبيق إطار عمل "هيوجو"، الّذي يعطي إدارة الكوارث أولويّة وطنيّة تدرج في ميزانيّة الدولة، وتعزيز إمكانات الدفاع المدنيّ الماديّة والبشريّة، وتطبيق القوانين وتشريع أخرى من أجل تطبيق الكود الزلزاليّ في فلسطين.
ولم يخف وزير الأشغال مفيد الحساينة لـ"المونيتور" قلّة الإمكانات الفلسطينيّة وضعفها في مواجهة الكوارث، وقال: "إمكاناتنا متواضعة جدّاً، وليست متطوّرة لمواجهة الزلازل والتّداعيات الّتي قد تخلّفها، هناك جهود تبذل من كلّ الوزارات ضمن هذه الإمكانات على الصعيدي التوعويّ والتثقيفيّ".
ولفت إلى أنّ الوزارة والمؤسّسات تحاول الاستفادة من تجارب الدول الأخرى وإمكاناتها، وخصوصاً الأردن، على صعيد الأبحاث والدراسات والتعرّف على طرق وأساليب العمل في أوقات الكوارث.
إنّ قلّة إمكانات الفلسطينيّين وضعف خبراتهم في مواجهة الكوارث وحالات الطواري وطبيعة البناء التقليديّ وتجربتهم السيّئة مع المنخفضات الثلجيّة في الأعوام الأخيرة وتساقطها على ارتفاعات منخفضة، وسيطرة إسرائيل وتحكّمها في المناطق الحدوديّة والافتقار إلى مطارات وموانىء، عوامل تثير خوف الفلسطينيّين في كلّ مرّة يتمّ فيها الحديث عن إمكان وقوع زلزال، لشعورهم بالخسائر الفادحة الّتي سيتسبّب بها وعدم قدرتهم على مواجهته.